حسان حيدر: 60 رامبو سورياً لدحر داعش//زهير قصيباتي: حساب بسيط للبراميل والمدرَّبين

239

 60 «رامبو» سورياً لدحر «داعش»!
 حسان حيدر/الحياة/09 تموز/15

 كنا نظن ان أصحاب الدعاية الجامحة في هوليوود وحدهم يهوون المبالغات، فصنعوا أفلاماً عن «رامبو» الذي هزم بعضلاته كتائب كاملة من جنود الأعداء، وعن الأبطال الأميركيين، وخصوصاً اليهود منهم، الذين أنقذوا مراراً كوكب الارض من التدمير وغزو الكائنات الفضائية، ونقلوا إلى الشاشة عشرات الروايات الهزيلة عن بطولات مجموعات صغيرة من قوات النخبة الأميركية نكلت بآلاف النازيين الألمان في عقر دارهم، قبل ان يوجهوا بطولاتهم نحو السوفيات والصينيين، لكن ظننا خاب بعدما أعلن ضباط البنتاغون انهم لم يعثروا سوى على 60 معارضاً سورياً «موثوقاً بهم» لتدريبهم على قتال «داعش» وإزالة «دولته الاسلامية» التي تزيد مساحتها عن مساحة بريطانيا، وتتمدد. لكن الهوليوديين، على الأقل، فعلوا ذلك في معظم الاحيان بحرفة وقدرة على التشويق جلبت المشاهدين الى الصالات وجنت أرباحاً خيالية، بينما أثبتت وزارة الدفاع الاميركية ضمور خيالها وضيق أفقها عندما خصصت ملايين الدولارات وخاضت مفاوضات صعبة مع دول عدة لاستضافة برنامج التدريب الخاص، ليتحول لاحقاً الى تمرين على التدريب.

وسبب هذا الفشل المخجل ليس فقط ان الاميركيين يشترطون على من ينخرطون في التدريب مقاتلة «داعش» وحدها والعفّ عن مقاتلة جنود بشار الاسد، ويخضعونهم قبل ذلك لتحقيق مطول ينبش تاريخهم وتاريخ آبائهم وعائلاتهم وقبائلهم، بل الفكرة التي تريد واشنطن تثبيتها بأي ثمن، وهي انه ليس هناك «معتدلون» في صفوف المعارضة السورية، وان سوادهم الاعظم من المتطرفين، ولهذا لا تسلحهم ولا تدافع عنهم ولا تسمح بإقامة مناطق حظر جوي لحمايتهم. كأن الأميركيين يقولون رفعاً للعتب: فعلنا ما علينا، وضعنا برنامجاً للتدريب وخصصنا الاموال وأرسلنا الضباط، لكن السوريين لا يريدون مقاتلة «داعش» بل يريدون اطاحة الأسد، وهذا ليس شغلنا. بل ان الاسلحة التي قد نعطيها لهم ربما تستخدم في غير محلها وتصل الى أيد غير التي نريد، وقد توجه الينا لاحقاً.

وقصرُ عدد المقاتلين السوريين «المعتدلين» على الستين، هدفه أيضاً تبرير سلسلة التوقعات الاميركية بأن الانتصار على «انغماسيي» البغدادي يتطلب سنوات طويلة وقد يستغرق عقداً من الزمن وربما أكثر، ويكون عندها فات الوقت على سورية كلها. فإذا كان اختيار وتدريب 60 مقاتلاً استغرق نحو سنة، فهذا يعني ان الرقم المستهدف، وهو ستة آلاف مقاتل، سيتطلب ما لا يقل عن مئة سنة، في حال عُثر عليهم. وحتى هؤلاء الستون الذين نالوا بركة الـ «سي آي أي» وأجهزة الاستخبارات الاخرى، سيبقون بعد انتهاء التدريب تحت الاختبار، وسيرى الأميركيون بالمجهر كيف سيتصرفون والى اين سيوجهون بنادقهم. فإذا ما تجرأ أحدهم على إطلاق رصاصة في اتجاه جندي نظامي فوجئ به او اقترب منه بدبابة، رُفعت عنه الحماية، وأشهر ذلك على الملأ، وسحبت فوراً الطائرة والقمر الاصطناعي المخصصان لدرء الخطر عنه. ولا يفصح البنتاغون لأسباب تتعلق بالأمن القومي عن طول فترة تدريب «مجموعة الستين» ولا في أي الجبهات سينشر رجالها، ولا ما اذا كانوا سيقسمون الى مجموعات عدة ليكون الهجوم على «داعش» شاملاً لا يستطيع له رداً. ألم يكن أجدى لو ان الاميركيين انتجوا بالملايين التي تكلفوها على البرنامج العتيد فيلماً عن دحر «داعش» وأشركوا فيه «رامبو سورياً» متخرجاً في معسكراتهم؟ لكانوا بالفعل أراحوا ضمائرهم وأمتعونا وجعلونا نحلم ونصفق بحماسة.

حساب بسيط للبراميل والمدرَّبين
 زهير قصيباتي/الحياة/09 تموز/15

 ليس استهداف نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أولوية لدى الأميركيين، بل «داعش». وليس النظام أولوية لدى «داعش»، بل فصائل المعارضة، خصوصاً «المعتدلة»، والقوات الكردية التي تحظى بعطف خاص من واشنطن، يستفز الأتراك. ولكن يمكن «داعش» أن يطمئن، وهو مطمئن بالتأكيد، نتيجة حساب بسيط لعديد القوّة التي تدرّبها الولايات المتحدة في الأردن وتركيا لمواجهة التنظيم، وليس نظام الأسد، باعتراف وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر. ما تمخّض عنه برنامج التدريب حتى الآن، هو ستون مسلّحاً سوريّاً ظن السوريون أنهم جزء من التحضيرات لخوض المعركة الفاصلة مع النظام. وإلى فضيحة عدد هؤلاء الذين كرّرت الإدارة الأميركية مرات أنهم عماد استراتيجيتها لتفادي تعزيز التيارات والفصائل الجهادية في سورية، وسقوط أسلحة أميركية في أيديها، يمكن تنظيم «داعش» أن ينام على حرير «القوة الناعمة» المولعة بها إدارة أوباما، إذ إن سنوات من التدريب المُبْهِر قد تُخرِّج ألفين من المقاتلين، ولا أحد يمكنه التكهُّن بمساحات الأراضي التي سيبتلعها «داعش»، ولا تلك التي سيحرقها النظام… إن صمد سنوات.

فما الذي يفعله الرئيس باراك أوباما، والغرب كله، والروس سوى التفرُّج على فصول إبادات لا تنتهي للسوريين؟

واضح أن الكرملين حرص أخيراً على نفي أي تحوُّل في موقفه من دعم الأسد «لمواجهة الإرهاب». وإذا كانت الفضيحة الأميركية التي أغضبت السناتور الجمهوري رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ جون ماكين، بستين مقاتلاً سورياً مهمتهم مواجهة «داعش» لا النظام، فضيحة خشنة إلى الحد الذي يجرح العقول، وينسف أي صدقيّة لأوباما- أو ما بقي منها- فالفضيحة الإيرانية هي الوجه الآخر للكارثة السورية. ولكن، أليس أمرنا عجيباً إذ نستاء من الصراحة والوضوح… حين يصفعنا الآخر بأهدافه الحقيقية مكشوفة بلا مواربة؟ لعل الإيراني اكتشف أن أهل المنطقة بمن فيهم السوريون، غضبوا عقوداً من لعبة الأمم المتصالحة على شطآن الشرق الأوسط وبحوره… متصالحة ومضلِّلة، إلى الحد الذي أقنع كثيرين قبل الثورات العربية، بأن كل ما تتطلع إليه جمهورية المرشد علي خامنئي، هو تقوية شوكة المنطقة، والوقوف معها في وجه إسرائيل وحروبها. وللمصادفة، ومن دون أن يفاجئ أحداً، قبل شهادة كارتر، يكشف علي أكبر ولايتي مستشار المرشد أن الأخير أمر ببقاء الأسد، فبقي، رغم مقتل أكثر من 220 ألف سوري في الصّراع. ومثل الأميركي أيضاً، الأولوية لدى الإيراني هي محاربة «داعش» الذي اقترب مقاتلوه مسافة 300 متر من مكتب الأسد، ثم انسحبوا، يقول ولايتي من دون أن يوضح السبب.

وإن كان لا جديد في تمسُّك المستشار بمحور طهران- بغداد- دمشق ولا في عرضه دوافع المؤامرة «لضرب الثورة الإيرانية في المنطقة»، فالمثير الذي ينتهي مجدداً بتبريرات بائسة على لسان ولايتي هو ابتداع نظرية «الهجوم على سورية لتحطيم الصحوة الإسلامية». لدى الأخير سورية وحكومتها هما «هوية المقاومة»، أما شعبها فلا يسعه سوى طلب المزيد من البراميل المتفجّرة، ليبقى الأسد، وتتمدّد «الصحوة الإسلامية»! ستّون مقاتلاً بعد التدريب الأميركي، جاهزون لصد مؤامرة «داعش» ووحشيته في سورية. بعد إلحاق الهزيمة بالتنظيم، يمكن التفرُّغ للنظام هناك، على الأقل بموجب «الاستراتيجية الناعمة» التي تفضّل واشنطن تغليفها بغموض، بذريعة تفادي التورُّط بالقتال على الأرض. وإذا كان مثلث النظام السوري+ طهران+ واشنطن موحّداً في جبهة ضد أبو بكر البغدادي، فهو موحد كذلك إلى أقصى الحدود، في مساعٍ لخنق قدرة المعارضة السوريّة المعتدلة على قلب موازين القوى في ساحات القتال السورية. بكم برميل متفجّر يمكن النظام أن يعيد برنامج التدريب الأميركي إلى نقطة البداية؟ ويمكنه أيضاً أن يهيئ أسباباً جديدة للإدارة «الناعمة» لكي تدّعي نجاح استراتيجية الصبر والتبصُّر، لتفادي شِباك المتطرفين و «الإرهابيين»؟ وبين الإرهاب والمتواطئين، يبقى الأسد بأمر من المرشد… نكبة السوريين تكبُر.