علي رباح: حزب الله لا يستظرف خطاب ظريف/وسام سعادة: نفايات بلا حلّ: أول أزمة ثورية في تاريخ لبنان

298

«حزب الله» لا «يستظرف» خطاب ظريف
علي رباح/المستقبل/05 آب/15
تمهيداً لجولته المرتقبة بين العواصم العربية، خاطب وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، المجتمعات العربية، مستخدماً أدبيات سياسية لم تعتد شعوب المنطقة على سماعها من مسؤولين إيرانيين منذ عقود. مقالة ظريف تطرح تساؤلات حول «شيزوفرينيا» (انفصام) في خطاب محور «المقاومة والممانعة»، بين معادٍ للسعودية ولشعوب المنطقة الـ»تنابل والفاشلين والكسالى»، وبين دبلوماسية متواضعة، قرّرت، وفق الأجندة الإيرانية الإصلاحية، ان تنطلق من توصية «الجار ثم الدار». خطاب ظريف، الذي أكّد ضرورة «حل الخلافات سلمياً ومنع التهديد أو استخدام القوة»، لا يمكن أن يكون صادراً عن الدولة نفسها التي عبّر عن موقفها السيّد علي خامنئي قبل اسابيع، يوم توعّد بأن «يمرّغ أنف السعودية بالتراب»! كلام ظريف عن ضرورة «احترام سيادة ووحدة وتراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها»، لا يمكن أن يكون صادراً عن دولة عبّر باسمها الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، يوم قال: «إذا عنّا 100 مقاتل بسوريا رح يصيروا 200، وإذا 1000 رح يصيروا 10 آلاف». كيف يمكن ان ينطبق كلام ظريف على «حزب الله» الذي محا الحدود اللبنانية متّجهاً الى سوريا لمحاربة شعبها الى جانب الاسد، ومتجاهلاً اي قيمة لقرار الدولة اللبنانية وسيادتها؟ وكيف ينطبق على الجنرال قاسم سليماني، صاحب الخبرة العسكرية الطويلة على الجبهات العربية؟ كما ان كلام وزير خارجية ايران عن وجوب السعي إلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، وتشكيل مجمّع للحوار الإقليمي، لا يمكن ان يكون صادراً عن دولة تحدّث نصرالله باسمها قائلاً: «إن معركتنا مع الإرهاب التكفيري وجودية، والسعودية هي راعية لهذا الإرهاب»!
ماذا لو أُجبر نصرالله على تبنّي خطاب ظريف؟ كيف يُمكن أن تحاور ايران من وصفهم نصرالله بـ»الإرهابيين والتنابل والفاشلين والكسالى»؟! كيف يمدّ «سيّد المقاومة» يده الى دولة «هي أفشل وأعجز من أن تنجح في تحقيق أي هدف؟»، على حدّ قوله، اي مسوّغات وتبريرات سيُقدّمها السيّد لجمهور يُستنزف على الجبهات، بعد ان وعدهم «بأن الزمن هو زمن انتصارات» وبأن «زمن الهزائم قد ولّى»؟ انطلقت التبريرات بالفعل، لكنها أخذت شكلاً «كوميدياً» يفتقد الى ادنى مقوّمات الإقناع. يخرج مراسل قناة «المنار» في طهران ليقول: «إن الإرهاب هو عدو مشترك بين السعوديين والإيرانيين»! عدو مشترك؟ أوليست السعودية راعية للإرهاب التكفيري كما قال السيّد نصرالله؟ ومن ثمّ يستفيض أحد مُنظّري «المنظومة الإعلامية» لـ»حزب الله» في شرح ضرورة التعاون مع الرياض، فيقول: «إن ايران وروسيا يحاولان إنقاذ السعودية من الانهيار»! لكن لماذا هذا الفائض من «الإيجابيات»؟ يبرّر الرجل وجهة نظره بالقول: «إنّ انهيار السعودية يعني قيام نظام إرهابي مكان النظام الحالي». هكذا بالحرف. هل هذا إقرار من محور الممانعة بأن السعودية ليست راعية للإرهاب كما اتّهمها نصرالله؟ ألم يقل هذا المُنظّر قبل أسابيع قليلة: «إن الحل الوحيد لحلّ أزمات المنطقة يمرّ بإسقاط السعودية»؟ أهكذا يقنع إعلام «حزب الله» جمهوره بـ»الاستدارة»؟
على الرغم من التبريرات «المضحكة والضعيفة»، إلّا أن هناك أصواتاً «مشاغبة» لم تُجارِ ظريف في خطابه وعناوينه. فبعد ساعات قليلة على تأكيد وزير خارجية إيران، ضرورة احترام استقلال وسيادة ووحدة دول المنطقة، سوّقت «المنظومة الإعلامية» لـ»حزب الله»، معلومات مفادها ان «صفقة هي الأكثر تعقيداً في تاريخ الحروب المعاصرة، تقوم على إخراج 40 الفاً من بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين في ريف ادلب مقابل انسحاب النصرة واحرار الشام من الزبداني». وتختم مصادر «المنظومة» باعتقادها ان «التبادل» هذا من شأنه ان يكرّس التقسيم في سوريا. كيف يتحدّث ظريف عن استقلال ووحدة الدول، ومن ثمّ يخرج إعلام «حزب الله» ليسوّق لمشروع تقسيم سوريا؟ وكأن هذا التسويق فيه رسالة من جناح ايراني «محافظ» يقوده قاسم سليماني الى الدبلوماسية الاصلاحية الايرانية، ومفاده ان تقسيم سوريا، بعد ان تلاشى الامل باسترجاعها كاملة تحت حكم الاسد، فيه مصلحة لإيران. وجّه ظريف خطاباً الى المجتمعات العربية في توقيت لافت. توقيت ترى فيه مصادر مواكبة للحراك في المنطقة لـ»المستقبل»، نوعاً من انواع المشاركة في المحادثات السعودية-الاميركية-الروسية في الدوحة. قدّم ظريف نظرية مختلفة في عالم السياسة الايرانية. «الأمن المستدام لا يتحقق بضرب أمن الآخرين»، يقول وزير خارجية إيران. نظرية ظريف حكمت قيام الاتحاد الاوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، «نربح معاً او نخسر معاً». فهل يستطيع «المُفاوض النووي الشرس» ان يسوّق مشروعه الاصلاحي داخل طهران وعند قاسم سليماني؟ هل باستطاعته الترويج لنظرية «السعي الى تحقيق السعادة في المنطقة»؟! اختبار السعادة هو اخطر اختبار يواجهه الاصلاحيون. فالسعادة وخطابات تبرير الموت التي عمل المحافظون عليها لعقود طويلة، لا يلتقيان. قد يتبيّن في نهاية المطاف ان التناقضات الايرانية-الايرانية داخل «الدار» هي اكبر من التناقضات السعودية-الايرانية عند «الجار».

 

نفايات بلا حلّ: أول أزمة ثورية في تاريخ لبنان
وسام سعادة/المستقبل/05 آب/15
هذا الصيف كأنه ملعون، بثلاثية النفايات التي لا تعرف حلاً، وأزمة اضمحلال «كهرباء الدولة»، وعربدة درجات الحرارة. بدل الاعتقاد الذي عشّش في السنوات الأخيرة بأن عيناً خفية، «دولية» أو «غيبية» و «سحرية» – أو من كل هذا، تحفظ البلد من نار الحرائق السورية والمشرقية، يغلب اليوم الشعور الفطري بأنّه لسبب أو لآخر، هذا البلد، متروك «سلماً أو حربا»، الى «وقت حاجة». يبقى أن البلد يواجه أزمة فعلاً «ثورية»، وربما لأول مرة في تاريخه. وهي مشكلة قطاع النفايات. هي مشكلة تتقاسم مع المشكلات الأخرى من مثل «سلاح حزب الله» و»شغور منصب رئيس الجمهورية» و»انعدام قانون الانتخاب» و»اضمحلال كهرباء الدولة» بأنها ذات سمة مستعصية. وتتميز ثانوياً عن المشكلات الأخرى بإمكان ترقيعها ليوم أو يومين، ثم تعود فتبرز الى السطح مجدداً. في حين أنها تتميز بشكل رئيسي عن المشكلات الأخرى في أنّه لم يعد لها بكل بساطة أي حل ممكن في «لبنان كما نعرفه»، وترقيع مشكلة النفايات من الآن فصاعداً لا يشبه في شيء إمكان «التسكين المؤقت» لمشكلات الاستعصاء الأخرى. يمكن تسكين مشكلة سلاح الحزب مؤقتاً بطاولة حوار، بصلح دوحة، بذهابه للقتال في سوريا، بتشكيل حكومة معه، الخ الخ.. يمكن تسكين مشكلة الفراغ الرئاسي بالعمل الحكومي، بمرجعية بكركي، بشعبوية ميشال عون، الخ الخ… يمكن تسكين مشكلة الانتخابات النيابية بالتمديد للمجلس مرة ومرتين وثلاث الخ الخ… لكن مشكلة قطاع النفايات يمكن ترقيعها بسرعة أكبر وسيظهر الثقب بشكل نافر أكثر في اليوم التالي. المشكلة تكبر، وآخر ما كان يحمي «لبنان الحالي» من الانفجار الاجتماعي العارم لهذه المشكلة كان «المجتمع المدني». اليوم المشكلة تكبر، وستنفجر بشكل أو بآخر، لأنها ببساطة ليس لها حل، وتأتي بعدها في المرتبة على هذا الصعيد مشكلة الكهرباء.
شباب «المجتمع المدني» غاضبون على «الطبقة السياسية» ويعتبرون انهم يمثلون في ذلك غضب اكثرية اللبنانيين في حين يتميزون عن بقية الناس بأنهم «يتحركون» ولا يكتفون بالقعود والتذمّر. من هذه الجهة هم أكثر جذرية من سواهم. لكن من جهة ثانية، هم متطوّعون لانقاذ «لبنان كما نعرفه قبل انفجار مشكلة النفايات بعد اغلاق مطمر الناعمة». يدعون لانقاذه بطرح حمولته الزائدة، الطبقة السياسية، جانباً، والفرز من المنزل للنفايات، ثم، بالنتيجة، يمكن انقاذ الدولة المركزية، لا بل وزيادتها مركزية واقتداراً.
في المقابل، «المجتمع الاهلي» في هذه المنطقة او تلك عبّر عما هو اكثر جذرية وبشكل مرتبط بالعيش في نطاقه المحلي مباشرة: رفض اهالي برجا وعين داره ان ينكبوا بنفايات لا يعرف كيف ستعالج وبأي شروط بيئية وصحية وبأي امبراطوريات مالية تشاد فوقها في وقت ستتسبّب هذه النفايات بإفقارهم هم. هذه التحركات صحية للغاية، لانها تذكر بالحقيقة التي يراد تناسيها دائماً: البلد هو مجموع مناطقه، ولا ميثاق وطنياً حقيقياً بلا عقد اجتماعي حقيقي والعقد الاجتماعي الحقيقي هو عقد جغرافي بين مناطق مسكونة ومعاشة، ومن هذه الزاوية بالذات هو عقد بيئي. أزمة النفايات الحالية ليست مسألة «فرز منازل» أو «فرز طبقة سياسية» فقط. انها أزمة متأتية من انتهاء ما كان يقوم مقام العقد الاجتماعي الى حين اقفال مطمر الناعمة. عقد اجتماعي مزوّر، بالاكراه، بالحيلة، بالتأجيل، بالالهاء، قل ما شئت. لكن شيئاً يشبه سراب العقد الاجتماعي كان لا يزال قائماً حتى انفجار المشكلة الحالية. اليوم هذا أصبح وراءنا. وما نتفرج عليه جميعاً هو الكيفية الهزلية التي تساق فيها الشعارات السياسية المكررة والرمزيات البالية لطمس هذه القضية عبثاً. هو معجم كريه يفني نفسه بنفسه أمام أعيننا ومسامعنا. لا حل لمشكلة النفايات .. فلنطمئن.