روزانا بومنصف: طهران مكان دمشق في المساومة الخارجية/سمير منصور: سقوط مدوّ للطبقة السياسية اللبنانية/الياس حرفوش: أنقرة وطهران وداعش

317

طهران مكان دمشق في المساومة الخارجية والفاتيكان في يأس حيال التوافق المسيحي
روزانا بومنصف/النهار/1 آب 2015
مع التسليم جدلاً بأن ايران حلّت محلّ سوريا في لبنان من حيث امتلاكها أوراقاً داخلية لم تعد مضطرة الى تقاسمها مع النظام السوري الذي أضحى بنفسه ورقة من أوراق ايران في المنطقة وقدرتها على التأثير على “حزب الله”، ستستمتع ايران لبعض الوقت بالاتصالات والمساعي التي ستنصب عليها من الدول الغربية أو سواها من أجل التعاون في تسهيل أزمات المنطقة. ففيما انتظر مسؤولون لبنانيون نتائج زيارة وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس لطهران باعتبار انه سيبحث أيضاً في موضوع مساعدة طهران في الافراج عن استحقاق الرئاسة اللبنانية على رغم معرفة العارفين بأن هذا الجهد لم يكن لينجح لأن أوان أي تفاهم او تسوية لم يحن بعد، فان ايران وعلى غرار سوريا التي كانت تستطيب زيارات سياسية وديبلوماسية من كل حدب وصوب من أجل طلب المساعدة في الازمة اللبنانية فتراوغ وتساوم قبل أن تقدم تنازلاً ولو جزئياً في استحقاقات لبنانية أساسية، ستأخذ وقتها في تعميم الانطباعات وتكريسها كما كانت تفعل دمشق في شأن مرجعيتها الكبيرة والأساسية في المنطقة والتي لا قبل للغرب أو للدول الاقليمية أن يحلا هذه الازمات من دونها. ولذلك فانه من المبكر بالنسبة الى طهران ان تعطي أجوبة بحيث تسهل الانتخابات الرئاسية اللبنانية علماً ان أسباباً أكثر وجاهة تحول دون ذلك في ظلّ حساباتها في المنطقة وصراعها المتعاظم مع المملكة العربية السعودية وسعيها الى الامساك بأوراق تفاوض عليها وعلى تعزيز نفوذها، لكن المشهد الذي كان يحوط بسوريا سابقاً هو نفسه ما بات يعود لطهران راهناً.
البارز في ما خص موضوع الرئاسة الذي بات على الرف ولم يعد مطروحاً ان الافرقاء المسيحيين الأساسيين يرفضون القول إن المسيحيين يعطلون الانتخابات أو تحميلهم المسؤولية وحدهم. وهذا هو موقف الرئيس أمين الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في ضوء رمي كرة التعطيل في خانة “حزب الله” أيضاً، فيما العماد ميشال عون يرمي كرة التعطيل في ملعب تيار المستقبل الذي لا ينتخبه رئيساً علماً ان قوى أخرى لا تدعم وصول عون أيضاً ولا ترى ضرورة لابراز اعتراضها بقوة ما دام هناك معترض أساسي مرجح على وصول مرشح سماه ويدعمه “حزب الله”. وازاء العجز المسيحي عن اقتراح مخارج تسوق لبنانياً مع الآخرين لاعتبارات لا مجال للدخول فيها لكنها تشكّل مقتلاً بالنسبة الى موقع المسيحيين وتراجع قدرتهم على القرار في لبنان، تبرز تساؤلات في ضوء مباحثات فابيوس في طهران وما إذا كان ينتظر المسؤولون أن تفرج طهران فقط عن الاستحقاق الرئاسي أو أن تفرج عنه معطوفاً على شروط أو مرشحين معينين، علماً انها ليست وحدها في هذا السياق. لكن بالعودة الى تجارب الماضي القريب فان الوساطة الفرنسية أو الاميركية مع سوريا لم تكن تثمر النتائج التي كان يرجوها اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً. فعلى رغم ان فرنسا أو سواها تدرك جيداً الوضع اللبناني وحيثياته ففي النهاية يمكنها ان توافق على مبدأ الافراج عن الرئاسة لمصلحة انقاذ الاستحقاق الرئاسي من جهة واعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية اللبنانية بأي ثمن من دون تفاصيل يعلق عليها الأفرقاء اللبنانيون او المسيحيون أهمية قصوى. والتساؤلات التالية بالنسبة الى مراقبين هو ما اذا كان وزير الخارجية الفرنسية يحمل تفويضاً أقله من المسيحيين من أجل التوافق على رئيس للجمهورية او تذكية اسم معين باعتبار أن الكرسي الرسولي بالذات اعتكف عن القيام بهذا الدور لغياب مثل هذا التفويض المسيحي أولاً بحيث يتم التساؤل عما إذا كان المسيحيون سيقبلون ما يتم التوافق عليه مع الدول الاقليمية لو تولت فرنسا أو الفاتيكان أو سواهما ذلك أو أنهم يتركون الأمور عشوائية حتى يرفضوا لاحقاً ما سيتم الاتفاق عليه كما فعلوا حين سمى الرئيس الراحل حافظ الاسد النائب السابق مخايل الضاهر في الوقت الذي لم يزود الأفرقاء المسيحيون الوسطاء اسماً يشكل توافقا بينهم على الأقل من أجل اقناع الآخرين به، علماً ان لا توافق بينهم أيضاً على أي مرشح من بينهم ولا حظوظ فعلية وفق ما اظهره شغور يمتد الى أكثر من سنة حتى الآن في موقع الرئاسة الأولى ولا حتى امتلاك القدرة على فرض أي منهم رئيساً. ومن هنا يأتي يأس بعض الدول الغربية وفي مقدمها الفاتيكان بالذات من اداء الزعماء المسيحيين بالذات وتحميلهم مسؤولية بنسبة كبيرة من تغييب القرار او القدرة المسيحية في انجاز الانتخابات الرئاسية ما يزيد من المخاوف على دور المسيحيين في لبنان وعبره في المنطقة وفق ما تقول بعض المصادر الديبلوماسية التي تتحدث عن عجز في المقابل عن المساعدة في حماية دور المسيحيين في غياب مساهمة ايجابية فاعلة. ولعل اشارة رئيس الحكومة تمام سلام في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي دارت حول ايجاد حل للنفايات الى مجموع الهبات والقروض المعلقة للبنان والتي تساوي أكثر من 743 مليون دولار الى جانب الحاح استحقاق اصدار واستبدال سندات خزينة وتأمين الرواتب والمراسيم المتوقفة جميعها بسبب تعطيل مجلس الوزراء، آخر المؤسسات الدستورية العاملة غير الجيش، نتيجة مطالب ومصالح شخصية كما هي حال رئاسة الجمهورية، كافية لتأكيد دور سلبي يضطلع به أفرقاء مسيحيون بقوّة أقله أمام الخارج الذي لا يرى أسباباً جوهرية وواقعية لمطالبهم.

 

سقوط مدوّ للطبقة السياسية أيام النفايات… لا تستهينوا بتداعياتها!
سمير منصور/النهار/1 آب 2015
بالنظر الى خطورتها والتداعيات التي نجمت عنها، تستحق مشكلة النفايات الكارثية التي بدأت معالجتها وإن جزئياً، التوقف عندها ملياً للانتباه والحذر وأخذر العبر:
أولاً – تجدر الإشارة بداية، الى أن البدء برفع النفايات من شوارع العاصمة وأحيائها ساهم في تنفيس احتقان بلغ ذروته بعد عشرة أيام من تكدسها، ولا مبالغة في القول إن العاصمة، والبلاد عموماً بدتا على برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة!
ثانياً – شكّلت الأزمة بتداعياتها الكارثية هزّة كبيرة ستكون لها ارتدادات في المدى المنظور، ليس على الحكومة ككل، بل على مفهوم الدولة، وأقل عبارة تم تداولها كانت: إن دولة تعجز عن حل مشكلة النفايات ليست بدولة ولن تستطيع أن تفعل شيئاً آخر… لقد اهتزت ثقة المواطن بالدولة بشكل لا سابق له!
ثالثاً – كان الشعور بالانكشاف قاسماً مشتركاً بين الناس جميعاً ولا سيما نتيجة الانفلات الأمني الذي أطل برأسه من خلال تجمعات مشبوهة تولت فلش النفايات و”تعميمها” وحرقها وقطع الطرق في عملية تخريب واضحة على مرأى من الجميع بمن فيهم الأجهزة الأمنية، وقد عاد كثيرون بالذاكرة الى شعور مشابه طغى في محطات سابقة وفي تواريخ معينة أواخرها: 6 شباط، حروب التحرير والالغاء، 7 أيار، “أيام الغضب”، “القمصان السود” وكل المحطات التي غابت فيها الدولة كلياً، شعور بالانكشاف لم يعرفه اللبنانيون في العاصمة خصوصاً، في أسوأ أيام الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، حين كان القاسم المشترك قضية وطنية حقيقية عنوانها التصدي للعدوان الإسرائيلي…
رابعاً – بالاضافة الى الشعور بالقلق على المصير، ثمة شعور بالقهر عمّ البلاد، والعاصمة خصوصاً، إذ شعرت بأن الكل تخلوا عنها وهم من أهلها وسكانها، هي التي تختصر بمكوناتها الوطن، لم تشعر بوقوف أحد الى جانبها في الأيام الصعبة!
خامساً – شكّل الاعتداء المعنوي على دارة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، جرحاً بالغاً في بيروت وقد شعرت بالاستضعاف والاستهداف، وكان التعبير عن هذا الشعور بصوت عال من خلال استعراض المستهدفين بالتظاهرات “السيارة”: سلام وفؤاد السنيورة ورشيد درباس، والسؤال عن تلك المصادفة وعما إذا كانت المشكلة عند هؤلاء حصراً؟
سادساً – ثمة ظاهرة لافتة ببشاعتها وتداعياتها وهي وقوف القوى الأمنية “على الحياد” أمام أعمال فلش النفايات وحرقها وقطع الطرق… وإذا كان هذا الموقف طبيعياً حيال تجمعات الاحتجاج على عدم حل المشكلة، فإنه يصبح مشكلة جديدة أمام أعمال الشغب!
سابعاً – شعر اللبنانيون عموماً بخيبة أمل كبيرة من الطبقة السياسية برمتها، إذ كان على رموز هذه الطبقة تناسي خلافاتهم واللقاء على هدف واحد هو إنقاذ الناس، وقد بلغ دخان الحرائق غرف نومهم… لكن هؤلاء بدوا لامبالين وفي عالم آخر… افتقدهم المواطن، ولا سيما “الأقوياء” منهم… أمام هذا المشهد، فإن أقل ما يُقال في الأيام العشرة المظلمة، أنها شكلت سقوطاً مدوياً للطبقة السياسية ومفهوم الدولة…

 

أنقرة وطهران و … «داعش»
الياس حرفوش/الحياة/02 آب/15

تنظيم «داعش» هو الآن بمثابة السلعة التي يحتاجها كل طرف من أطراف الصراع في الشرق الأوسط للمتاجرة بها لتحقيق مصالحه ورغباته. بهذا المعنى، يبدو أبو بكر البغدادي مفيداً للجميع، وصالحاً للاستخدام من قبل الجميع. الإيرانيون وجدوا في «داعش» ضالتهم، هذا تنظيم إرهابي تتيح الفظائع التي يرتكبها أن ينسى الأميركيون إرهاب التنظيمات التي قاتلتهم بأموال الإيرانيين وبأسلحتهم في الثمانينات من القرن الماضي. صار بإمكان باراك أوباما أن يقول اليوم إن شراكته مع حسن روحاني في الحرب على الإرهاب تسمح له بعقد الصفقة النووية مع طهران، فـ «داعش» هو الآن العدو الأول الذي يستحق في سبيل مواجهته أن تمحو الإدارة الأميركية من ذاكرتها كل التنظيمات الحليفة لإيران، والتي تعبث بأمن المنطقة من العراق إلى لبنان وصولاً إلى اليمن وعدد من دول الخليج. هكذا يسوّق حكام طهران أنفسهم اليوم على أنهم في مقدمة صفوف التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب، ويجول وزير خارجيتهم الظريف على عدد من دول الخليج التي استقبلته ليدعوها إلى «التعاون لمواجهة تهديد الإرهاب والتطرف»، في محاولة منه للقفز فوق التحفظات العميقة التي لدى دول مجلس التعاون حيال الاتفاق النووي مع إيران، وخصوصاً لأنه يطلق يد طهران في المنطقة بموافقة ورعاية أميركيتين، في مقابل كسب ودها في الحرب مع «داعش»، مع أن هذا التنظيم ولد من رحم «القاعدة في بلاد الرافدين»، الذي كان يعمل بغطاء من النظامين الإيراني والسوري لمقاتلة الجنود الأميركيين في العراق، كما أن عدداً من قياداته أطلقوا من سجون النظام السوري، كما تعرف الاستخبارات الأميركية من دون شك. الآن جاء دور رجب طيب أردوغان. الرئيس التركي أيضاً لم يكن بريئاً من المسؤولية عن تضخم «داعش» وتسهيل عبور الرجال والنساء ومشاريع الزوجات القادمين من كل صوب في دول الغرب عبر الحدود التركية للالتحاق بصفوف التنظيم، إما للقتال أو لخدمة المقاتلين أو للزواج من شبانهم وإنجاب «الأشبال» لـ «دولة الخلافة». تردد أردوغان كثيراً في المشاركة في مواجهة «داعش» على رغم الطلبات والانتقادات الأميركية والأطلسية، إلى أن جاء الظرف التركي الداخلي بعد الانتخابات الأخيرة، التي حقق فيها الأكراد في تركيا تقدماً ملحوظاً حرم أردوغان من الأكثرية المطلقة التي كان يحلم بها. يعرض أردوغان اليوم خدماته على الغرب لمواجهة «داعش»، سواء بقطع المنافذ عبر الحدود أو من خلال السماح لطائرات التحالف الدولي باستخدام القواعد التركية بعد طول تردد. لكن ليونة أردوغان المستجدة لها ثمنها، فالرئيس التركي يطالب في مقابل هذه المشاركة برفع اليد الغربية عن حماية الأكراد، سواء في سورية أو في العراق، خوفاً من أن يشكل نفوذهم المتزايد في سياسات البلدين وفي مستقبلهما، حافزاً إضافياً للأكراد في تركيا لإزعاج أردوغان وإضعاف حزب «العدالة والتنمية». وهو يريد أن تكون الحرب الغربية على الإرهاب حرباً في الوقت ذاته على «حزب العمال الكردستاني» وعلى «داعش»، ويصنف كل من يرفع شعار الحقوق الكردية على أنه في صف «حزب العمال»، ما يشمل زعيم «حزب الشعوب الديموقراطي» خصم أردوغان الأبرز حالياً في تركيا، صلاح الدين دميرطاش. معظم الأطراف في المنطقة مستفيدة من «داعش»، وتوظف خطره، كلّ منها لمصلحته، إلا الدول العربية التي يشكل التنظيم أكبر خطر على أمنها ومصالحها ومستقبل أجيالها، وبالأخص على الصورة التي يقدمها «داعش» إلى العالم عن هذه الدول وعن المنتج التعليمي والثقافي الذي يخرج من مجتمعاتها.