عثمان ميرغني: ثلاثة معايير للحكم على الاتفاق النووي الإيراني//ربى كبّارة/الاتفاق النووي الإيراني ـ الغربي والشرق الأوسط//هشام ملحم: عودة إيران من الصقيع

254

ثلاثة معايير للحكم على الاتفاق النووي الإيراني
عثمان ميرغني/الشرق الأوسط/16 تموز/15

الحكم النهائي على الاتفاق النووي الإيراني ستحدده ثلاثة أشياء، التحليل الدقيق لوثيقة الاتفاق وملحقاتها، وثانيًا الالتزام والمراقبة لضمان التنفيذ، وأخيرًا انعكاساته على المنطقة وعلى السلوك الإيراني. فالاتفاق سيكون إيجابيًا لو كانت نتيجة هذه الأمور الثلاثة إيجابية، وإلا فإنه قد ينتهي بالمنطقة إلى ما انتهت إليه عمليات المراقبة والتفتيش على نظام صدام حسين، أو ربما أسوأ.

من الطبيعي أن يكون هناك قلق خصوصًا في الخليج والشرق الأوسط لأن تأثيرات الاتفاق تنعكس مباشرة على المنطقة وتوازناتها، وبالتأكيد على أمنها واستقرارها. ومن الطبيعي أيضًا أن تكون هناك مظاهر احتفالية في إيران خصوصًا من المواطنين الذين عانوا بسبب العقوبات، وهو ما أقر به الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمته التي وجهها عقب إعلان الاتفاق. العالم سينتظر الآن مراحل التنفيذ ليرى ما إذا كان الاتفاق «خطوة تاريخية» أم «خطأ تاريخيا».

من ناحية مبدئية يمكن للمرء أن يجادل أنه من حق أي بلد أن يسعى للاستخدام السلمي للطاقة النووية، من دون التقليل من الجدل والمحاذير الأخلاقية والبيئية المتعلقة بهذا النوع من الطاقة. ينطبق هذا على إيران مثلما ينطبق على الدول العربية التي لا يمكن لأحد أن ينازعها حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية لو أرادت اتخاذ خطوات في هذا الطريق بعد الاتفاقية الإيرانية. إذا سلمنا بهذا الحق، فإن اتفاق فيينا بين الدول الكبرى الست وإيران يعتبر خطوة إيجابية نحو ضمان بقاء برنامج إيران النووي في إطار الاستخدام السلمي، ومنعها من تحويله للاستخدام التسلحي العسكري. فالقلق الأكبر كان ويظل أن يتحول البرنامج النووي الإيراني إلى برنامج عسكري، وهو قلق مشروع مثلما هو الحال من القلق من القوة النووية الإسرائيلية. المفارقة أن إسرائيل التي تعترض بعنف على البرنامج النووي الإيراني، تعتبر مسؤولة عن إمكانية إشعال سباق نووي في المنطقة لتمسكها بقنبلتها ورغبتها أن تكون الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، وعرقلتها بالتالي لكل الدعوات لإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي.

الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يريد تسويق الاتفاق للكونغرس ولإسرائيل وللدول العربية، كرر أكثر من مرة في خطابه بعد إعلان الاتفاق أنه بسبب هذه الصفقة سيكون المجتمع الدولي قادرًا على التأكد من أن طهران لن تنتج سلاحًا نوويًا، ومن غيرها كان الخيار هو بقاء الوضع على ما هو عليه والمجازفة بأن تنجح إيران في امتلاك سلاح نووي، أو استخدام القوة العسكرية لمنعها من ذلك بكل ما قد يجره هذا الأمر من تبعات تجعل الوضع في المنطقة أكثر خطورة. فالواقع أن إيران بقوتها التقليدية تثير قلقًا كبيرًا، لأنها تملك ما يكفي ويزيد لإثارة القلاقل، واستخدام القوة العسكرية لضرب منشآتها النووية ربما كان سيجعلها أخطر وأشرس. من هذا المنطلق فإن الاتفاق النووي لو أدى إلى تحجيم البرنامج الإيراني ومنعه من التحول إلى برنامج نووي عسكري، فإنه يعتبر خطوة إيجابية مهمة للغاية.

القراءة الأولية لما نشر عن الاتفاق توضح أنه سيقيد الأنشطة النووية الإيرانية، وسيقلص القدرات والمنشآت وكميات اليورانيوم المخصب التي تمتلكها طهران، كما سيفرض مواصلة الحظر على تصدير الأسلحة التقليدية لخمس سنوات وعلى الصواريخ لمدة ثماني سنوات. الكثير سيعتمد بلا شك على التقيد والتنفيذ ونظام المراقبة، لذلك منح الاتفاق دورًا محوريًا لوكالة الطاقة الدولية ولعمليات التفتيش والرقابة، وربط رفع العقوبات بالتقارير عن مدى الالتزام بالاتفاق وتنفيذ بنوده.

الأمر الآخر الذي سيشكل معيارًا مهمًا في الحكم على الاتفاق هو تأثيره على السياسات الإيرانية الإقليمية، فإن جنحت طهران إلى التعاون وكبحت نزعة التدخلات الخارجية واستغلت الموارد التي ستحصل عليها من رفع العقوبات لأغراض التنمية والاستقرار، فإن اتفاقية فيينا ستكون فتحت صفحة جديدة مهمة للمنطقة. أما إذا حدث ما تتخوف منه كثير من دول المنطقة من أن يعطي الاتفاق إيران دفعة قوية لدعم طموحاتها وتدخلاتها الإقليمية، فإن الاتفاق سيكون نكسة إضافية للاستقرار والأمن في المنطقة.

هناك سبب آخر لقلق بعض دول المنطقة وهو أن إيران باتت تملك المعرفة النووية، ومن خلال الاعتراف ببرنامجها النووي «السلمي» المسموح به ضمن الاتفاق – الصفقة، فإنها ستستمر في تطوير هذه المعرفة، بكل ما يعنيه ذلك لموازين القوة وإمكانات التحول لقوة نووية مستقبلاً. صحيح أن هناك دولاً في أرجاء مختلفة من العالم تملك قدرات نووية سلمية من دون أن يثير ذلك مخاوف من تحويل معرفتها نحو الاستخدام العسكري، لكن الأمر في الشرق الأوسط يبدو مختلفًا في ظل الصراعات ودوامة عدم الاستقرار وانعدام الثقة.

لهذا كله يصبح مهمًا ما قيل عن أن الصفقة لم تبن على الثقة بل على آلية الرقابة، والحكم عليها سيعتمد على ذلك، مثلما سيعتمد حتمًا على ما ستفرزه بالنسبة لأوضاع المنطقة.

الاتفاق النووي الإيراني ـ الغربي.. والشرق الأوسط
ربى كبّارة/المستقبل/16 تموز/15

أنجز الغرب والجمهورية الاسلامية الايرانية الاتفاق على برنامج طهران النووي بعد مفاوضات مضنية استغرقت مرحلتها الاخيرة، المرتبطة بوجود الرئيس الاصلاحي حسن روحاني، عامين على الاقل. لكن ذلك لا يعني اتضاح انعكاسات هذا الانجاز المفصلي بسرعة سواء في الداخل الايراني او على توازنات منطقة الشرق الاوسط بسبب الترابط الوثيق بينهما. فبدء المراحل التنفيذية للاتفاق، الذي نزع لعشر سنوات على الاقل اظافر النووي الايراني العسكرية، وقصر نشاطاته على حقول بحثية ولحاجات تطوير صناعاته، يقدر بالاشهر. فالتطبيق يبدأ بعد 90 يوماً من تصديق مجلس الامن الدولي، فيما لا تزال خيارات التعطيل واردة سواء عندما سيتصدى الكونغرس للموضوع او سواء عندما سيطرح امام مجلس الامن القومي للموافقة.لكن انجاز الاتفاق أسقط بالتأكيد، وبمتابعة بسيطة لتعليقات الاصلاحيين الايرانيين والمسؤولين الغربيين، اسس الايديولوجيا التي بناها ولي الفقيه، والتي انطلقت مع الثورة الاسلامية عام 1979 والمرتكزة على مقولات اعتبار الولايات المتحدة «الشيطان الاكبر» وعلى هتافات «الموت لأميركا الموت لإسرائيل» والدعوة الى محو الدولة العبرية من الوجود اضافة الى تحرير القدس، وهي المقولات التي استخدمتها ايران للتغلغل في وجدان الشيعة العرب. ولا تكفي للتمويه مناورات المرشد الخامنئي، كتلك التي ادلى بها قبل يومين من التوقيع، عندما لم يكتف بتأكيد استمرار الصراع مع الولايات المتحدة بل توقع تصعيده.

وقد اسقط الاتفاق مفعول التهديدات بضربات عسكرية وان لم تكن يوما جدية، سواء من قبل الاميركيين او حتى الاسرائيليين.

وللاتفاق النووي الايراني ركيزتان: ايران والمجتمع الدولي وفق سياسي لبناني مخضرم. الاولى تستثمر بالامن في اشارة الى سعيها الدؤوب في السنوات الماضية الى تجميع اوراق امنية وضعتها في خدمة مفاوضاتها على غرار افتعالها حساسية ساخنة شيعية – سنية انطلقت من العراق اضافة الى دعمها المطلق لبشار الاسد في سوريا وللحوثيين في اليمن والى مصادرتها رئاسة الجمهورية في لبنان. اما الركيزة الثانية المتمثلة بالمجتمع الدولي فبيدها ملف رفع العقوبات التي حاصرت ايران لدرجة معاناة مواطنيها من نقص في الادوية والغذاء، رغم نجاحها في الالتفاف على بعض منها وخصوصا في مجال بيع نفطها المحظور من موانئ العراق وسوريا باعتباره نفطاً عائدا لهاتين الدولتين. فمن المبكر الاجابة عن سؤال «من سيكون الرابح في داخل ايران«، وهو ما ستظهره الانتخابات المتوقعة في شباط المقبل. اسيكون الاصلاحيون الذين تهافت انصارهم على الاحتفال بشوارع طهران اذ سيوظفون العائدات المتوقعة في سبيل تحسين معيشة مواطنيهم، او المتشددون الذين سيوسعون هامش تحركاتهم الاقليمية بسبب الامكانات الاكبر التي ستصبح في تصرفهم عبر تسييل الاموال المجمدة في المصارف الغربية وعائدات النفط الذي تمكنت من تصديره دون ان تنجح في قبض ثمنه ورفع الحظر عن التعاملات التجارية؟ لقد استبعد الاتفاق الملفات الاقليمية وحصر مفاوضاته بالنووي. فالموقف الاميركي خصوصا فرض إرجاء الحوار حول الامور الساخنة في الاقليم والتي لها علاقة بايران الى ما بعد الانجاز، وذلك ردا على مطالبة العرب، في لقاءات كامب ديفيد الاخيرة، ان يشمل البحث القضايا الاقليمية، كما يؤكد مصدر سياسي سيادي لبناني مقيم في الولايات المتحدة ومطّلع عن كثب على تفاصيل الادارة الاميركية.

فموافقة ايران على الاتفاق يعني خضوعها للشرعية الدولية وهو ما يظهر مثلا من موافقتها على تفتيش، وان مشروط لمنشآتها النووية، بما ينتهك عمليا السيادة الوطنية لكن الموافقة عليه اتت كثمن للاندماج في الشرعية الدولية. ويرجح المصدر ان توقف ايران سياساتها العدائية ضد شعوب المنطقة مع عودتها لحضن الشرعية الدولية وان تعكف على نسج علاقات حسن الجوار لأنه لا يمكن الموافقة على جزء من الشرعية ورفض الجزء الآخر. فالنظام العالمي الجديد يعتمد سياسة «صفر مشاكل« لان همه الرئيس هو الاستثمار الذي لا يمكن ان ينجح الا على قاعدة الاستقرار التي تؤمن استثمارات مالية ناجحة. وعليه، الامل ان تتميز المرحلة المقبلة بانفتاح في الداخل الايراني واندماج في النظام الدولي بما يعيد الجمهورية الاسلامية دولة طبيعية تلتزم نفوذها في حدودها الجغرافية.

عودة إيران من الصقيع
هشام ملحم/النهار/16 تموز 2015

طوال 20 شهراً، فاوضت ايران الدول الست الأقوى في العالم وتوصلت الى اتفاق تقني سوف يفرض قيوداً على برنامجها النووي لفترة تراوح بين 10 و15 سنة في مقابل رفع تدريجي لمعظم العقوبات المفروضة عليها، الامر الذي سيفرج عن عائداتها المالية المجمدة والتي يمكن ان تصل الى 150 مليار دولار. وهذا الاتفاق كما يلبي المطالب الانية للدول الست بتجميد البرنامج النووي الايراني في المستقبل المنظور، كما يلبي المطلب الاني لايران: وهو اعفاؤها من العقوبات وتسلمها عائداتها. والايرانيون محقون الى حد كبير عندما يعتبرون الاتفاق انتصاراً لهم، لانه أبقى معظم البنية التحتية النووية، وحتى خلال تطبيقه سوف تواصل ايران تطوير قدراتها العلمية وزيادة عدد علمائها. وفي ثقافة قديمة تقيس تاريخها بالالفيات والقرون، يعتبر تجميد أي برنامج عشراً او خمس عشرة سنة لحظة عابرة.

لكن الاتفاق هو اكثر بكثير من اتفاق تقني، ويجب اعتباره بداية عودة ايران من الصقيع السياسي الذي وجدت نفسها فيه منذ 36 سنة بسبب سياساتها وردود الفعل الاقليمية والدولية على هذه السياسات. الاتفاق هو اعتراف ضمني من أهم دول العالم بان ايران هي دولة محورية ولا يمكن تجاهل نفوذها السلبي والايجابي بسهولة، وهذه حقيقة تعكسها دائما تصريحات الرئيس أوباما. صحيح ان المفاوضين الاميركيين والايرانيين كانوا دوماً يشددون على فصل البرنامج النووي عن القضايا الخلافية الاخرى – دور ايران السلبي في المشرق العربي واليمن – الا ان الواقع هو انه بعد نحو سنتين من المفاوضات والتواصل المباشر بين الوزيرين كيري وظريف بات هناك فهم افضل لمنطلقات كل طرف وتوقعاته، وهو أمر تزامن مع وجود تعاون ضمني وغير مباشر بين الطرفين ضد عدو مشترك هو “داعش”. في مقابلته مع “النيويورك تايمس” عقب توقيع الاتفاق تحدث أوباما عن الحضارة الايرانية وأهميتها، واعترف بأن الايرانيين احترموا توقيعهم على الاتفاق الموقت، وقال: “ما تعلمناه هو انهم يلتزمون وثيقة موقعة”. اوباما ومساعدوه يتوقعون ان يكون الاتفاق بداية عودة ايران الى الاقتصاد العالمي، الأمر الذي سيقوي الطبقة الوسطى في هذا البلد التي تريد الانفتاح على الغرب واسواقه وجامعاته. أوباما كرر القول إن هناك “اصواتاً مختلفة داخل ايران” وان بعضها قد لا يكون منسجماً كلياً مع مواقف أميركا، لكن هذا يعني ان هناك من يمكن ان يتبع أساليب أفضل من الأساليب المتبعة حتى الآن. اذا طبقت ايران الاتفاق دونما عقبات كبيرة، سوف نرى عودة الديبلوماسيين ورجال الاعمال الغربيين الى طهران. الاتفاق النووي، هو الخطوة الرئيسية الأولى في رحلة

الالف ميل الصعبة لعلاقات طبيعية بين الولايات المتحدة وايران.