سلمان الدوسري: الاتفاق النووي يفتح أبواب الشر/رندة تقي الدين: بداية التطبيع بين إيران والشيطان الأكبر/داود الشريان:اتفاق فيينا يؤجل المصيبة ولا يمنعها/الجمهوريون يتحدون أوباما في الاتفاق النووي مع إيران

321

 الاتفاق النووي يفتح أبواب الشر
سلمان الدوسري/الشرق الأوسط/15 تموز/15

فعلاً وكما قال مسؤول سعودي لوكالة «رويترز»: «سيكون يومًا سعيدًا إذا منع (الاتفاق النووي) طهران من امتلاك ترسانة نووية»، فلا أحد في المنطقة والعالم سيرفض الاتفاق ما دام قد نجح في «تجميد» برنامج إيران النووي العسكري وتحويله سلميًا، وهو ما بدا فعلاً من تفاصيل الاتفاق التي أعلنت أمس، إثر موافقة طهران على غالبية الاشتراطات التي كانت ترفضها سابقًا، وتسببت في عقوبات اقتصادية وتجميد لأموالها سنين طوالا، وبعد أن كان الإطار الزمني لاكتساب إيران كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية – المعروف بـ«زمن الاختراق» – نحو شهرين أو ثلاثة أشهر، فإن الاتفاق الجديد يطيل هذه الفترة الزمنية إلى عام واحد على الأقل. إذن الاتفاق وإن لم يوقف الطموحات النووية الإيرانية فإنه تمكن من جعل إيران تحت أنظار المراقبة الدولية، ودق ناقوس الخطر قبل أي تحرك مفاجئ باتجاه نادي الدول النووية. يبقى السؤال الأكثر تداولاً: هل هو اتفاق جيد أم سيئ؟ في ظني هو اتفاق رائع لإدارة الرئيس أوباما التي نافحت وكافحت للوصول إلى اتفاق ينهي به الرئيس فترته الرئاسية الثانية، حتى إنه هدد الكونغرس أمس بأنه سيمرر الاتفاق بالفيتو إذا تم رفض تمريره. أيضا هو اتفاق جيد للقوى الغربية التي لا تريد سباقًا للتسلح النووي يجتاح منطقة الشرق الأوسط يزيدها اشتعالاً أكثر مما هي مشتعلة. أما إيران فقد عادت إلى نقطة الصفر التي توقفت عندها قبل أعوام، فلا هي بلغت هدفها ببرنامج نووي عسكري، ولا هي استفادت من طفرة النفط التي واجهت مصاعب العقوبات التي أخرت تنمية اقتصادية هي في أمسّ الحاجة إليها، أي أنها كانت أكثر الخاسرين من هذا الاتفاق وتجرعته بمرارة. دع عنك بروبغاندا الإعلام الإيراني، الذي تفنّن أمس حتى في إظهار بنود غير تلك التي تم التوقيع عليها، فقط للترويج بأن الاتفاق هو نجاح للسياسة الإيرانية، وكذلك سيفعل الطابور الإيراني الخامس في دول الخليج، بالتهليل والترحيب بـ«الانتصار» الإيراني.
وإذا كان الاتفاق النووي بين دول الغرب وإيران أحبط قدرات إيران النووية وأرغمها على الرضوخ، على الأقل مؤقتًا حتى تلتقط أنفاسها، فإن القلق الحقيقي مما سيأتي بعد الاتفاق وما سينتج عنه، وأيضا ما سيراهن عليه النظام الإيراني في الفترة القادمة باستخدامه كورقة سياسية، فلا يوجد عاقل يعتقد أن إيران ستتوقف عن سياستها في زعزعة استقرار المنطقة، وهذه المخاوف جاءت من كبار المسؤولين الأميركيين أنفسهم، كما قال ديفيد بترايوس رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) السابق بأن التهديد الأخطر للمنطقة ليس من «داعش»، بل من ميليشيات إيران، فإذا أحسنّا النيّات بتعهدات الرئيس أوباما وتطميناته من عدم منح إيران تنازلات على حساب دول المنطقة، فإن الحكومات الغربية ستقع تحت ضغط كبير من أجل إنجاح الاتفاق، وبالتالي غض النظر عن سياسات إيران المزعزعة للاستقرار وتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية لجيرانها، بل وستغض النظر حتى عن دعمها للميليشيات المتطرفة، كما ميليشيا الحشد الشعبي، التي أصبحت شيئًا فشيئًا وكأنها جزء من المنظومة العسكرية لدولة مثل العراق، في ظل صمت غربي عجيب، وتأسيس سياسة جديدة معادلتها ضرب الإرهاب بالإرهاب! لا تملك السعودية ودول الخليج إلا الترحيب بالاتفاق النووي، فهو بحد ذاته يفترض أن يغلق بابًا للشر، إلا أن القلق الفعلي هو أن يفتح أبوابًا أخرى للشر برعت إيران في طرقها واحدًا بعد الآخر وهي تحت طائلة العقوبات، فكيف وقد التقطت أنفاسها من جديد؟

 

بداية التطبيع بين إيران و«الشيطان الأكبر»
رندة تقي الدين/الحياة/15 تموز/15
بعد عشر سنوات من المفاوضات مع ايران حصل الرئيس اوباما اخيراً على ما طمح إليه وهو ترك ارث بتوقيع الاتفاق النووي مع ايران. كم كان إرثه أهم وأضخم لو استخدم كل الزخم والثقل اللذين وضعهما مع ايران للتوصل الى حل سلمي عادل ومتوازن بين الفلسطينيين وإسرائيل؟ ولكن مكاسب ادارة السيد اوباما من الاتفاق حول النووي الإيراني يليه تطبيع مع هذا البلد هي اهم وذات جدوى اكبر بكثير في نظره من حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وماذا بعد هذا الاتفاق؟ اولاً سمعنا الكثير في تحليلات الإعلام الأميركي ان اسعار النفط هبطت بنسبة ٢ في المئة اثر الإعلان عنه. لكن جميع الخبراء والمتابعين للسوق النفطية يؤكدون ان اسعار النفط بدأت تهبط منذ شهر بسبب ازمة اليونان وخصوصاً مع اضطراب سوق الأسهم في الصين الذي ادى الى المزيد من مبيعات النفط بعد ان جمدت الصين التعامل بجزء من الأسهم فلجأ كثيرون الى بيع النفط. والكل يجمع على ان كميات النفط الإيراني لن تظهر في الأسواق بكميات ملموسة قبل نهاية هذه السنة او السنة المقبلة. إن هذا الاتفاق بين الدول الست وإيران هو بالفعل بداية صفحة جديدة للمنطقة بأسرها لأنه مقدمة لا مفر منها للتطبيع بين الولايات المتحدة وإيران ولن يكون مستغرباً ان يقوم اوباما قبل نهاية ولايته بزيارة ايران بعد ان انجز التطبيع مع كوبا. وقد يرغب في ترك صورته يصافح المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران. الا ان هذه الرموز العديدة ليست بأهمية ما سيحصل بعد هذا الاتفاق. فإيران ليست البلد الديموقراطي المهتم برفاه شعبه. هذا الاتفاق ورفع العقوبات سيكون لمصلحة «الحرس الثوري» الذي يوزع عائدات الدولة على وكلائه في لبنان وفي طليعتهم «حزب الله» ونظام الأسد وميليشيات العراق المؤيدة لإيران التي كانت تتلقى اموالاً اقل من ايران اثر انخفاض سعر النفط للمزيد من التخريب والهيمنة. تبلغنا عبر الإعلام الغربي ان مسؤولاً اميركياً لم يكشف عن اسمه ولا ندري لأي سبب اكد ان الإدارة الأميركية ستبقي «الحرس الثوري» الإيراني على لائحة الإرهاب. ويمكن وصف السياسة الأميركية بأنها بطلة الغموض والإزدواجية. فهي تقول عن «الحرس الثوري» انه تنظيم ارهابي وفي الوقت نفسه ترغب في تطبيع العلاقة مع النظام الإيراني وعنصره الأساسي هو «الحرس الثوري».
سيترك اوباما ارثاً كارثياً لمنطقة الشرق الأوسط حيث يعطي فرصة اكبر لبشار الأسد اول مهنئي النظام الإيراني بتوقيع الاتفاق كي يستفيد من المزيد من الأموال الإيرانية والمزيد من المساعدات العسكرية لـ «حزب الله» للاستمرار بالقتل والتهجير. كما سيستفيد الحوثيون من الدعم الإيراني للمزيد من القتال في اليمن وسيزداد العراق تمزقاً اثر مكاسب ايران من هذا الاتفاق. قال احدهم ان النفس الطويل الذي جعل من الإيرانيين اكبر صانعي السجاد وحياكته علّم النظام على حياكة الحجج والدوران حول تنفيذ التزاماته. واستعجال ايران لقبول ما طلب منها بالنسبة الى التفتيش الذي يمثل خرقاً لسيادتها سببه ان النظام و»الحرس الثوري» بحاجة ملحة للمال الذي لم يذهب الى الشعب المتعطش اليه بل لمجازفات خارجية وتغذية زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ان شعب ايران عريق والبلد له تاريخ وتراثه غني ولكن صانعي سياسته من المرشد الى قاسم سليماني وغيره من المتشددين في منطقة الشرق الأوسط يتبعون سياسة غير مشجعة على التفاؤل بتداعيات هذا الاتفاق. الا ان رغبة اوباما وأمثاله في الولايات المتحدة كبيرة جداً لفتح صفحة جديدة في السياسة الأميركية، حتى ان احدهم كان يحلم بأن يعمل سفيراً للولايات المتحدة في طهران. ان المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات عديدة وعميقة واسم اوباما سيبقى في تاريخ الولايات المتحدة الرئيس الذي قام بتطبيع علاقات اميركا مع نظام نعتها بـ «الشيطان الأكبر» ودعا باستمرار الى موتها.

 

الجمهوريون يتحدون أوباما في الاتفاق النووي مع إيران
واشنطن – أ ف ب /15 تموز/15
ندد رئيس مجلس النواب الأميركي، الجمهوري جون باينر اليوم (الثلثاء) بالاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران، وأكد عدد من زملائه انهم سيسعون بكل الوسائل لعرقلته. وقال باينر في بيان ان هذا الاتفاق «سيوفر لإيران البلايين من الدولارات من خلال تخفيف العقوبات مع اعطائها الوقت والمجال لبلوغ عتبة القدرة على انتاج قنبلة نووية من دون خداع». وأضاف: «بدلاً من وقف انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، هذا الاتفاق سيطلق على الأرجح سباقاً على التسلح النووي في العالم». وليس على الكونغرس الموافقة على الاتفاق بل له صلاحية عرقلة عنصر أساسي، وهو تعليق العقوبات الأميركية لقاء التعهدات الإيرانية.
وستجري نقاشات وجلسات استماع في هذا الخصوص خلال الشهرين المقبلين، لكن احد المسؤولين الرئيسيين في الملف، الجمهوري بوب كوركر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ «شكك في قدرة الاتفاق على منع إيران من امتلاك السلاح النووي». وانتقد جمهوريون الاتفاق على الفور قبل حتى قراءة تفاصيله. وقالت ليندسي غراهام السناتورة المحافظة المرشحة للاقتراع الرئاسي على قناة «ام اس ان بي سي»، ان «هذه المرحلة هي الأخطر والأقل مسؤولية التي شهدتها في تاريخ الشرق الأوسط»، ورأت فيها «حكم اعدام محتمل على اسرائيل». ويأخذ النواب على اوباما تشريع تخصيب اليورانيوم النووي وعدم وضع آلية تفتيش كافية وعزل الحلفاء السنة للولايات المتحدة في المنطقة وإسرائيل. وأشار كثيرون الى الاتفاق المبرم بين بيل كلينتون وكوريا الشمالية في 1994. وقال السناتور الجمهوري توم كوتون ان الأميركيين سيرفضون هذا الاتفاق واعتقد ان الكونغرس سيقضي على هذا الاتفاق، واصفاً نظام طهران بـ «المارق والمعادي لأميركا والداعم للإرهاب». وأمام ادارة اوباما خمسة أيام لعرض الاتفاق النووي على الكونغرس. وبعدها تبدأ مرحلة من 60 يوماً سيكون خلالها امام النواب ثلاثة خيارات :
– عدم اتخاذ اي خطوة.
– تبني «مشروع قرار» يكون رمزياً.
– تبني «مشروع رافض» يمنع باراك أوباما من تعليق معظم العقوبات على إيران. ووعد اوباما باستخدام الفيتو على قرار يمنعه من تطبيق الاتفاق النووي، وسيحتاج الجمهوريون إلى دعم ثلثي الأعضاء في مجلسي الكونغرس لتخطي هذا الفيتو. وفي النهاية سيحتاج اوباما الى اقناع ثلث الكونغرس على الأقل بدعمه.ويمكن لأوباما أن يعتمد على تعاون حلفائه الديموقراطيين الذين قال كثيرون منهم صباح اليوم انهم «فخورون» بجهود باراك أوباما الديبلوماسية.

اتفاق فيينا يؤجل المصيبة … ولا يمنعها
داود الشريان/الحياة/15 تموز/15
أخيراً وُقِّع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الست الكبرى بعد أكثر من عشر سنين من المواجهة السياسية المتوترة. إيران أصبحت دولة نووية، وبإمكانها بيع اليورانيوم غير المخصّب. وبموجب الاتفاق التاريخي أمس، رُفِعت العقوبات الاقتصادية والمالية والعقوبات على خدمات الطيران المدني، وفتحت إيران صفحة جديدة مع المجتمع الدولي، وبدأت تتحدث عن التحديات المشتركة مع الغرب. اتفاق فيينا يشبه صورة لها أكثر من وجه، بعضهم يرى فيه تنازلات إيرانية كبيرة، أبرزها لجم الطموح الإيراني لإنتاج سلاح نووي، وتقليص أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين، والخضوع للتفتيش، وآخر سيجد أن طهران خرجت من الاتفاق بمكاسب غير متوقّعة، أهمها عدم إغلاق المواقع النووية، والسماح لها ببيع يورانيوم، فضلاً عن أن معظم بنود الاتفاق يقوم على مبدأ الثقة، وإيران لها باع طويل في التعامل مع قصة الثقة. كل هذه المكاسب في مقابل استمرار حظر الأسلحة خمس سنوات، وحظر الصواريخ الباليستية ثماني سنوات. لكن هذا الحظر لا يعني شيئاً قياساً إلى المكاسب النووية، فضلاً عن ان رفع الحظر عن الأسلحة التقليدية ستتولاّه دول أخرى لها مصلحة في بيع إيران هذه الأسلحة، وهذا ما تراهن عليه طهران مستقبلاً. الاتفاق يعكس حقيقة مهمة، هي أن إيران اليوم أصبحت دولة كاملة العضوية في المجتمع الدولي، حيث يُرفَع الحظر عن العقوبات الصادرة من الأمم المتحدة، والدول الغربية، إضافة الى الإفراج عن الأرصدة النقدية الإيرانية التي تصل إلى مئة بليون دولار، ورفع الحظر عن 800 شخصية اعتبارية ومعنوية، والبدء في الحديث عن شراكة اقتصادية وتجارية مع مفاوضي إيران الذين تترقب شركاتهم هذه الفرصة، والأهم أن طهران ستكون أمامها فرصة لمدة عشر سنين لتحسين وضعها الاقتصادي، وتطوير إمكاناتها التقنية والنووية، قبل العودة إلى محاولة تصنيع السلاح النووي. هل تصدُق توقعات بعض الغربيين بأن يُحدِث هذا الاتفاق تغييراً عميقاً في الرؤية الإيرانية؟ هذا السؤال ينمّ عن رؤية مثالية، وبافتراض القبول بإمكانية طرحه بهذه الصيغة، فإن عشر سنين ليست كافية لنقل إيران من القمع وهيمنة رجال الدين، وتصدير الحس المذهبي، إلى دولة مدنية ترفض القطيعة مع التعددية والتعايش.
لا شك في أن الإدارة السياسية الراهنة في إيران غير راغبة، فضلاً عن أنها ليست قادرة على تغيير بهذا المستوى، وهي ربما استخدمت عائدات هذا الاتفاق لزيادة وتيرة التدخُّلات، والهيمنة الإيرانية في المنطقة.
الأكيد أن اتفاق فيينا كان حفلة تسويق للنظام الإيراني غير مسبوقة. والمؤسف أن الدول الغربية تدرك أن الاتفاق النووي هدفه تأجيل امتلاك إيران سلاحاً نووياً، وليس منعها، كأنها بهذا الاتفاق تدشِّن سباقاً للتسلح النووي في المنطقة.