أكرم البني: مثقفون سوريون يرسلون بارقة أمل//داود البصري: براميل طغاة ارهابيين محنة الشرق

383

براميل طغاة ارهابيين… محنة الشرق؟
داود البصري/السياسة/12 تموز/15

في دنيا الشرق الحزين تتزاحم الملفات, وتتكدس الكوارث, وتتناسل المصائب, وتمارس جرائم بشعة ضد الانسانية تحكي قصة عذاب شعوب تكافح ضد الهيمنة والطغيان البربري وثمة جرائم بشعة ضد الجنس البشري لم تتورع انظمة الطغاة في الشرق الحزين عن ممارستها علنا وبشكل سافر وفي تحد فظيع لكل قيم الارض وقوانين السماء, فما يجري في الساحتين السورية والعراقية من فظائع ترتكبها انظمة الموت والدمار والطائفية ضد شعوبها قد تجاوز كل الحدود المقبولة في ظل صمت دولي مريب, وضع اشكالية شعارات حقوق الانسان على المحك, واشر على قساوة مواقف المصالح الدولية المتباينة التي لاتلقي بالا لمعاناة المحرومين وانين الثكالى.

ففي الحالة السورية مثلا تهشم الشعب السوري بالكامل, وتحولت ملايين منه للاجئين يلتمسون الامان في دول العالم, فيما تغول النظام وهو يمارس حرب ابادة ممنهجة مدعومة من حلفائه في ايران او من جموع عملائهم الطائفيين في العراق ولبنان, وحيث تدور حاليا معارك شرسة لاستهداف الامنين في ريف دمشق والزبداني وبمشاركة واسعة من »حزب الله« اللبناني الذي تحول لفرقة من المرتزقة والارهابيين المتخصصين في ترويع الامنين بعد ان انكشف بالكامل وتعرى حتى من ورقة التوت شعار الصمود والتصدي الذي تبجحوا به طويلا.

نظام دمشق بعد ان تخصص في القاء براميله وتطور ميدانيا وارهابيا من خلال استعمال غاز الكلور وما تيسر من اسلحة كيمياوية تكتيكية بات منارة ارهابية يستعين بخبراتها حلفاء ذلك النظام في العراق من اهل الاحزاب الطائفية الايرانية الحاكمة التي لم تتردد عن استحضار واستنساخ التجربة الارهابية السورية وتطبيقها في العراق عبر التوسع في سياسة الارض المحروقة والانتقام من المدن السنية العراقية المنتفضة عبر تسليط مجرمي الحشد الصفوي عليها واستعمال مختلف الاسلحة القذرة كالبراميل وادوات الموت الجماعية وسلاح الخطف والتهجير والمطاردة وهو ما يعكس ازمة اخلاقية في المقام الاول ويرسخ عجز ذلك النظام عن حسم وادارة ملف الصراع الوطني بطريقة احترافية وانسانية ومسؤولة تراعي مصالح المدنيين الابرياء بعد ان تحول العراق حاليا لاكبر بلد يضم لاجئين داخليين يعاملون بعنصرية مفرطة تثير الاسى وتعبر عن فشل حقيقي لسلطة عاجزة الا من التصريحات الخرافية والهلامية لقدرات استعراضية فجة.

لقد بينت عمليات النهب والخطف والاغتيال والتغيير الديموغرافي الطائفي لعصابات الحشد الايراني عن سيناريو اسود ورهيب يستهدف التشكيلة العراقية, كما بينت جرائم عصابات الحشد المرتبطة قياديا ومركزيا بفيلق القدس للحرس الثوري الايراني عن عمق السيناريوهات والاجندات السوداء الموضوعة والمرسومة في الغرف السوداء لتمزيق العراق وعموم الشرق ضمن حزام الازمات والعصابات الطائفية, ففي العراق اليوم تدور رحى حرب تدميرية ليس ضد مكون معين فقط بل ضد الدولة المركزية باسرها وضد مؤسساتها الامنية والعسكرية عبر تفعيل الفوضى وتهشيم الجيش العراقي واستنزافه تمهيدا لاخراجه من معادلة الصراع وفرض مؤسسة الحرس الثوري العراقية البديلة! وذلك امر لن يتم الا من خلال افتعال الحروب والازمات وتماما كما حصل في ايران التي استغل نظامها سنوات ومراحل الحرب ضد العراق في ثمانينيات القرن الماضي لاضعاف الجيش الايراني المشكوك بولائه واطلاق العنان لجهاز الحرس الثوري ليكون القلعة الحصينة للنظام والقوة العسكرية والعقائدية باستطاعتها تحقيق حلم تصدير الثورة القائمة سياقاته بحدة اليوم في الساحة العراقية تحديدا, فالفرصة التاريخية الايرانية في العراق نادرة ولا تعوض, والسلطة الفاشلة القائمة هناك تمثل اكبر فرصة للتمدد الايراني في الشرق, النظام في بغداد اليوم كشقيقه النظام المتهاوي في دمشق لا يمتلك من الحلول سوى اسلوب توسيع حرب الابادة الشاملة والاغراق في مسلسل الفوضى, فالعاجزون قبل ان يكونوا عالة على شعوبهم وعالة على التاريخ.. والحالة العراقية التي جعلت العملاء والاغبياء يحكمون ذلك البلد العربي العريق حالة غير مسبوقة في تاريخ الشرق القديم, فالعراق يضيع حاليا ويتآكل من خلال الحرب الطائفية والاهلية المستعرة, وبراميل الطغاة والايرانية لا يمكنها ابدا ان تصنع زعامة حقيقية لبلد في مهب الريح.

مثقفون سوريون يرسلون بارقة أمل
أكرم البني/الحياة/12 تموز/15

لن يكونوا قلة من قد يعترضون أو ينتقدون تسليط الضوء على واقعتين لافتتين في الحقل الثقافي السوري، اخترقتا مسار الصراع الدموي المحتدم وعبثتا في المشهد السائد الغاصّ بالضحايا والخراب وبصور الاستقطابات الحادة والتعبئة المتطرفة الإقصائية التي تحض على تسعير القتال وسحق الآخر المختلف. الإضاءة على هاتين الواقعتين ليست لأن الغريق يتعلق بقشة، أو لأن ثمة ميلاً إنسانياً انتقائياً يبرز عادة من الأحداث ما يلبي الرغبات والأمنيات، وإنما لأنهما تشكلان علامتين فارقتين وضروريتين اليوم، للتخفيف من حدة التخندق والاحتقان ومن نوازع العزلة والانغلاق بين السوريين، ولمحاصرة منطق العنف وأساليب التكفير والتخوين، والتشجيع تالياً على إحياء روح التعايش والرغبة في تحقيق اندماج وطني يقوم على عقد اجتماعي تحكمه المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان.

الواقعة الأولى، هي بيان حمل عنوان «سورية للجميع وفوق الجميع» وقعه مئات المثقفين السوريين من الأكراد والعرب، الذين ينتمون إلى منابت اجتماعية مختلفة وينهلون من مشارب فكرية متنوعة ولا يحكمهم موقف سياسي واحد، ولكنهم، أجمعوا توافقياً على رفض استثمار الصراع المتفاقم لخلق ما يعتبرونه فتنة بين أبناء الوطن الواحد وخاصة بين المكونين الكردي والعربي.

وما يهم أن البيان جاء من حيث الجوهر، وبغض النظر عن ديباجته السياسية، كمحاولة لوأد تداعيات ما أثير عن تطهير عرقي ضد السكان العرب يقوم به مقاتلون أكراد، وعن موقف متشفٍ لبعض المعارضين العرب من مجازر داعش في عين العرب «كوباني» بما هي محاولة لإخماد فورة الانقسامات والاحتقانات والتحذير من التوغل في التخندق، ومن مخاطر إنكار حقوق مكونات المجتمع السوري وتجاوز المشروع الوطني المشترك بين العرب والأكراد الذي أسست له المعارضة الديموقراطية في العقدين الآخرين، زاد الأمر إلحاحاً، حساسية المرحلة الراهنة وتقدم مؤشرات عن مشاريع وسيناريوات تريد تقسيم البلاد على أساس قومي أو طائفي، في ظل تزايد وزن المعارضة الإسلاموية المسلحة وسيطرتها على أقسام مهمة من البلاد، وما يثار عن سعي أطراف النظام لتكثيف قواها ودفاعاتها حول ما يسمى «سورية المفيدة»!

الواقعة الثانية تتعلق بالدراما السورية الرمضانية، وإذ نعترف بأن معاناة السوريين بين لاجئين ونازحين ومعتقلين ومعوزين ومعرضين يومياً لشتى أنواع العنف والقهر، تتجاوز الحديث عن الدراما، ونعترف بأنه يصعب على القابعين تحت سيطرة «داعش» و «النصرة» مشاهدة التلفزيون، وبأن هناك مناطق محاصرة أو مهملة تفتقد إمكان متابعة برامجه بسبب الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي، نعترف أيضاً بأن كثرة من السوريين تتابع، انسجاماً مع تقاليد شهر رمضان، ما تعرضه الشاشات العربية من دراما تحتل فيها المسلسلات السورية حيزاً مهماً. واللافت، وعلى رغم حدة المواقف والاصطفافات، أن حالة التقبل والرضا هي الغالبة على الناس ربطاً بما تثيره أهم هذه المسلسلات من مواضيع تهمهم، ربما لأن منها ما يذكرهم بروح التعايش والتعاون ويحاول تخفيف حدة الشروخ المتخلفة التي تسعى أطراف الصراع لخلقها بين أبناء الوطن الواحد، وربما لأن بعضها يحاول وضع حجر الأساس لتأريخ ما حصل، أو يتناول من زاوية نقدية الممهدات والأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، وربما لأن بعضها الآخر يعمم هموم السوريين وما يكابدونه ويرصد الانعكاسات المؤلمة للأحداث الساخنة على أوضاعهم الحياتية وعلاقاتهم الإنسانية، وربما أخيراً لأن ثمة مسلسلات ضمت ممثلين من الموالاة والمعارضة، أظهروا تفهماً لخلافاتهم واصطفافاتهم، بما يعني عملياً الترويج لمناخ يحترم فيه الرأي والرأي الآخر وتعالج فيه المشكلات بالحوار والتوافق وليس بالقمع والعنف والتهميش والإقصاء.

والحال، تبدو هاتان الواقعتان كأنهما تبعثان في هذا الظرف العصيب بعض الأمل بدور المثقفين السوريين في تجاوز الخنادق والحواجز ونشر قيم التسامح والتعايش وحماية الهوية الوطنية من الانزلاق إلى التفكك في بلاد تزخر بتعددية مكوناتها، بما قد يعزز فرص المعالجة السياسية وعملية الانتقال الشاقة إلى دولة مدنية تضمن حقوق الجميع من دون تمييز أو تفضيل قومي أو ديني أو مذهبي، والأهم للرد على مشهد ثقافي يثير الشفقة هزمه العنف المتمادي ومنطق القوة والغلبة وجعلاه مجرد صدى أو أداة تبرير وتسويغ لما يحصل.

صحيح أن السلطة، أية سلطة، تحتاج لتثبيت ركائزها إلى مثقف يسوغ لها سياساتها وممارساتها من أجل تعضيد النظام الذي تقوده وضمان تأييد الناس له، لكنّ ثمة مثقفين ليسوا أحسن حالاً وقد داروا مسلوبي الإرادة في فلك المعارضة ولم يميزوا أنفسهم كحملة مشروع خاص يتطلع، بالاستقلال عن التخندقات السياسية، إلى حماية المجتمع كيانياً وإنسانياً وأخلاقياً، ما يفسر الحاجة لإبراز وتقدير المساهمات البسيطة التي يلعبها بعض المثقفين السوريين اليوم، في لجم شهوة العنف والتسلط وفي إدانة احتقار حيوات الناس وحقوقهم وفي تنقية الوعي الجمعي من الاستقطابات ما دون السياسية ومن التطرف وشيطنة الآخر المختلف في الوطن تمهيداً لسحقه وإفنائه.

وبالنتيجة يمكن القول إن ما وصلت إليه أوضاعنا مع طغيان العنف وتهميش السياسة، يعقد الأمل على دور للمثقف والمبدع السوري، كناقد منحاز لحقوق الناس وحرياتهم، ينطلق في نقد الواقع المأزوم والمهترئ، من إيمانه بتأثير الفكر والمعرفة على الصراع السياسي، ومن ثقته بدور البشر في مقاومة الراهن وقدرتهم على تغييره. ولا نضيف جديداً عند التذكير بأن المجتمعات تتطلع في أوقات المحن والأزمات إلى دور إنقاذي للمثقفين بصفتهم أشد الناس التصاقاً بالمعرفة وأقربهم إلى تحكيم العقل وأكثرهم استعداداً للتعبير الإبداعي والإنساني عن هموم البشر وتطلعاتهم، أو ربما كنوع من الاعتراف بمسؤوليتهم الأخلاقية العالية في رفض الظلم والتمييز ومنطق العنف والتدمير، وفي نشر أفكار ومواقف تساهم بوقف التدهور الحاصل ومساعدة المجتمع على الإمساك بزمام المبادرة لبدء رحلة العد العكسي نحو التجاوز.