إيلي ليك: حقيقة التنازلات الأميركية أمام إيران/أسعد حيدر: خامنئي القائد عَلٍمَ ووافق ورفْض الحرس مرفوض

355

حقيقة التنازلات الأميركية أمام إيران
إيلي ليك/الشرق الأوسط/21 تموز/15

يعكف الرئيس أوباما وإدارته حاليًا على الترويج للاتفاق النووي المبرم مع إيران، مشيرين إلى أن المفاوضين الأميركيين تمسكوا بموقف صارم في مواجهة ضغوط مارستها إيران في اللحظات الأخيرة لنيل مزيد من التنازلات. إلا أنه لدى مقارنة الاتفاق المعلن بذلك الوارد في وثيقة البيت الأبيض حول «إطار العمل» الذي تم التوصل إليه في أبريل (نيسان)، سنكتشف أن الغرب قدم بالفعل كثيرا من التنازلات لإيران خلال الأيام الأخيرة للمفاوضات في فيينا. مع ذلك، يبقى الموقف الصارم الذي تحدث عنه البيت الأبيض صحيحا نسبيًا في حالات قليلة، حيث أصر قادة إيران علانية على أنهم سيمنعون دخول مفتشين دوليين لأية مواقع عسكرية، وحاول المفاوضون الإيرانيون الفوز بقرار برفع فوري لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على الأسلحة التقليدية المتجهة لإيران. في كلتا الحالتين، رضيت إيران بحلول وسط بهدف التوصل لاتفاق نهائي. ومع ذلك، فإن التنازلات جاءت في أغلبها من قبل الغرب، وبصورة أكبر. على سبيل المثال، في أبريل، روج البيت الأبيض لفكرة أن «إيران أبدت التزامًا مطلقًا بعدم إجراء إعادة معالجة أو أعمال بحث وتطوير بمجال إعادة المعالجة على الوقود النووي المستهلك». ومع ذلك، فإن الاتفاق الجديد يسمح لإيران بإعادة معالجة مثل هذا الوقود بعد مرور 15 عامًا. كما ينص الاتفاق النهائي على أن طهران بمقدورها البدء في إنتاج أجهزة طرد مركزي متقدمة وفاعلة لتخصيب اليورانيوم في غضون ثماني سنوات. ويأتي ذلك على الرغم من أن وثيقة البيت الأبيض الصادرة في أبريل لمحت بقوة إلى أن جهود البحث الإيرانية بمجال أجهزة الطرد المركزي المتطورة سيتم إرجاؤها لمدة 10 سنوات.

في أبريل أيضًا، أعلن مسؤولون رفيعو المستوى بالإدارة أن الاتفاق النووي سيسمح للمفتشين بالدخول «في أي وقت وفي أي مكان» داخل المواقع النووية المشتبه بها. بيد أن الاتفاق الجديد يمنح إيران حق الحصول على إخطار قبل التفتيش بـ24 يومًا، علاوة على إمكانية رفضها زيارة المفتشين لمواقع محددة على الإطلاق. أيضًا، وافقت الولايات المتحدة خلال الأيام الأخيرة للتفاوض على رفع الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على الأسلحة التقليدية لإيران في غضون خمس سنوات، وإنهاء العقوبات المفروضة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني خلال ثماني سنوات، وهما قضيتان لم تتطرق إليهما وثيقة البيت الأبيض الصادرة في أبريل.

الملاحظ كذلك أن «خريطة الطريق» التي أصدرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الثلاثاء، حيال كيفية تسوية قضايا عالقة منذ أمد بعيد بخصوص جهود إيران لبناء سلاح نووي تثير مزيدا من المخاوف، حيث يتسم وصف كيفية قيام الوكالة بذلك بقدر خطير من الغموض. كما أنه حتى مايو (أيار)، تمثل الموقف الأميركي في ضرورة إفصاح إيران عن هذا التاريخ قبل رفع أية عقوبات عنها. الآن، تم التخلي عن هذا الشرط لرفع العقوبات. ومع أن اتفاق أبريل كان مجرد اتفاق إطاري، ومن الطبيعي أن تطرأ عليه بعض التغييرات في صورته النهائية، فإن الحقيقة تبقى أن جميع تلك التنازلات عند النظر إليها بصورة مجملة تمثل تراجعًا من جانب فريق المفاوضين الأميركي منذ الربيع. وفي حديث لي مع فاليري لينسي، المديرة التنفيذية لمشروع ويسكونسن حول السيطرة على الأسلحة النووية، قالت إن وثيقة أبريل «تركت مساحة كافية للتراجع بهدف خلق انطباع بأنه لم يجر تقديم تنازلات في لوزان، لكن عندما قرأت الاتفاق بات واضحًا أمامي أنه تم التنازل عن بعض الأمور فيما يخص تفاصيل التعامل مع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وإعادة معالجة البلوتونيوم وعمليات التفتيش».

الملاحظ أن التنازلات المتعلقة بتطوير إيران لأجهزة طرد مركزي متقدمة في العام الثامن تثير القلق بصورة خاصة. في هذا الصدد، أخبرني بليز ميتشال، مدير برنامج الأمن الوطني لدى «بايبارتيزان بوليسي سنتر»، أن هذه الاتفاق يعد بمثابة «خطوة إلى الخلف». وأوضح أن أجهزة الطرد المركزي المتطورة بإمكانها تخصيب كميات أكبر من اليورانيوم بسرعة أكبر عن الأجهزة القديمة التي تمتلكها إيران وتنتمي لطراز «آي آر1».

أيضا أخبرني ديفيد ألبرايت، المفتش السابق على الأسلحة والذي يترأس حاليًا «معهد العلوم والأمن الدولي»، بأن التنازل المرتبط بأجهزة الطرد المركزي جاء بمثابة مفاجأة. وأضاف: «يبدو أنه يفتح الطريق أمام إيران لتوسيع دائرة أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لديها في وقت مبكر عما هو متوقع أو مرغوب». وتوقع أن تمكن أجهزة الطرد المركزي المتقدمة «آي آر6» أو «آي آر8» التي سيسمح لإيران بتركيبها بحلول العام الـ13، تمكّن إيران «من تقليل الفترة الزمنية الفاصلة بينها وبين امتلاك سلاح نووي إلى أيام أو بضعة أسابيع».

كما أعرب ألبرايت عن قلقه إزاء التنازلات التي تسمح لإيران بإعادة معالجة الوقود المستهلك. واستطرد موضحًا أن «هناك قيودا قوية على البرنامج النووي الإيراني لمدة 10 سنوات، ثم تتلاشى. إن هذا الاتفاق مجرد تقييد مؤقت لقدرات إيران النووية».

في المقابل، يبدي بعض الخبراء تفاؤلاً أكبر حيال الاتفاق. مثلاً، قال داريل كيمبل، المدير التنفيذي لاتحاد السيطرة على الأسلحة، إنه رغم أنه كان يفضل استمرار الحظر الكامل على إعادة معالجة الوقود المستهلك في الاتفاق النهائي، فإن الاتفاق يتضمن أيضا تعهدًا بأن إيران لا تنوي إعادة معالجة الوقود المستهلك. وأضاف كيمبل: «من المهم للغاية ألا نغرق في التفاصيل بدرجة تلهينا عن الصورة الكبرى. مثل أي اتفاق، هناك دومًا صورة أفضل كان يمكن أن يخرج بها، لكن بوجه عام يعد هذا الاتفاق قويا للغاية، إذ إنه يمكن التحقق من الالتزام به بفاعلية». أما بالنسبة للبند الذي يمنح إيران حق تلقي إخطار بعمليات التفتيش للمواقع المشتبه بها قبلها بـ24 يومًا، أصر أوباما، الجمعة، على أن هذا الوقت غير كاف لإخفاء منشأة صناعية نووية كبرى، مضيفًا: «هذا ليس بالشيء الذي تخفيه داخل خزانة أو تنقله لمكان آخر».

قد ينطبق هذا القول على المنشآت الكبرى مثل تلك الموجودة في ناتانز، حيث توجد الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، لكن عندما كان يجري بناء مفاعل ناتانز والمفاعل السري في فوردو، الذي كشفته الاستخبارات الأميركية عام 2009، لم يكن بهما هذا النمط من الأجهزة الضخمة أو أية مواد نووية يصعب إخفاؤها في غضون 24 يومًا. وعلق ألبرايت بقوله: «عندما تم رصدها ورغب خبراء في الذهاب إلى هناك، لم يكن هناك في هذه المواقع أية معدات طرد مركزي، ناهيك بأية مواد.. إذا كان أمامك 24 يومًا، سيصبح بإمكانك تنظيف الموقع».

إلا أن ألبرايت اعترف بأن بمقدور الأقمار الصناعية الأميركية رصد أي شاحنات تدخل أو تخرج من المواقع المشتبه بها، لكنه أضاف أن هذا النمط من المعلومات الاستخباراتية يظل غير مؤكد. وتزداد خطورة مشكلة إخطار الـ24 يومًا إذا كانت المنشأة المشتبه بها أصغر بكثير. وعن ذلك، قال ألبرايت: «إذا كان المفاعل كبيرا، فإنه سيكون من العسير للغاية إخفاء آثار المواد المخصبة، لكن إذا كان مفاعلا صغيرا للغاية، فإنه سيكون بمقدورهم تفريغه وإعادة طلائه واستبدال القرميد، وسيكون من الصعب للغاية رصد هذه الإجراءات».

وفي شهادة أدلى بها أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، الثلاثاء الماضي، طرح مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق، مايكل هايدن، وجهة نظر مشابهة عندما قال إن المراقبة الفنية وحدها من دون عمليات تفتيش قوية للمواقع المشتبه بها لن تكون كافية لرصد أي محاولات خداع إيرانية. في المقابل، أعرب كيمبل عن اعتقاده بأن هذه المخاوف تغفل الحافز القوي الذي ستملكه إيران تجاه الحرص على عدم التورط في أي غش بخصوص هذا الاتفاق، لأنه بإمكان الولايات المتحدة والأطراف الأخرى المفاوضة إعادة فرض العقوبات عليها حال انتهاكها للاتفاق. بيد أنه لا يتفق جميع الخبراء مع هذا الرأي، بما في ذلك أحد كبار مستشاري أوباما السابقين المعنيين بالشرق الأوسط، دينيس روس. وتوقع روس أنه: «بالنظر إلى سجل إيران، فإنها من المحتمل ستعمد إلى الغش على الهوامش في محاولة لاختبار أدوات التحقق واستكشاف كيفية تغيير الخط الأساسي للاتفاق». ومن المقرر عقد نقاشات حول جميع النقاط سالفة الذكر على امتداد الصيف. إلا أنه مع انطلاق هذا الجدال، من الجدير بالذكر أن وزير الخارجية جون كيري وفريق العمل المعاون له قدموا تنازلات حتى النهاية بهدف الحفاظ على اتفاق مثل بالفعل انحسارًا للموقف التفاوضي الأميركي عام 2013. آنذاك، أعلن أوباما أن الاتفاق المقترح سيقايض رفع العقوبات بتفكيك البرنامج النووي الإيراني. أما في ظل الاتفاق المبرم هذا الأسبوع، فإن البنية التحتية النووية تبقى في معظمها من دون مساس، بينما لا ينطبق القول ذاته على العقوبات التي أمل أوباما في أن تشكل عامل ضغط على إيران لإجبارها على سبل الوصول لسلاح نووي.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

 

خامنئي القائد عَلٍمَ ووافق ورفْض «الحرس» مرفوض!
أسعد حيدر/المستقبل/21 تموز/15

بدأت رقصة «التانغو» السياسية بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران. كل خطوة لها ما يتبعها ويتسق معها. الانسجام بين «الراقصَين» يحقّق النجاح. لا يمكن اللعب على شروط «الرقصة»، لأنّ المراقبين جاهزون لتسجيل أي خطأ. في السياسة، قَبِلَت طهران طوعاً الدخول تحت «مظلة» الشرعية الدولية. لا يمكنها العمل إلاّ بشروط هذه «المظلة» وقواعدها. لا يمكن أن يكون العضو داخل «المظلة» وخارجها في وقت واحد. لـ«المظلة» الشرعية الدولية شروطها وقواعدها وواجباتها وعوائدها، التي لا يمكن اللعب عليها.

مهما كابرت طهران، فإنّها في مفاوضات فيينا خضعت لشروط قاسية جداً، حقّقت تخلّيها عن «السيادة النووية» التي أرادتها. كل المشروع النووي الإيراني من «الإبرة» إلى الصاروخ تحت المراقبة الدقيقة لمدة 15 سنة يُضاف إليها عشر سنوات رقابة تنفيذاً لاتفاقية منع الانتشار. ستفكّك إيران حوالى 13 ألف جهاز طرد مركزي تُوضع في مخزن «مفتاحه» مع الوكالة الدولية، وستكون لها فترة شهر واحد لتفكيك ألف جهاز طرد مركزي في «ناتنز» وتغيّر موقع «فوردو» كلياً بعد إلغاء العمل بالمياه الثقيلة. أيضاً إذا أثيرت شكوك حول أي نشاط سرّي إيراني ستُتاح للوكالة فرصة الدخول المنظّم إلى المناطق المشبوهة بما فيها المواقع العسكرية. إيران كما العراق سابقاً تخلّت عن جزء من سيادتها الوطنية. ستحتاج إيران ستة أشهر من بدء تطبيق الاتفاق للإفراج عن نحو 100 مليار دولار. هذا غيض من فيض. أمّا ما يتعلق بسلاح الصواريخ، فإنّ القرار يدعو إيران إلى وقف التجارب على صواريخ بالستية قادرة على إيصال سلاح نووي لمدة ثماني سنوات. يُقال إنّ 15 سنة ليست شيئاً في عمر الشعوب وصناعة التاريخ، وهذا صحيح. لكن أيضاً أعمار الأنظمة حتى ولو كانت في الشرق ليست أبدية. انفتاح إيران على العالم له مفاعيله. نظام الولي الفقيه نجح تحت شعار «المقاومة» للمقاطعة الدولية في وضع القيود على حركة الشعب الإيراني دون أن ينجح في وأد تطلّعاته الديموقراطية ونحو الحرية الاجتماعية وحقّه في التنمية وفي حياة اقتصادية تتناسب مع ناتجه القومي. عودة الروح إلى الاقتصاد الإيراني، ستُعطي قوّة دفع حقيقية للمجتمع المدني الإيراني وممثليه. الانتخابات التشريعية القادمة ستؤكد حجم التغيير الذي سيتقرر قبل نهاية آذار 2016.

قائد «الحرس الثوري» الجنرال محمد علي جعفري رفض «الاتفاق» لأنّه خرق «خطوطاً حمراء» سبق وأن وضعها المرشد آية الله علي خامنئي. هذا الرفض خطير جداً. السؤال هل يستطيع الجنرال جعفري وبضعة جنرالات آخرين من الوقوف في وجه تنفيذ الاتفاق الذي إلتزمت الدولة الإيرانية به؟

إيران دولة شديدة المركزية. تنفيذ الاتفاق متى بدأ لا يمكن الوقوف في وجهه لأنّه لا يمكن الوقوف في وجه «قطار سريع». تصريح جعفري من نوع «اللهم إني بلّغت». وهو اعتراض لتمهيد تقاعده من «الحرس الثوري» يسمح له لاحقاً بأخذ (ومعه مَن يؤيّده من الجنرالات) موقعاً في الحياة السياسية كما حصل مع زملاء سابقين له مثل الجنرال رضائي والجنرال شمخاني وغيرهما. في نظام مثل النظام الإيراني الجنرال «عسكري» ينفّذ أمر القيادة. آية الله علي خامنئي هو الولي الفقيه وهو «الرهبر» أي القائد. في حالة جعفري وغيره من الجنرالات والسياسيين والمعترضين، عليهم أن ينفّذوا أمر «القائد». لا يمكن لخامنئي أن يقول لهم «معكم حق»، لأنّه اطّلع ووافق مسبقاً على كل نقطة وفاصلة في الاتفاق. لا يمكن لخامنئي أن يقول لم أطلع أو لا أعلم. في الحالتين خاسر وقيادته ستهتزّ. جواد ظريف جاء إلى طهران قبل 48 ساعة من توقيع الاتفاق النهائي الذي يجب أن يُؤخذ كله أو لا يوقّع. الاتفاق «سلّة» متكاملة غير قابلة للتجزئة. ثمة ثغرات في الاتفاق النووي لأنّه لا اتفاق مثاليا كامل الأوصاف. تنفيذ هذا الاتفاق سيتحوّل إلى «ساحة للتجاذبات ومرآة حقيقية لطبيعة العلاقات الأميركية الإيرانية». يمكن شدّ الشروط وإرخاؤها حسب تطوّر الثقة والعلاقات الأميركية الإيرانية. في المستقبل، السياسة هي التي ستحدّد إلى أي مدى ستشدّد الشروط في تطبيق الاتفاق. التشدّد والمرونة من صلب حركة المدّ والجزر في العلاقات بين طهران وواشنطن. في قلب هذا المسار السياسي الاقليمي لإيران، مدى انسجامه مع السياسة الأميركية وأهدافها. كلّما تقدّمت إيران خطوة في الاتجاه الصحيح يتم تخفيف أعباء شروط الاتفاق. رُفِعَ أمس العلم الكوبي في وزارة الخارجية الأميركية. إيران الإسلامية ليست أكثر تشدّداً على الصعيد الايديولوجي من كوبا الشيوعية – الكاستروية. في الأساس الايديولوجيا عابرة. مصالح الشعوب ثابتة وسابقة على كل شيء. إيران ما بعد الاتفاق لن تكون كما كانت قبلها. انتهى زمن الخطابات، بدأت مرحلة الواقعية والعمل!