حازم الامين: أنقرة غير مخلصة في حربها على داعش/داود البصري: الحرس الثوري الإيراني يقود انقلابا في العراق

327

أنقرة غير مخلصة في حربها على «داعش»
حازم الامين/الحياة/26 تموز/15/
الأرجح أن الحرب التركية على «داعش» بدأت. هذا القول، الذي قد ينطوي على بداهة بعد إغارة طائرات تركية على مواقع التنظيم الإرهابي في شمال سورية وشرقها، إنما ينطوي بالفعل على قناعة بأن هذه الحرب ما كانت قبل اليوم قناعة أو ممارسة لدى حكومة أنقرة. لا بل أكثر من ذلك، فالوقائع تؤكد أن تركيا تغاضت عن حقيقة توسع التنظيم داخل سورية عبر حدودها، وعن رفده بمقاتلين أجانب كانت رحلتهم من بلدانهم إلى سورية عبر تركيا نزهة سهلة.
ثم إن هدنة سنوات بين «داعش» وأنقرة كانت سائدة وتجلت في غير محطة ومكان. فالدولة الوحيدة التي نجحت في مبادلة رعايا مخطوفين لدى «داعش» كانت تركيا (أفراد القنصلية التركية في الموصل)، كما تولت أنقرة التوسط لمختطفين غير أتراك لدى التنظيم ونجحت في أحيان كثيرة في إطلاقهم. وإلى اليوم يستمر خيط رفيع من العلاقة، فالتنظيم لم يسارع إلى تبني تفجير سروج، خلافاً لما فعل في تفجيرات أخرى في العالم لم تكن له يد فيها أصلاً، وتردده في تبني التفجير على رغم ترجيح وقوفه وراءه يقول إنه ليس بصدد قطع شعرة معاوية مع أنقرة. آلاف المقالات والدراسات كانت خلصت إلى أن هذه الحرب آتية لا محالة، وأن التغاضي التركي سيرتد على أنقرة. الدروس كثيرة وأنقرة اختبرتها على نحو لا تخطئه العين ولا العقل، بدءاً من باكستان راعية «القاعدة» وضحيته لاحقاً، وصولاً إلى النظام السوري المستمر في توظيفه عنف «داعش» لكي يستعيد أنفاساً يبدو أنه لن يستعيدها. لكن الحرب التركية على التنظيم الإرهابي انعقدت اليوم على معضلة تركية أخرى سيجد التنظيم فيها فرص توظيف واستثمار لا بأس بها، وستتخبط فيها حكومة أنقرة أيضاً، وهي أن «داعش» قرر أن أعداءه في هذه المعركة هم الأكراد على طرفي الحدود، وسيسعى بذلك إلى مخاطبة أكثر من حساسية. فهو سيجد بين العرب من يرغب في توظيف ضغينته القومية في هذه الحرب، ومن المرجح أن يستدرج أيضاً ضغائن تركية على هذا الصعيد. أما الحكومة التركية، التي يبدو أنها سارعت إلى إعلان الحرب تفادياً لاستثمار الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني في ضائقة الأكراد المستجدة، فستجد نفسها في خندق لم تألف القتال فيه، أي أنها ستخوض معركة «الدفاع عن الأكراد» في مواجهة تنظيم ليست بريئة من نشأته وتضخمه.

تمتد الحدود التركية السورية على مسافة أكثر من ثمانمئة كيلومتر، ولـ «داعش» نفوذ على الكثير من النقاط الحدودية، ويقدر المراقبون الأتراك عدد عناصر التنظيم من المواطنين الأتراك بأكثر من ألفي مقاتل. وحتى الآن يبدو أن منفذي العمليات داخل تركيا أتراك. أما سنوات القتال في سورية، فأسست لبيئة تهريب واحتضان وتهريب وتجارة في الكثير من المدن التركية، لا سيما تلك القريبة من الحدود مع سورية. إذاً المهمة صارت معقدة ولم تعد تقتصر على عدو خارج الحدود. في الداخل ثمة عاملان يشتغلان لمصلحة التنظيم ويسهلان مهمته التركية: «العدو الكردي» ثم البيئة اللوجستية التي تأمنت خلال سنوات «الجهاد» في سورية. و «داعش» يملك خبرات في هذا النوع من الصراعات، فهو استورد تجارب «القاعدة» في علاقتها مع الجماعات الأهلية في الكثير من المناطق. وعلى رغم الفوارق الكبيرة بين تركيا وباكستان، البلدين المسلمين غير العربيين، فإن المقارنة قد تفيد هنا. فحكومتا البلدين، في مرحلتي «الجهاد»، إسلاميتان ربطتهما بـ «المجاهدين» علاقات تفاوتت بين ذروة العنف وذروة الاحتضان، وتولت قنوات مشيخية ومسجدية تصريف حاجات متبادلة. الحدود الطويلة أيضاً وصعوبة ضبطها بعد التغاضي عن استباحتها وجه تشابه أكيد. وإذا كان البشتون في باكستان وأفغانستان عنصر لحمة (إيجابياً) ألغى الحدود وسهل لطالبان ومن ثم لـ «القاعدة» مهمة نقل النزاع إلى داخل باكستان، فإن الأكراد على طرفي الحدود السورية التركية عنصر لحمة (سلبي) بالنسبة لـ «داعش» لأنهم «عدو قومي» لجماعات أهلية عربية وتركية. لن تكون المهمة التركية المستجدة نزهة. حرب أنقرة على «داعش» ليست مهمة ينفذها الجيش خارج الحدود. مؤشرات كثيرة تدل على أن التنظيم الإرهابي أنشأ على مدى سنوات «الجهاد» في سورية بيئة عمل وخلايا داخل الحدود التركية وفي مدن كثيرة. وسيضاعف صعوبة المهمة التركية الجديدة الوضع السياسي المضطرب للحزب الحاكم وللموقع الذي اختاره في النزاع السوري. وربما استدعت هذه الاعتبارات تردد أنقرة في خوض الحرب إلى نهايتها، واللجوء إلى أشكال مواربة من المواجهة، تُبقي خلالها على خيوطٍ توازن فيها بين حرب تستجيب للضغوط الدولية والداخلية، وبين رسائل ضمنية بعدم رغبتها في القضاء على التنظيم وتهديد وجوده. وتردد «داعش» في تبني تفجير سروج قد يكون مؤشراً على هذه الوجهة.

أن تكون الحكومة التركية مخلصة في حربها على «داعش» فهذا يعني تحولاً هائلاً في شكل الصراع، لا يبدو أن الوقائع ذاهبة إليه. ثم إن قطار العودة عن الخيارات فات أنقرة. سكة «الجهاد» لا تعمل في كل المراحل وفق مصالح منشئيها، والعودة عن المهمة خطوة لم يسبق أن نجحت في بلد تولى المهمة التي تولتها تركيا طوال السنوات الأربع الفائتة في سورية. طبعاً لا يعني ذلك أن تركيا مهددة على نحو ما كانت مهددة باكستان، أو أن النظام فيها لطّخ وجهه بـ «الجهاد» على نحو ما فعل علي عبدالله صالح أو بشار الأسد، إنما يعني أن الطريق الذي لا عودة عنه، لن يكون معبداً، وأن رجب طيب أردوغان سيخسر المزيد من أرصدته في نظام سياسي يتيح محاسبته. أنقرة سائرة إلى هذه الحرب رغماً عنها، وستجد نفسها في موقع غريب عما تفترضه هوية حزبها الحاكم. أي في موقع خوض حرب عن الأكراد، ضد جماعة (إسلامية) تشكلت تحت أنظارها أو في ظل غض نظرها. لهذه المهمة أثمان ستُدفع عما قريب. الأرجح أنها بداية نهاية مرحلة «العدالة والتنمية» والتي استمرت لأكثر من عشر سنوات.

 

الحرس الثوري الإيراني يقود انقلابا في العراق
داود البصري/السياسة/26 تموز/15
بعد الخسائر البشرية الموجعة لجماعة الحشد الشعبي في معارك الفلوجة والأنبار وغربي العراق , اطلقت بعد سلسلة من التصريحات والتهديدات اللفظية من قبل قادة ذلك الحشد وفي طليعتهم الإرهابيان أبومهدي المهندس وهادي العامري والإرهابي “العصائبي” قيس الخزعلي , جميعها تصب في مجرى السخط على العملية السياسية , وتعرب عن النوايا الصريحة والمكشوفة بقيادة عملية تغيير جذرية عسكرية وسياسية ضد النخبة الطائفية الحاكمة عبر إزاحتها والسيطرة على مقاليد الحكم في العراق , بعملية قد تكون إنقلابا عسكريا ميليشياوياً مدعوماً إيرانيا وبتخطيط من قيادة الحرس الثوري الإيراني التي تحاول جاهدة تعزيز قبضتها الأمنية والستراتيجية على المواقع التي هيمنت عليها في دول الشرق الأوسط, كالعراق وسورية ولبنان.

فالحرس الثوري اليوم بات يسيطر على قواعد ومرتكزات ومواقع مهمة في الشرق القديم, وفي دوله المركزية كالعراق وبلاد الشام, ومنها يتطلع إلى تفعيل خلاياه السرية والكامنة في دول الخليج العربي , خصوصا إن إنهيار النفوذ الإيراني في اليمن بعد عملية عاصفة الحزم قد جعل من عدوانية الحرس الثوري هي المتغلبة في النظام الإيراني الذي يعاني من إنقسامات داخلية حادة زادتها شراسة حجم الضربات الموجعة التي تلقاها الإيرانيون وحلفاؤهم وعملاؤهم في الشرق, ففي سورية وبعد تضعضع النظام وإنهيار روحه المعنوية بعد سلسلة الهزائم المروعة تحول الإيرانيون ليكونوا هم الطرف الأول في الحرب الشرسة الدائرة هناك, وها هو علي أكبر ولايتي المستشار الستراتيجي للولي الإيراني الفقيه يصرح علنا عن أهمية الدور الإيراني في دعم أنظمة العراق والشام و”حزب الله” في لبنان, وكذلك عصابات الحوثي في اليمن.

مالم يقله علنا ولكن يعرفه القاصي والداني هو ذلك الدور الخبيث في دعم المخربين في البحرين, وبقية الخلايا السرية الطائفية في الخليج العربي, كالسعودية والكويت, وفي العراق اليوم تدور رحى معركة كبرى حول مصير ومستقبل النفوذ الإيراني فيه في ظل التحديات الداخلية الشرسة وإتساع حجم النفوذ الإيراني من خلال تشكيلة الميليشيات المتنوعة التي ظهرت في الساحة العراقية, وبأسماء متنوعة وخرافية ومذهبية في دلالاتها وطبيعتها, وسحبها للبساط من تحت أقدام القيادة العسكرية العراقية ووزارة الدفاع التي توارى تأثيرها في ظل قعقعة السلاح والضغوط الإيرانية الهائلة, وحجم المستشارين الحرسيين وإرتفاع وتيرة الحرب الطائفية القذرة, وتصاعد عمليات التطهير الطائفي في المدن العراقية المنكوبة بحروب “داعش والغبراء” , ففي محافظة ديالى المتوترة بالحرب والموت والدمار مؤشر مستقبلي واضح على طبيعة المستقبل العراقي المظلم في ظل فوضى الميليشيات والطوائف المتصارعة.

حجم الغضب في أوساط التيار الإيراني في العراق قد بلغ القمة بعد الفشل في تحقيق أي حسم حقيقي لصالحهم وإستمرار النزيف القاتل لقيادات الحرس الثوري وأتباعهم المدربين والحلفاء من قيادات الحشد التي باتت طهران تقيم سرادقات العزاء لهم وبحضور المسؤول عن العراق قاسم سليماني , عدم نجاح المشروع الإيراني المذهبي في العراق جعل قيادات الإرهاب الإيراني من العراقيين كالمهندس والعامري يشعرون بالحنق ويطالبون الحكومة بإستحقاقات ومطالب متناسبة مع خسائرهم , الإنقلاب الميليشياوي في العراق ليس مجرد إحتمال, بل أنه حقيقة ميدانية تنتظر الفرصة المناسبة والظروف الملائمة, الوجود الإيراني في العراق ليس مجرد حالة عابرة , بل أنه مبرمج لليوم الموعود, وهويوم الإنقلاب السياسي والعسكري التام الذي يلغي الوضعية السياسية القائمة, ويفرض على العراق لوناً طائفياً واحداً ومركزياً, ويحقق هدف إلحاق العراق كتابع ذليل لدولة الولي الإيراني الفقيه , لذلك ليس مفاجئا بالمرة أن يصحوالعراق ذات يوم والشعب يستمع للبيان الإنقلابي والقيادة العراقية الجديدة التي تجعل من هادي العامري رئيسا للجمهورية, وأبو مهدي المهندس رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة, وبحماية الحرس الثوري… إنه الاحتمال الأرجح والمتوقع في عراق يراد له أن يكون عراق العجم.