غسان حجار: كلنا شركاء في نفايات بيروت/راشد فايد: دوحة جديدة ولكن/سابين عويس: ضغط دولي لثني سلام عن الاستقالة مجلس الوزراء عُلق على مخرج النفايات

368

دوحة جديدة… ولكن!
راشد فايد/النهار/28 تموز 2015
لن يكون مفاجئا، في الأيام المقبلة، تواتر أنباء عن “لقاء سري” لقيادات من “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، ولن يكون النفي مفاجئا. هو الإيقاع السياسي نفسه الذي رافق نبأ استقالة رئيس الحكومة المفبركة، ثم النفي. والأمران، اللقاء والإستقالة، وردا كـ”توجيه” سياسي من الأمين العام اتخذ فيه دور “المرشد” و”شيخ الصلح” معا: حذر من خطورة الإستقالة، ونصح بحوار عوني – مستقبلي، محمّلاً المسؤولية في الحالتين لـ”تيار المستقبل”. والهدف إظهار الإمساك بالوضع السياسي. يجب استعادة السيناريو الذي أوصل الجميع إلى اتفاق الدوحة: كانت الدولة تتعايش مع الدويلة في ظلال سلاح حرب تموز 2006، وحين أرادت دورها تجاه اخضاع مطار رفيق الحريري الدولي لتجسس حزب الأمين العام وتجاه شبكة اتصالاته، كان 7 أيار، ثم اتفاق الدوحة، إلى ان أطاح حكومة الرئيس سعد الحريري.
يعرف الحزب اليوم أن الإستقرار الهش يستمر بضمان القوى الدولية والإقليمية، وان تهديد رئيس الحكومة بالإستقالة قد ينتهي إما بتقديمها، ثم التراجع عنها، وإما بطيّها، نتيجة ضغوط خارجية، في الوجهين. لكن الأمين العام يود تأكيد النصر “النووي الإيراني” وارتداده ايجاباً، على دوره بضبط الوضع الحكومي، وفرض القبول بعون رئيسا. لكن خطوة الإستقالة ستحرك الضغوط الدولية والإقليمية، وتظهر ان إيران لم تُمنح نفوذا في المنطقة، ولا سيما في لبنان، وأنها في أحسن الأحوال تراعى ولا تستجاب، وهي مقيدة بوجوب استقرار لبنان. ثم إن الدعوة إلى طي الإستقالة نوع من إدعاء “السطوة” على الحياة العامة، وليست موجهة إلى رئيس الحكومة، بمقدار ما هي رسالة قوة لتطمين “البيئة الحاضنة”. وما دس النبأ عن الإستقالة في الإعلام إلا إيحاء بالسطوة السياسية: يمسك الحزب بمصير الرئاسة ويشدّ في عضد الجنرال كي يستمر عدم اكتمال نصاب جلسة الإنتخاب. كذلك، يدعم تعطيل الحكومة، إذ يداهن وزراء عون، ويشجع تقاسم “إرث” الرئيس المغيب، ويحاور كتلة “المستقبل” النيابية لتجنب انفجار يملك وحده اشعال فتيله. نغّص على الحزب “اعلان النيات” بين “القوات اللبنانية” و”التيار العوني”: صار لشريكه شريك، وصارت “شيطنة” سمير جعجع هزيلة، خصوصاً أنه لم يبايع عون رئيساً، بل ألزمه اتفاق الطائف، إلى درجة تكذيب نفسه والتراجع عن الدعوة إلى “الفيديرالية”. أمام مشهد لا يعطي الحزب المقام السامي في العملية السياسية، تبدو ملامح 7 أيار سياسية تتوج بـ “دوحة” ما، أمراً موضع حياكة في دهاليز الضاحية، ولعل الزميل قاسم قصير، كان محقا في توقع ذلك، لكن موازين القوى التي تفرض على لبنان استقراره، لا تسمح بأيار جديد ولو سياسيا. فلبنان “مسألة أساسية لا غنى عنها من أجل التوازن الإقليمي”، وفق قول الموفد الفرنسي موريس كوف دي مورفيل خلال وساطته في العام 1976 أثناء حرب السنتين.

 

ضغط دولي لثني سلام عن الاستقالة مجلس الوزراء عُلق على مخرج النفايات
سابين عويس/النهار/28 تموز 2015
على أهمية ملف النفايات والطابع الاستثنائي الذي يتسم به، فإن خطر إنفجار الحكومة في ضوء تلويح رئيسها تمام سلام بالاستقالة، شكّل أولوية قصوى في الوسط الديبلوماسي كما في بعض الاوساط السياسية المحلية الحليفة لرئيس الحكومة التي كثفت إتصالاتها ومشاوراتها لإسقاط خيار الاستقالة. وكان تداول بخيار تأجيل جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم الخيار الانسب وربما المخرج الوحيد لتفادي الإحراج الذي قد يؤدي إلى إخراج رئيس الحكومة وإدخال البلاد في مأزق أزمة دستورية جديدة لم يشهد لها لبنان مثيلا. ليس رئيس الحكومة في وضع يحسد عليه، بعدما بات أسير تناقضات سياسية وضغوطات ليست في الواقع الا إنعكاسا للوضع الميؤوس منه الذي بلغته البلاد نتيجة قصر النظر السياسي وتغليب الحسابات الشخصية على المصلحة العامة. فتلويحه بالاستقالة قبل أيام عبر “النهار” لم ينجح في وضع القوى السياسية امام مسؤولياتها، ولم يفلح كذلك في جر الحلفاء قبل الخصوم إلى اجتراح حلول لمعضلة النفايات التي لم تبلغ ما بلغته إلا بفعل قصور الفريق السياسي الذي يتحكم في مفاصل هذا الملف، الامر الذي جعل الخصوم في موقع المتفرج إلى حد “الشماتة” باعتبار أن النفايات نجحت في خرق البيت السني وظهَرت خلافاته الداخلية على تقاسم النفوذ. ولعل تلويح سلام بالاستقالة لم يكن في وجه معطّلي الحكومة المطالبين بتعديل آلية عملها بقدر ما كان كذلك في وجه المتخلفين عن دعمه لمصلحة معالجة خلافات البيت الداخلي. ليس لجلسة اليوم أي أفق لإحتواء الازمة الحكومية. فالجلسة المخصصة أساسا للبحث في آلية العمل الحكومي ستكون من دون معنى أو جدوى إذا لم تتناول ملف النفايات الطارىء. لكن رئيس الحكومة سيصطدم إذا طرح هذا الملف، وعلى أهميته وأولويته، بفيتو وزيري التيار الوطني الحر وربما وزيري “حزب الله” المتضامنين قلبا وقالبا مع التيار، وسبب الفيتو رفض التيار وحليفه للبحث في أي بند أيا تكن أهميته وأولويته قبل بت مسألة الآلية.
من هنا، ومنعاً لدوران المجلس في حلقة مفرغة، بإعتبار أن لا توافق بعد على الآلية، ولا دعوة “حزب الله” لـ”تيار المستقبل” الى محاورة العماد عون لقيت تجاوباً بما يتيح خرق جدار الازمة الحكومية، ومنعاً لإحراج رئيس الحكومة الذي لوّح بالاستقالة إذا ظل التعطيل مسيطرا على الحكومة ومانعا لها من العمل والانتاج، بدا إقتراح اللقاء الديموقراطي بتأجيل الجلسة وقد عبَر عنه الوزير وائل ابو فاعور بمثابة مخرج يجنب الحكومة الانفجار. وقد إستمهل سلام حتى المساء لدرس جدوى التأجيل وإذا كان فعلاً يصب في مصلحة منع التفجير.
وعلم من مصادر سياسية مواكبة لحركة الاتصالات أن تريث سلام مرده الى انه يأخذ في الاعتبار مطلب نواب بيروت بالتمسك بالجلسة وعدم التنازل عن ممارسة صلاحياته ودوره. والمعلوم ان لهذه المسألة حساسيتها في الشارع السني ولا بد من أخذها في الاعتبار، خصوصا أن هذا الشارع يشعر بأنه مستهدف في مسألتي النفايات في مدينة بيروت، وفي مسألة صلاحيات رئيس الحكومة. وعليه، فان مصير الجلسة بقي مرهونا بالاجتماع المسائي للجنة إدارة النفايات. إذ بدا منطقيا أكثر البحث عن حلول لمشكلة النفايات في إجتماع كان بمثابة مجلس وزراء مصغر ضم رئيس الحكومة إلى جانب 8 وزراء يمثلون مختلف الكتل السياسية في الحكومة، فضلا عن مسؤولين في مجلس الانماء والاعمار. فإذا نجح الاجتماع في وضع إجراءات قابلة للتطبيق، وهذا ما كشفته أجواء المجتمعين، يمكن عندها دخول مجلس الوزراء للبحث في آلية العمل والا، فإن التأجيل سيحكم الجلسة حتى الخميس إفساحا في المجال أمام الاتصالات لكي تأخذ مداها تمهيدا لإنضاج حلين أحدهما للنفايات والآخر للآلية! وفي المعلومات المتوافرة لـ”النهار” أن الاتجاه يبقى نحو تأجيل الجلسة لإحتواء التصعيد وإرساء بعض التهدئة، بحيث لا ينعقد المجلس على وقع النفايات المنتشرة في الاحياء والشوارع. وتزامناً مع هذا المناخ المتشنج، برزت في اليومين الماضيين حركة إتصالات غير عادية من الجسم الدبلوماسي في لبنان توجّها أمس إتصال من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تهدف إلى دعم رئيس الحكومة وثنيه عن القيام بأي خطوة تعرّض الاستقرار الداخلي للإهتزاز. ولوحظ أن حجم الدعم الدولي الذي حظي به سلام في المرحلة الراهنة تجاوز الدعم المحلي بما يؤكد ان إستقرار البلاد لا يزال خطا أحمر دوليا في إنتظار بلورة التسويات الاقليمية.

 

كلنا شركاء في نفايات بيروت
غسان حجار/النهار/28 تموز 2015
ذات نهار، كتبت مقالاً بعنوان “بيروت أمي” ردا على حديث لأحد نواب العاصمة يعلن فيه ان بيروت لأهلها، فقلت ان بيروت، بما هي عاصمة الدولة، خرجت من ملكية عدد من العائلات التي لها فيها سجل، لتصير ملك الامة والوطن. هي لنا جميعا، نحن اهلها وناسها من اي منطقة اتينا، وإن كنا لا نقترع فيها، وهذا امر لا يهمنا ولا نطالب به كي لا نسرق من تلك العائلات آخر ما لها من امتيازات. لكننا نحبها ونعشقها ونعتبرها “ست الدنيا” بجدارة. وفي 7 أيار 2008، اعتبرت ان التعرض للعاصمة، يعيدنا الى زمن الميليشيات، لان حرمة العاصمة حرمتنا، وكرامتها كرامتنا، بغض النظر عن هوية المعتدين وطائفتهم، او مذهب المعتدى عليهم، لان بيروت في ذاتها اكبر من حسابات البعض، ومن صغائر المذهبيين. أمس قرأت رسالة النائبة بهية الحريري الى أهل بيروت رداً على رفض كبير من المناطق، ومنها عكار وإقليم الخروب، وربما صيدا، استقبال نفايات العاصمة، وفيها “أشعر بحزن وخجل كبيرين من تنكّر اللبنانيين للعاصمة الحبيبة بيروت التي احتضنتنا جميعاً، وفتحت قلبها وبيوتها وأعمالها ومدارسها وجامعاتها ومستشفياتها وأسواقها لكلّ اللبنانيين من دون استثناء. وتحمّلت ظلم الحرب والقتل والدمار على أرضها وعمرانها في معارك لم يكن لأهلها دور فيها. وبقيت على مرّ السنين العاصمة المعصومة من كلّ حقد وكراهية وتفريق بين أبناء كلّ المناطق والطوائف على حدّ سواء. ولا أريد أن أزيد أو أذكّر بأنّ الجميع هم من يسكنون بيروت ولهم فيها الأهل والأبناء والأحفاد”. هذا هو الواقع، فقد اقفلت المناطق ابوابها في وجه بيروت ونفاياتها، وهذه، للحقيقة، ليست نفايات اهل العاصمة ومحيطها، بل نفايات الوافدين من كل المناطق إليها والى ضاحيتيها وكل القرى الجبلية الصغيرة التي تحولت مدنا بسبب التزايد السكني فيها. واذا كانت ردات فعل الناس العاديين مقبولة لانهم يتحركون وفق انفعالات غير مدروسة، فإن مواقف عدد من نواب المناطق، جاءت من باب المزايدة السياسية ليس اكثر، وقد خلت من كل عقلانية. فكيف لنواب عكار مثلاً ان يتحدثوا عن نفايات العاصمة، ولمعظمهم فيها منازل يقيمون فيها اكثر مما يقيمون في منطقتهم الانتخابية، وكيف لهم ان يرفضوا نفايات يرمونها في سلال مجلس النواب والمطاعم والمقاهي المحيطة به، او في مقار مكاتبهم الخاصة وشركاتهم التجارية؟ لا يمكن التعامل مع نفايات العاصمة كأنها غريبة عن المناطق، فكلنا شركاء فيها، والوزراء والنواب في طليعتنا، اذ انهم في موقع المسؤولية والمحاسبة، ولم يفعلوا شيئا من واجباتهم حيال توفير حل لتلك المعضلات، فاكتفوا بالتفرج الى حين وقوع الكارثة، ثم اطلقوا مواقفهم عبر المنابر والشاشات والتي تحول بعضها شتائم لا تليق بالشعب اللبناني، بل تمثل مستوى اصحابها.