ايلي الحاج: وداعاً زمن العروبة على باب النظام المشترك مع إيران/سمير منصور: قراءة لبنانية للاتفاق الأميركي – الإيراني/موناليزا فريحة: السلام النووي وحروب المنطقة

283

 وداعاً زمن العروبة على باب النظام المشترك مع إيران لبنان بعد سوريا… وليرجع المسيحيّون إلى الطائف
ايلي الحاج/النهار/15 تموز 2015

مهما قيل وسيُقال، ربحت ايران اعترافاً عالمياً بها قوة اقليمية واقتصادية تبدأ بحصولها على المليارات الـ150 العائدة لها، وان خسرت برنامجها النووي الا ما يفيد منه لانتاج كهرباء. حتى الأمس كانت أنظمة هذه المنطقة من العالم تستمد شرعيتها من انتمائها العربي، وعلى رغم البعد الزمني عن السنة 1970 كانت نبرة جمال عبد الناصر، لا تزال في الأذهان وتوجه المواقف ولو الى حد ما، وعقيدة زكي الأرسوزي وميشال عفلق كانت موجودة وان ذبلت تعابيرها وأشكالها.
اليوم دخلنا زمن النظام الفارسي – العربي المشترك. عصر جديد والوقت ممتد ليصير الانتماء العربي قديماً. ستدخل ايران المنطقة بقوة أكبر حتى لو قيل ان نفوذها سينكفئ وتنصرف الى مشكلاتها الداخلية الهائلة بعد 36 عاماً من العزلة عن العالم. لم تمنع هذه العزلة طهران عن بناء حضور قوي لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. دعنا من دول الخليج. في المفاصل التقريرية ستكون لايران الكلمة الوازنة في هذه البلدان الأربعة ان لم تكن الأخيرة. ما تغيّر بعد الاتفاق الذي يكرّس دخولها بقوة الى المنطقة أنها يمكن أن تستمع الى الآخرين، تأخذ وتعطي بعدما كانت تدير لهم آذاناً صماء. على هذا الأساس ها هو وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أكثر المستعجلين لزيارة طهران.
وأياً تكن الحلول التي ستعتمد لحرب سوريا وللحرب على “تنظيم الدولة الاسلامية” ولحرب اليمن سوف تكون ايران الحاضر الأكبر الى طاولة المفاوضات. لن تعود أميركا “الشيطان الأكبر” صحيح، لكن المقابل يستحق، فقد دخلت ايران نادي دول “العتبة النووية” مثلها مثل ألمانيا واليابان. وكما الاتحاد السوفياتي في قديم الزمان تتحرك في المنطقة من خلال فروع لحزبها “حزب الله” الذي ينتشر بمسميات مختلفة في شرائح واسعة من الشعوب تنتمي الى الطائفة الشيعية ومتفرعاتها في زمن ينتشر فيه الشرخ السني – الشيعي كالوباء. خلفنا صار الانتماء العربي القديم والذي بني عليه نظام الشرق الأوسط متمثلاً بجامعة الدول العربية عام 1945. النظام البديل عربي – فارسي على الأبواب، وسيكون لبنان بعد العراق وسوريا احدى ساحات عمله الرئيسية.
هل استعد المسؤولون اللبنانيون والسياسيون اللبنانيون للواقع الجديد الذي سيفرض نفسه بسرعة؟ الأرجح لا. على رغم ذلك في قابل الأيام سيكون تعويل من جديد على حركة ديبلوماسية فرنسية مدعومة فاتيكانياً باتجاه طهران. ثمة قضايا كثيرة للبحث بين البلدين. يمكن القول ان لبنان سيكون في مقدمة الاهتمامات الفرنسية ولكن الأصح الجزم بأن طهران تربط كرسي الرئاسة في لبنان بكرسي الرئاسة في سوريا. لا حل لبيروت قبل دمشق. وفي أي حال الى أي مدى يمكن أن يغيّر انتخاب رئيس في الواقع اللبناني، بصلاحياته الحالية، بهيمنة السلاح “الحزب الإلهي” على الدولة ومفاصلها الأساسية، وبأسماء المرشحين للرئاسة المعروفين وهم بعدد أصابع اليد؟
ولكن مهلاً، ماذا عن سعي النائب الجنرال ميشال عون الى ما يسميها “استعادة حقوق المسيحيين؟”. يجدر التوقف ملياً هنا عند حقيقة أن الرجل يستمد قوته من تحالفه مع “حزب الله” والشعار هذا الذي يرفعه لا يتناسب مع استراتيجية هذا الحزب لا اليوم ولا في أي يوم. يستحيل أن يعود المسيحيون الى الدور الذي كانوا عليه قبل الحرب لأسباب كثيرة أبرزها تناقص أعدادهم ديموغرافيا. ضمانهم الوحيد سيكون في نظام علماني كما تكون العلمانية، لكنه مستحيل في هذه الأجواء والظروف، لذا يبقى الحل القبول بدستور الطائف الذي يصلح نموذجاً لدول المنطقة التي تعاني صراع طوائف وجماعات متعددة. في انتظار أن يسود هذا الاقتناع عند المسيحيين على ممثليهم أن يضعوا شيئاً من الماء في نبيذهم. الوزير جبران باسيل الذي يتقبل السكوت في مجلس الوزراء باشارة من وزير حليف لا بأس أن يسكت اذا طلب اليه ذلك رئيس مجلس الوزراء. ولا ضرورة لتحريك الشارع تحت شعار كبير لهدف انتخابي داخل تيار أو حزب، أو لتسويق تولي أحد افراد العائلة منصباً كبيراً في الدولة، خصوصاً أن هزالة النتيجة بعد حملة التعبئة وتحفيز المناصرين الكبيرة لا يمكن اخفاؤها. كان على “التيار العوني” أن يفهم ويحذر ويحاذر الاصطدام بحقيقة أن المسيحيين اللبنانيين لا يمكن أن يتحركوا ويتجيشوا ضد الجيش اللبناني.

قراءة لبنانية للاتفاق الأميركي – الإيراني: “زلزال” ستكون له انعكاسات على الاصطفافات
سمير منصور/النهار/15 تموز 2015
جلسة اليوم لمجلس النواب والتي تحمل الرقم 26 في سياق الدعوات المتتالية لرئيس المجلس نبيه بري لانتخاب رئيس للجمهورية، ليست كسابقاتها، فهي تتميز بأنها الاولى بعد اعلان الاتفاق الاميركي – الايراني. ولعله من محاسن الصدف أن يأتي اعلان الاتفاق عشية موعد الجلسة. طبعاً التزامن ليس متعمداً، لا من اميركا والغرب وايران، ولا من لبنان بالتأكيد… ولطالما انتظر هذا الاتفاق “لعل وعسى” يتم الافراج عن استحقاقه الرئاسي، اذا صح القول انه كان ولا يزال ورقة ضغط في يد المفاوض الايراني، وهذا ما يعتقده اطراف اساسيون في لبنان، وفي صدارتهم فريق 14 آذار، وهؤلاء يتهمون فريق 8 آذار ولا سيما “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بتعطيل جلسات الانتخاب الرئاسية، بناء على طلب ايراني…
وما بين هذا الفريق وذاك، يقف الرئيس بري في الوسط، حليفاً لـ8 آذار وأحد مكوناته من دون قطع التواصل مع 14 آذار، وقد بدا في احدى المراحل صلة الوصل الوحيدة بين الطرفين، ومن هذا الموقع، قال ذات يوم إن الانتخابات الرئاسية في لبنان ستكون الاستحقاق الاسهل بعد انجاز الاتفاق النووي الاميركي – الايراني… هنا يمكن افتراض “سوء النية” ان يفسح المجال أمام الاعتقاد أن كلام بري يستبطن اقراراً بصحة الكلام على وضع الاستحقاق الرئاسي في الأسر بضغط من ايران، في انتظار انتهاء المفاوضات مع الاميركيين، ولكنه في الوقت نفسه يمكن أن يوضع في اطار الانفراجات الاقليمية التي يمكن ان تنجم عن اتفاق بهذا الحجم، ومنها تداعيات محتملة على لبنان، يؤمل ان تكون ايجابية. وقد تذكر كثيرون كلام بري لدى اعلان الاتفاق في فيينا.
واذا تم اطلاق سراح الاستحقاق الرئاسي، وهذا ليس مستبعداً أو مستحيلاً، أقله استناداً الى كلام رئيس مجلس النواب، فإن كرة الاستحقاق الرئاسي تصبح في الملعب اللبناني، وعندئذ يخشى ان تعود المراوحة المملة من جديد اذا بقي التشبث بالمواقف والحسابات الشخصية سيد الموقف، وتصبح الحاجة ملحة الى حوار بين ابناء الفريق الواحد، وتحديداً بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، اي بين السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون، وسيكون السؤال: هل يتمكن السيد من اقناع حليفه بالتخلي عن شروطه للتوقف عن التغيب عن جلسات الانتخاب وتعطيل النصاب؟ وماذا اذا اصر الجنرال على شروطه السابقة، ومنها انه اذا كان هناك مرشح آخر غيره، فلا يرضى بغير المرشح الآخر المعروف وهو رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. وثمة سؤال استطرادي: هل هذا الشرط لا يزال قائماً بعد “اعلان النيات” بين عون وجعجع؟ وهل تهتز النيات في حال تجدد هذا الشرط؟
تساؤلات طبيعية ومشروعة، على المستوى السياسي المحلي الضيق، ولكن السؤال الاهم الآن، ما هي الانعكاسات المحتملة للاتفاق الاميركي – الايراني على المنطقة عموماً، ومنها لبنان؟
يقول سياسي عرف بتميزه في تحليلاته ومعلوماته. وبأنه مقلّ في الكلام وينتمي الى فريق 14 آذار: “ان ما حصل ليس بالشيء العادي على الاطلاق، انه زلزال، بمعنى انه ستكون له انعكاسات وارتدادات كثيرة في المنطقة… انه كامب ديفيد جديد، هو اتفاق استراتيجي وان يكن عنوانه نووياً، كل الكلام الذي سمعناه لم يكن في مجمله عن النووي، بل كان عن مرحلة جديدة”. ويرى ان “كلام الرئيس الاميركي باراك اوباما، كان متعمداً قبل كلام الرئيس الايراني حسن روحاني. التوقيت واضح ومتعمد، وان صورة اوباما على شاشة تلفزيون “حزب الله”، على محطة “المنار” في ظل اجواء احتفالية، أمر غير عادي، معبر جدا، ماذا نريد اكثر من تلك الصورة البليغة لنقرأ متغيرات متوقعة في المرحلة المقبلة؟” ويرى ان “روحاني حاول ان يغطي على التنازلات التي قدمها الجانب الايراني، فالاتفاق كان جاهزاً نهار الجمعة الماضي، صعد الايرانيون بطرح مطالب جديدة اعلنها السيد علي خامنئي ومنها ان التفتيش خط احمر. كان الاعتقاد ان اوباما مستميت على الاتفاق، ولكن عندما توجه وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى طهران وعرض المعطيات والاجواء في فيينا، تغير الوضع”. واذ يلاحظ السياسي المشار اليه ان “من فاوض الاميركيين عن الجانب الايراني، كانوا اميركيين، محمد جواد ظريف درس في اميركا، وعلي اكبر صالحي خريج الجامعة الاميركية في بيروت”، فانه يضيف مازحاً: “هل لا يزال المجال متاحاً امام افطار للاميركيين في مطعم الساحة؟ ثم يقول “ان فريق 14 آذار لم يحسن قراءة المرحلة وان ثمة انعكاسات جيوسياسية للاتفاق ستعطي ايران دوراً في المنطقة، لن يكون في دول مجلس التعاون الخليجي، ولا في الاردن او عند الاسرائيليين، ومناطق النفوذ التي تريدها ايران، حددها ظريف نفسه، اكثر من مرة في العراق وسوريا ولبنان، والاميركيون سيعطونهم هذا النفوذ مقابل ان تأخذ ايران على عاتقها محاربة الارهاب”. ويتوقع اخيراً “متغيرات في التحالفات على المستوى السياسي المحلي” وان الاتفاق سينعكس على كل الاصطفافات، وان كل الذين كانوا على مسافة واحدة من ايران واميركا اصبحت اوضاعهم افضل وحضورهم أقوى.

السلام النووي وحروب المنطقة
موناليزا فريحة/النهار/15 تموز 2015
ليس منع ايران من صنع القنبلة النووية ولا السقف المتدني لتخصيب الاورانيوم ولا تقييد تصدير السلاح أو استيراده ولا رفع العقوبات عن طهران أو امكان اعادة فرضها… ليست هذه الامور وحدها ما يجعل اتفاق فيينا تاريخيا. الطابع الاستثنائي لهذا الاتفاق يكمن قبل كل شيء في جهد ديبلوماسي لا سابق له ربما لإيجاد حل دائم لنزاع دفع واشنطن وطهران مراراً الى شفا حرب في السنوات الاخيرة كانت ستكون مدمرة ولا شك. إنها المرة الاولى منذ زمن تضطلع الديبلوماسية بدورها الحقيقي، بعدما دأبت على التحرك اثر حصول المذابح لا قبلها. النزاع النووي بين ايران والغرب ليس أقل تعقيدا من حروب سوريا والعراق واليمن وليبيا. انه نزاع عالمي تداخلت فيه مصالح دول العالم كلها، لا جيران طهران فحسب. ونزاعات بهذا التشابك قلما تُحلّ عبرالقنوات الديبلوماسية قبل أن يتواجه اطرافها على الجبهات وبالصواريخ (مع بعض الاستثناءات مثل أزمة الصواريخ الكوبية). والحرب في مثل وضع ايران كانت باقرار الكثيرين ستكون مكلفة وعنيفة وطويلة وبلا نتائج مضمونة. عملياً، وصل الجانبان الى شفير المواجهة في السنوات الاخيرة. الادارة الاميركية وضعت على الطاولة على الاقل منذ 2005 سيناريوات لحرب ضد ايران تشارك فيها اسرائيل. تقارير كثيرة تحدثت عن احباط الاستخبارات الوطنية الاميركية خططا لادارة جورج بوش عام 2007 لمهاجمة الجمهورية الاسلامية، بكشفها معلومات استخبارية مؤكدة عن أن ايران لا تملك برنامجا نوويا عسكريا ناشطاً. ومع ذلك، بقي خطر الحرب ماثلاً وسط مخاوف من توريط اسرائيل واشنطن في مغامرة عسكرية في المنطقة. مرارا كانت المواجهة العسكرية قريبة جدا. ومع ذلك أمكن تجنبها بديبلوماسية حذقة. ديبلوماسية أخرجت اتفاقاً لم يبد استسلاماً لاي فريق ولا هزيمة ولا انتصارا ايضاً لاي منهما. والرئيس الاميركي باراك أوباما مثله مثل نظيره الايراني حسن روحاني، لم يحاول تصوير التسوية بأنها بين غالب ومغلوب ولا حتى انها تعادل بين طرفين. اتفاق فيينا هو تاريخي بمعايير كثيرة. فالى كونه انتصارا للديبلوماسية، فهو يمهد لصفحة جديدة بين طهران وواشنطن خصوصاً، أي بين مشروعين متناقضين. اتفاق ليس متوقعاً أن يرتقي الى مستوى تحالف. وقد أقر أوباما بأن الاتفاق لا ينهي كل الخلافات مع ايران، الا أنه ينهي على الاقل عداء ساهم ولا شك في زيادة معاناة شعوب كثيرة من سوريا الى العراق ومن اليمن الى البحرين متفاقماً. لهذه الشعوب تحديداً، لن يكون اتفاق فيينا تاريخياً ولا استثنائياً الا إذا انسحب السلام النووي على الحروب التي تفتك بأرواحها وتدمر جنى عمرها.