الياس حرفوش: جنرال المعارك الخاسرة//محمد مشموشي: العماد عون: تاريخ حافل بالغرائب

307

جنرال المعارك الخاسرة
الياس حرفوش/الحياة/12 تموز/15
ما أشبه العماد ميشال عون اليوم بميشال عون الأمس، الأمس الذي يعود الى ما قبل ربع قرن. يخوض الجنرال دائماً معاركه بالنيابة عن سواه، وهو يظن انه المخطط والقائد. فيما المخططون الحقيقيون يدركون مدى سهولة خوض الجنرال للمعارك التي تحمل شعار “انا او لا احد”، الذي اضيف اليه اليوم شعار “انا وأصهاري … او لا احد”! في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وكان الجنرال لا يزال في اواسط الخمسينات من عمره، اطال الله عمره، ظن أنه، بإشارة واحدة وبأمر يومي، كمثل ذلك الذي يصدره قادة الجيوش، يستطيع “تحرير” لبنان من السوريين، وتحرير المناطق الشرقية من كل المخالفين لرأيه، من خلال “إلغاء” الآخرين. اقدم عون على ذلك من دون اي قراءة صحيحة لتوازنات القوى في ذلك الوقت في لبنان وفي المنطقة، وذهب في خطأ القراءة والبناء على الخطأ الى حد الاستعانة بصدام حسين في وجه آل الأسد، في عز الحرب الدولية ضد صدام بسبب غزو الكويت، فما كان من حافظ الأسد، بحنكته المعروفة، الا ان ارسل بضع وحدات من قواته لـ “نجدة” الأميركيين في حربهم، كانت كافية ليدفع عون ثمنها في المقابل ضوءاً اميركياً اخضر للقيادة السورية انتهى بإقصائه وعزله وإبعاده عن لبنان، إبعاداً استمر 15 سنة، ولم ينته الا بعد ارتكاب زلزال اغتيال رفيق الحريري.
لا يحتاج الأمر الى كثير من التحليل ولا الى ذاكرة بعيدة المدى، لإدراك الثمن الذي دُفع آنذاك، وخصوصاً من حساب المسيحيين، نتيجة تلك المغامرات غير المحسوبة. تخال ان الجنرال استفاد من التجربة او انه تغير! كم ستكون مخطئاً لو اعتقدت ذلك؟ ها هو عون يخوض المعركة اليوم بالنيابة عن “حزب الله” ضد السنّة في لبنان، ممثّلين بتيار المستقبل وبرئيس الحكومة تمام سلام، ويوهم انصاره انها معركة استرداد حقوقهم، متجاهلاً ان البديل السنّي في لبنان لـ “المستقبل” ولتمام سلام، سيكون ويلاً على المسيحيين قبل سواهم. وبذلك يحوّل عون المواجهة عن وجهتها الحقيقية كما يجب ان تكون، الى مواجهة سنّية مسيحية، من شأنها ان تقضي على مقومات الكيان اللبناني، الذي قام في الأساس على قاعدة حلف الاعتدال المسيحي المسلم الذي كان دائماً ضامناً لحماية لبنان من عوامل التفجير الخارجي.
بل ان عون وجماعته، وإمعاناً في ارتكاب الخطأ، لا يترددون في وصف تمام سلام بـ “الداعشي”، مستعينين باللغة الإيرانية ضد رموز الاعتدال السني في لبنان وفي المنطقة، لوصم كل السنّة بالتهمة “الداعشية”، وإظهار ايران وأتباعها بمظهر الحريصين الوحيدين على الأقليات في المنطقة وعلى حماية كياناتها. ومع ما في هذا الغلو من ارتدادات على مسيحيي لبنان بالدرجة الأولى، وأكثرهم لا يعملون ويعيشون في ايران، بل في دول المنطقة ذات الغالبية السنّية، فإن ارتداداته على المسيحيين اللبنانيين لا تقل خطورة، لأنها تضعهم في موقع الخصومة والعداء للشريك المسلم، وتغذي في الوقت ذاته النزعة الطائفية بين المسلمين في وجه النزعة الطائفية التي يغذيها عون وفريقه “الإصلاحي” بين المسيحيين. لا مبالغة في القول إن التحرك الذي يقوده “التيار العوني” اليوم يسير باتجاه تفكيك لبنان وشرذمته طائفياً، وليس باتجاه اعادة لملمة أشلائه وتوحيدها. بدأ ذلك من بدعة “القانون الأرثوذكسي” الذي كان يقضي بانتخاب كل طائفة لنوابها، قبل ان يموت غير مأسوف عليه، ووصل الى بدعة استفتاء المسيحيين على “الأقوى” بينهم، ومن الطبيعي في زمن الغرائز المتأججة ان يكون “الأقوى” هو الأكثر إمعاناً في الطائفية. وانتهت المطالبة بـ “حقوق المسيحيين”، الى مواجهات مع عناصر الجيش اللبناني، ذلك الجيش الذي كان عون قائداً له يوماً ما قبل أن ينتهي الأمر إلى التشكيك به طالما أن صهره ليس على رأسه. هل هذه هي مصلحة المسيحيين الذين يجرهم عون اليوم إلى معارك هم بغنى عنها؟ لا بد أن هناك من لا يزال عاقلاً في هذه الطائفة ليستطيع أن يقف ويقول: آن لهذه المهزلة أن تتوقف!

العماد عون: تاريخ حافل بـ«الغرائب»!
محمد مشموشي/المستقبل/12 تموز/15
ليس غريبا، ولا ينبغي أن يكون مستهجنا البتة، ما قام به العماد ميشال عون وبطانته الوزارية والحزبية والنيابية يوم الخميس الماضي سواء داخل مجلس الوزراء أو أمام مقره. فهذا الرجل لم يفعل طيلة حياته السياسية الا الشيء ذاته، بل وحتى أكثر غرابة واستهجانا منه وأفدح في بعض الأحيان. واذا كان للمرء أن يتوقع شيئا للمستقبل، فليس مستبعدا أن يقوم غدا بما هو أغرب وأكثر خطرا على لبنان مما قام به حتى الآن.
قضية عون في هذه الأيام ما يسميه «حقوق المسيحيين»، وقبلها بأيام فقط كانت «التعيينات الأمنية» لا سيما في قيادة الجيش، وبأسابيع ما أطلق عليه نعت «الرئيس القوي» الذي يفصّله على قياسه من دون أحد غيره، وبأسابيع أخرى ما وصفه بـ«لا شرعية البرلمان» ما لم ينتخبه رئيسا للجمهورية، وبشهور ما قال انه «حق كل طائفة في أن تنتخب نوابها»(القانون الأرثوذكسي)، وبأعوام ما اعتبره «حقه الذي تنازل عنه» في اتفاق الدوحة، وقبلها ما وصف نفسه به «بطريرك المسيحية المشرقية» من دون منازع و…و…الى آخر المعزوفة.
لكن الواقع أن حياة هذا الرجل السياسية(وغرائبها معها) بدأت قبل هذه الفترة بأعوام عديدة، وهي لا تختلف في قليل أو كثير عما شاهده اللبنانيون في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وفي الشوارع المحيطة بالسرايا في خلال اليومين الماضيين.
– في العام 1988، وكان عون في حينه قائدا للجيش، أرسل أحد ضباطه الى النائب المرحوم بيار الحلو الذي كان مرشحا اما لرئاسة الجمهورية أو لرئاسة الحكومة في حال تعذر اجراء الانتخابات الرئاسية، ليبلغه بأن عليه أن يرفض رئاسة الحكومة، والا فانه(أي عون) لن يتوانى عن «عمل أي شيء ضده» ليمنعه من ذلك. ومع أنه لم يكن لهذا التهديد أي تأثير على قرار الحلو الشخصي، لأنه كان قد وضع شروطه الوطنية والوفاقية للقبول بأي من المنصبين، فان حركة عون هذه تدلل على طبيعة الرجل ونوعية الأساليب والأدوات التي يلجأ اليها لتحقيق مآربه…وفي ذلك الوقت، كما هو معروف، تكليفه بتشكيل الحكومة العسكرية بعد انتهاء عهد الرئيس أمين الجميل.
– فور تشكيل تلك الحكومة، قدم وزراؤها المسلمون الثلاثة استقالتهم منها، لكن رئيسها الذي يتكلم الآن عن «الشراكة» في الحكم وعن «حقوق المسيحيين» المهدورة و»المناصفة الحقيقية»، لم يأبه لذلك بل اعتبر نفسه حتى رئيسا للجمهورية، من خلال احتلال قصر بعبدا وجعله مقرا لـ«حكومة نصف لبنان»، فضلا عن اعلانه قصرا لـ«الشعب العظيم» كما كان يخاطب مناصريه، كي لا ننسى اعلانه من ساحاته حربين مدمرتين للمسيحيين بالذات: واحدة باسم «التحرير» من الاحتلال السوري وثانية باسم «الالغاء» للميليشيات، مع ما يعرفه القاصي والداني من نتائجهما الكارثية ليس على المسيحيين فقط وانما على لبنان كله.
– بعد دعوة النواب الى مؤتمر الطائف، عمد عون الى اصدار مرسوم بحل مجلس النواب، ثم انه عمل على منع من يسكن منهم في المناطق التي يسيطر عليها من السفر عبر مطار بيروت أو من ميناء جونية، كما هدد من يحضر منهم المؤتمر بمنعه من العودة الى منزله، وصولا بعد ذلك الى عدم اعترافه بالاتفاق الذي توصل اليه المؤتمر وأنهى الحرب الأهلية في البلد…من دون أن ننسى اعتصامه لاحقا في قصر بعبدا واضطرار رئيس البلاد المنتخب بموجب الاتفاق، الياس الهراوي، للاقامة أولا في ثكنة رياق ثم في قصر الرئاسة المؤقت في الرملة البيضاء، الى حين طرده(عون) بالقوة منه في العام 1991 ولجوئه الى السفارة الفرنسية في الحازمية ثم الى باريس.
– وليس خافيا على أحد، أن عون حاول طيلة تلك الفترة التقرّب من النظام السوري، ثم من نظام صدام حسين في العراق ردا على موقف حافظ الأسد المترجرج منه، وأن هدفه في الحالين لم يكن سوى الوصول الى رئاسة الجمهورية. ليس هذا فقط، بل ان عودته من باريس العام 2005 تمت كذلك بترتيب مسبق مع النظام السوري، تماما كما كانت بدورها تحالفاته السياسية مع «حزب الله» وغيره من القوى الدائرة في فلك ما يسمى محور «المقاومة والممانعة» في سوريا وايران والعراق ولبنان.
– وهل نسي أحد بعد ذلك كله، مواقف عون من حكومتي الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة، وحتى من حكومته و»حزب الله» برئاسة نجيب ميقاتي: «جبران باسيل وزيرا، والا فلا حكومة»…و»لنا حقيبة الاتصالات، أو الطاقة، والا فلا حقائب لغيرنا»…و»لا انتخابات رئاسية الا اذا كان الفائز فيها ميشال عون»…وأخيرا «حقوق المسيحيين، وإلا فـ60 سنة على لبنان»؟!.
أم هل نسي أحد، عون وصهره جبران باسيل يعلنان من الرابية «اقالة» حكومة سعد الحريري، بعد أن تعهدا في الدوحة بعدم الاستقالة، ثم هما مجتمعين ومنفردين يهرعان الى روما وباريس للالتقاء بالحريري نفسه ومناشدته القبول بانتخاب عون رئيسا للجمهورية باعتباره «رئيسا توافقيا» للبلاد… وأي توافق؟ هذا غيض من فيض من تاريخ هذا الرجل خلال الأعوام الماضية. ولذلك، ليس غريباً ما فعله. «الغريب» أن ينتظر منه اللبنانيون(في ما عدا «حزب الله» طبعا) أن يفعل غير ذلك.