اياد ابوشقرا: وسط الارتباك العربي أما حان وقت النقد الذاتي؟/طارق الحميد: ماذا تعني عودة الروس/علي بردى: طويلة في سوريا

308

وسط الارتباك العربي.. أما حان وقت النقد الذاتي؟
اياد ابوشقرا/الشرق الأوسط/03 آب/15
دعونا ننحّي المكابرة جانبًا ونصارح أنفسنا، ولو مرة واحدة، حول أسباب إدماننا ردّات الفعل وطمأنة الذات، بينما يسجّل غيرنا منجزات سياسية حقيقية، حتى باعتراف خصومهم. أزعم أنه لو طُرح سؤالٌ صريحٌ بهذا الاتجاه، فلن يكون الجواب مريحًا ألبتة. الاتفاق النووي الأميركي الإيراني، بلا شك، كان مفصلاً مهمًا كشف جوانب تقصيرنا.. ولا أقول عجزنا. أيضًا كان تطوّرًا مهمًا، ولو تأخر بعض الشيء، «التفهم» الأميركي للحساسيات التركية إزاء الأحلام القومية الكردية. وطبعًا، هناك الإخفاق المزمن مع الموضوع الفلسطيني الذي ظل لعقود دليلاً قاطعًا على فشلنا بوعي حقيقة العلاقة بين الغرب وإسرائيل كمفهوم وككيان وكثقافة سياسية. ولنختتم حالات التقصير بالإقرار بسوء إدارتنا التعايش داخل الكيانات التي نعيش فيها. إذ إننا نتصرّف وكأننا إما نجهل تعدّد مكوّناتها، أو نتوهّم أن الطمس القهري للتعدّد هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن «الوحدة الوطنية» في وجه «مؤامرات أعداء الأمة». الحقيقة، أننا أخطأنا طويلاً وما زلنا نخطئ، لكن الفارق هذه المرة أن التحدّيات الوجودية ما عادت تسمح لنا بالاطمئنان لوجود «حيّز راحة» قاتل. باعتقادي، نحن الآن نعيش ظروفًا لا تماثلها إلا «مرحلة كامب ديفيد» عندما كسر الرئيس المصري الأسبق أنور السادات علنًا كل ما كان يُعد محظورات سياسية للشرعية السياسية العربية، وذهب إلى حد الاعتراف بإسرائيل والخطابة في برلمانها. بل ربما نحن اليوم في مرحلة أكثر حسمًا وأخطر تحديات من تلك المرحلة.
ولنبدأ بالملف الإسرائيلي – الفلسطيني، حيث تحاول الإدارة الأميركية استرضاء بنيامين نتنياهو بعدما قاد حملة الاعتراض على الاتفاق النووي مع إيران. ومن واقع تجربتنا الطويلة كعرب مع مثل هذه المحاولات فإن الطرف الأضعف الذي يدفع الثمن دائمًا هو الطرف العربي، وبالتحديد، الفلسطيني. وإذا ما تذكّرنا أن القاعدة الراسخة التي يستند إليها نتنياهو شعبيًا، ومن ثم برلمانيًا، هي اليمين الاستيطاني والتوراتي المتطرف، فإن جريمة فظيعة كجريمة إحراق بيت آل الدوابشة ستذهب كما ذهبت مثيلاتها أدراج الرياح، ويستمر الاستيطان ويتوسع، وتضمحل تدريجيًا إمكانيات قيام أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية، ومعها أي اعتدال فلسطيني يتيح الكلام عن تسوية سلمية.
ومن الملف الفلسطيني – الإسرائيلي إلى الملف الإيراني.. نحن هنا أمام احتلالات فعلية ومحاولات احتلال لعدة كيانات عربية وليس احتلال كيان واحد هو فلسطين، وأمام افتعال «حرب أهلية مذهبية» إسلامية – إسلامية بدل التقوقع اليهودي الخائف من السلام والذوبان الديموغرافي. وللأسف، مثلما أخفقنا في فهم طبيعة علاقات الغرب بالحركة الصهيونية حتى قبل ولادة إسرائيل، نبدو اليوم مصدومين من نجاح «اللوبي» الإيراني في بناء شبكات مصالح فعّالة مع مختلف كتل اليمين واليسار في معظم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. وهذا مع أن بعضنا يتذكر دور شاه إيران في نشوء «حلف بغداد» (السنتو لاحقًا).. ولندع الكلام جانبًا، وندخل الموضوع من بابه. جون كيري اليوم يزور الشرق الأوسط بهدف تسويق رؤية أميركية استراتيجية للشرق الأوسط، وليس لتوضيح «سوء فهم» طارئ بين واشنطن والدول العربية. ثم إن أولويات هذه الاستراتيجية في عهد باراك أوباما غدت واضحة تمامًا على الأقل للراصدين العرب في أروقة واشنطن ودهاليزها. هؤلاء على بينة من «وشوشات» الكونغرس وتسريبات الإعلام و«نصائح» الخبراء في مراكز الأبحاث.. والصورة المتكوّنة – عمومًا – غير مريحة. إن «الحرب على داعش» ومن لفّ لفّها هي العنوان، أو قُلْ الذريعة، لتجاهل كل ما عداها، بما فيه توسّع الهيمنة الإيرانية وتصاعد الطموحات الانفصالية الكردية على امتداد الشرق العربي. ولذا لم يعد رفض إنشاء «مناطق آمنة» في شمال سوريا وجنوبها مقتصرًا على فريق أوباما، بل يشمل أصواتًا وأقلامًا في بريطانيا ودول أوروبية أخرى لا ترى في رحيل نظام بشار الأسد بداية الحل في سوريا والتسوية في المنطقة، بل تقول إن «المناطق الآمنة» ستكون مناطق تحمي التطرف الداعشي!
وهنا، لا بد من التوقف طويلاً عند دور تركيا. كثيرون متحمّسون لاتهام أنقرة بدعم «داعش» وإلصاق كل أنواع التهم التخريبية والتآمرية بحكامها، وفي طليعة المتحمّسين بعض العرب الذين اعتادوا – عن حسن نية على الأرجح – ألا يفهموا السياسة إلا باللونين الأسود والأبيض. ومن ثم، فهم لا يميّزون بين التعاون التكتيكي والتحالف الاستراتيجي. إنهم لفرط غضبتهم على «إسلامية» الحكومة التركية مستعدون للتقليل من شأن الهجمة الإيرانية، مع ملاحظة أن نفرًا منهم يدعو صراحة للوقوف مع طهران ضد أنقرة. إنه يتجاوز تمامًا ما ارتكبته طهران عبر نظام الأسد بشعب سوريا، وما فعله الحوثيون باسمها بشعب اليمن، وما تعدّه لدول الخليج وعلى رأسها البحرين. هؤلاء لا يدركون أن المسألة أكبر بكثير من نكاية ومزاج، فنحن أمام أخطار وجودية لا تحتمل إساءة التقدير وأخطاء الحسابات.
لقد دفعت عدة كيانات عربية ثمن إساءة التقدير وأخطاء الحسابات منذ احتلال صدام حسين الكويت. وتأخر التنبه لمغبة قيام نظام مذهبي على أنقاض حكم صدام حسين، وخسر عرب المنطقة كلهم من معالجة الخطأ بخطأ أكبر، وضرب حالة مذهبية بحالة مذهبية مضادة.
ما شهده العراق، وما زال يشهده، لا يحتاج إلى دليل. وما يعيشه لبنان منذ عام 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري وتسليم نظام الأسد البلد لهيمنة حزب الله ليس إلا فصلاً آخر من المأساة. ومنذ 2011 انتقل التنفيذ الدامي لمشروع الهيمنة الإيرانية إلى سوريا نفسها متجاهلاً عواقب التلاعب بالتوازنات الدينية والمذهبية والإثنية في فسيفساء بلاد الشام. وهكذا، بسبب التآمر من جهة، والجهل من جهة مقابلة، عادت حجة «حماية الأقليات» سيفًا مصلتًا على المنطقة. إن المنطقة تخسر كثيرًا باعتماد «الشيعية السياسية المتطرفة» التشفي والقهر بعيدًا عن مثاليات الإمام علي بن أبي طالب (ك) وعدالته الإنسانية. وتخسر «السنيّة السياسية المتطرفة» أكثر بهروبها إلى الانتحار الجماعي ومعاداة العالم كله بعيدًا عن براغماتية الحكم السنّي التقليدي ووسطيته.

ماذا تعني عودة الروس؟
طارق الحميد/الشرق الأوسط/03 آب/15
يعقد وزير الخارجية الروسي اجتماعًا ثلاثيًا مع نظيريه السعودي والأميركي في قطر، أمس واليوم، وبحسب الخارجية الروسية، فإن الاجتماع سيناقش جهود السلام في سوريا واليمن وليبيا والتحالف ضد «داعش»، واستقرار الخليج. واللافت في البيان الروسي هو عدم الإشارة لاتفاق إيران النووي، فما الذي يمكن أن يقدمه الروس للمنطقة عبر البوابة الخليجية؟ بالنسبة لليبيا، فهي تعاني إهمالاً دوليًا، وعدم جدية عربيًا، مثلا، تعالج السعودية أمنها القومي، بل والخليجي والإقليمي، في اليمن، وبتحالف خليجي – عربي، وبدعم دولي، كما تباشر تركيا حماية محيطها الأمني بالحدود السورية الآن، بينما لا تحرك مصريًا فاعلا تجاه الأزمة الليبية للحظة، وربما لأسباب مختلفة داخليًا وخارجيًا في مصر، وذلك لتأمين عمقها الأمني من ناحية ليبيا، وهو الأمر الذي يتطلب تحالفًا مصريًا عربيًا، وغطاءً دوليًا، وكما حدث في اليمن، والآن في سوريا بالنسبة للأتراك، ومن غير المعلوم ما الذي يمكن أن تقدمه روسيا فعليًا بهذا الملف! يمنيًا، هناك تطورات حقيقية على الأرض، أهمها عودة نائب الرئيس اليمني ورئيس وزراء الحكومة الشرعية خالد بحاح إلى عدن، ولهذه العودة دلالات، وتمثل ضربة للحوثيين وعلي عبد الله صالح، وحليفهم الإيراني. صحيح أن الطريق طويل باليمن، لكن المعادلة باتت تتحول ضد الانقلابيين الحوثيين، ولا يظهر للآن ما هو الدور الروسي هناك، وما هي أدوات نفوذه، ومهما حاول صالح والإيرانيون منح موسكو دورًا باليمن، فالواضح أن الجهد الروسي سيكون مجرد وساطة. وعندما نقول إن هناك محاولات لمنح روسيا دورًا باليمن، فمن اللافت، مثلا، وجود شخصيتين يمنيتين محسوبتين على صالح بالطائرة نفسها التي أقلت رموز نظام بشار الأسد؛ وليد المعلم، وبثينة شعبان، وفيصل المقداد، إلى روسيا أخيرًا، واليمنيان هما عارف الزوكا، وياسر العوضي! ولذا فمن الواضح أن هناك دفعا من صالح، والحوثيين، وربما من الإيرانيين، لمنح دور لروسيا باليمن، إلا أن الأوضاع على الأرض هناك تسير عكس ما يتمناه الانقلابيون الحوثيون، وحلفاؤهم، ولذا فمن المتوقع أن يكون الدور الروسي باليمن لحفظ ماء الوجه لإيران، وحلفائها، وكذلك محاولة ربط المسار اليمني بالسوري! وعليه، تبقى القضية الشائكة وأهم قضايا منطقتنا حاليا، وهي الأزمة السورية، تمثل مفتاح الحل بالمعركة ضد «داعش»، وكسر النفوذ الإيراني بالمنطقة، وقبل هذا وذاك وضع حد لجرائم الأسد، وما لم تُعالج الأزمة السورية، فإن قضية «داعش»، ومحاربة الإرهاب، لن تنجح، بل إنها مضيعة للوقت، والجهد والأرواح، وسيظهر بعد «داعش» دواعش آخرون أكثر سوءًا. وإذا أرادت روسيا فتح صفحة جديدة مع الخليج، ولعب دور أكثر فعالية، فيجب أن تكون سوريا نقطة الانطلاق، والمحك الفعلي لاختبار جدية الروس. فالحل الحقيقي لمحاربة الإرهاب، وقطع التمدد الإيراني، وإعادة التوازن بالعراق، في سوريا، وليس أي مكان آخر.

طويلة في سوريا
علي بردى/النهار/3 آب 2015
يحاول المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى سوريا ستيفان دو ميستورا وضع تصور لتلافي تجربتي العراق وليبيا. يرى الترياق – ككثيرين آخرين – في بيان جنيف على رغم الخلافات على تفسير بنوده. يعتقد أنه يشكل إطار العمل الوحيد المتوافق عليه دولياً لتسوية الأزمة على رغم ما فيه من غموض. يقتنع الآن بضرورة اطلاق عملية انتقالية تدريجية تحت السيطرة وتدار على مراحل. باختصار، يستنتج البعض أن “اختبارات الإجهاد” والمشاورات التي أجراها دو ميستورا مع ٢١٦ شخصية سورية وغير سورية خلال الأشهر الاخيرة لم تؤد الى أي جديد. المطلوب “تفعيل” هذا البيان وتنفيذ بنده الأحجية المتعلق بتشكيل هيئة حكومية انتقالية تحظى بكامل الصلاحيات التنفيذية بموافقة جميع الأطراف المعنيين. بلى، ثمة جديد يتعلق بالشكل على الأقل. صارت ايران جزءاً من المشاورات الجارية والمساعي من أجل ايجاد حلّ للأزمة الطاحنة المتواصلة منذ أكثر من أربع سنوات. استبعدت في المرات السابقة لأنها كانت “جزءاً من المشكلة”. ماذا تغيّر؟ تزامن هذا التطور مع المفاوضات التي أفضت الى اتفاق فيينا في شأن البرنامج النووي الايراني. غير أن طهران لم تعترف قط، على الأقل حتى الآن، بأن بيان جنيف، الذي توصل اليه المفاوضون الأميركيون بقيادة هيلاري رودهام كلينتون والروس بقيادة سيرغي لافروف في ٣٠ حزيران ٢٠١٢، هو أساس الحل في سوريا. لا بد أن هذا الأمر يبعث على التشاؤم. ثمة توافق عام على ضرورة التعامل مع جذر الأزمة السورية: الإستبداد. بيد أن صعود “الدولة الإسلامية – داعش” وغيرها من الجماعات التي تعتنق مذهب “القاعدة” في الإرهاب يثير الخوف. يخشى كثيرون أن ترفرف الرايات السود فوق دمشق. يعتقد دو ميستورا أن أولويات المواجهة مع هذا الخطر تفترض تشكيل حكومة جديدة ذات صدقية يرى فيها السوريون وغير السوريين شريكة في الحرب الدولية على الإرهاب. غير أنه لم يعثر بعد على مفتاح الشروع في عملية انتقالية “ذات مغزى ولا رجعة عنها”. يدعو أطراف الأزمة الى الانخراط في مجموعات عمل وشكل آخر من النقاشات. يأمل في التوصل الى تفاهمات مشتركة على اقتراحات قدمت خلال الجولة الأولى من المشاورات. يضرب في الرمل والحصى برهانه على قدرة السوريين على ايجاد صيغة مكتوبة لإطار عمل يؤسس للهيئة الحكومية الإنتقالية وفقاً لبيان جنيف. هناك الكثير من الانتظار كي تظهر تأثيرات مجموعة الاتصال الدولية التي يسعى اليها دعماً لمساعيه الحميدة. كل شيء يحتاج الى وقت. الولايات المتحدة تقترب من موسم انتخاباتها الرئاسية. السعودية تبلور قيادتها الجديدة. تركيا ترتب أولوياتها. ايران تجري قريباً انتخاباتها النيابية. كل هؤلاء سيساهمون في رسم مستقبل سوريا. لا بد من عملية انتقالية على مراحل.