طارق السيد: حزب الله يلاحق خصومه عبر مواقع التواصل//زيـاد مـاجد: أبو وائل سورياً ولبنانياً//محمد شبارو: السنّة والفَدرَلة نهاية الطائف

295

حزب الله يلاحق خصومه عبر مواقع التواصل
طارق السيد/موقع 14 آذار/30 حزيران/15
لا يمر يوم على صفحات التواصل الإجتماعية سواء في لبنان أو العالم العربي من دون ان يكون لـ”حزب الله” فيه نصيبا وافرا من الإنتقادات اللا ذعة إن بحق مقاتليه الذين يذهبون للقتال في سوريا من دون وجه حق، وإن بحق قياداته على رأسهم أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي يُصرّ على مشاركة النظام السوري ورئيسه بذبح الشعب هناك. أخر تلك الإنتقادات بحق نصرالله جاءت تعليقا على كلام سابق له وهو أن “بشار الأسد هبة من الله للعالم العربي”، فجاءت الردود من كافة الدول العربية إضافة إلى نصيب وافر كالته ضده مجموعة من الشباب اللبنانيين من البقاع والشمال والجنوب والعاصمة بيروت عرّفوا عن انفسهم تحت مُسمى “إنتفاضة الحق”. فضح هؤلاء دور “حزب الله” في سوريا وتحدثوا عن أطباء من مستشفيات ايرانية تتاجر بأعضاء الجرحى الذين يتعرضون لإصابات بالغة. وهنا يروي احد هؤلاء وهو شاب لبناني أن شقيق صهره سوري الجنسية أصيب في رأسه بقذيفة غير معروفة المصدر في احد أحياء دمشق ليجري نقله نقله الفور الى احدى المستشفيات الميدانية في الداخل السوري لكنها عجزت عن مداواته لأسباب تتعلق بنقص في التجهيزات الطبية، فعملت عائلته بمساعدة بعض مقاتلين من الحزب على نقله الى مستشفى بقاعي، وبعد مكوثه فترة شهرين وخضوعه لعملية في الرأس، تبين بعد خروجه لاحقا أن كليته اليُمنى قد انتزعت من جسمه وبعد مراجعة لإدارةالمستشفى انكرت الاخيرة هذا الادعاء لتنتهي القضية من دون اللجوء الى القضاء خوفا على مصير الشاب وعائلته من تعرضهم لأذى. شاب اخر يؤكد أن أمن “حزب الله” العسكري ووحدة “التعقّب الإلكتروني” التابعة له بدأو منذ فترة قصيرة بتقصي الصفحات الإلكترونية التي تُهاجمه والكشف عن اسماء اصحابها الحقيقيين، فعثروا على عناوين عدد منهم بعضهم يسكن في الضاحية الجنوبية حيث قاموا باخضاعهم مع اهاليهم للتحقيق ومن ثم ملء استمارات تعهد بعدم مهاجمة الحزب مجدداً. والدة احد الذين خضعوا لتلك التحقيقات والتي رفضت الافصاح عن اسمها خشية ان تطالها يد الحزب خصوصا وانها عراقية تسكن في محيط الضاحية قالت عبر “منذ يومين عبر ابني عن رأيه بما يحصل في سوريا والعراق واليمن مع مجموعة من اصدقائه بعضهم لبنانيون، وكتب ابني على صفحته “سيأخذ الله الفرس اخذ عزيز مقتدر”، وبعد ساعات طرق باب منزلنا مجموعة من العناصر المسلحة قالت انها من امن الحزب واخذت ولدي الى التحقيق ولم تفرج عنه الا بعد سبع ساعات تعرض أثنائها للضرب المبرح واهانته وأخذت عليه تعهدا بعدم فتح اي صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لا يإسمه ولا بأي اسم اخر”. يُذكر أن حزب الله كان كلف في فترة ماضية احد عناصره بفتح حساب على موقع “تويتر” تحت اسم “لواء احرار السنة في بعلبك” بهدف بث الفتنة بين المسلمين، والغريب في هذا الحساب ان صاحبه كان يتوقّع حصول التفجيرات والاعتداءات قبل وقوعها والذي تبين في ما بعد أنه ينتمي الى حزب الله مُكلّف ببث الفتنة المذهبية.

أبو وائل سورياً ولبنانياً
زيـاد مـاجد/لبنان الآن،30 حزيران/15
رحل قبل يومين اللواء محمد ناصيف خير بك، المعروف بـ”أبو وائل”، معاون نائب رئيس الجمهورية السورية، وأحد أقرب المقرّبين الى حافظ الأسد بين العامين 1977 و1998. ما يعنينا من سيرة الرجل في هذه العُجالة ليس إجرامه وفساده، وهما أبرز سمات الحكم الأسدي ولا تفوّق استثنائياً للمتوفّى فيهما، بل أدواره السياسية الأمنية التي قادته على مدى سنوات للعمل على ملف العلاقات السورية الأميركية، وللإشراف بتكليف من الأسد الأب ثم ابنه على بعض جوانب ملف العلاقات السورية الإيرانية ومن ضمنها الملف الأهم: “شيعة لبنان”. وأبو وائل بهذا المعنى ظلّ لغاية العام 1998، ثم من جديد بعد عام على توريث السلطة في دمشق، أبرز المتابعين للأوضاع اللبنانية ولإدارة المواقف فيها. فتكليفه بالتواصل مع طهران بعد قيام “الجمهورية الإسلامية” وبدء الحرب العراقية الإيرانية ثم الاجتياح الإسرائيلي للبنان أثمر مروراً للحرس الثوري الى البقاع العام 1982 ومساهمةً في تأسيس حزب الله. وصعود الأخير مقروناً بصراعه مع حركة أمل وبضرب اليسار اللبناني في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت أفضى بُعيد اتفاق الطائف وحرب إقليم التفاح تقسيماً للعمل حصَر قتال إسرائيل بحزب الله والتمثيل الشيعي في مؤسسات الدولة السياسية وإداراتها العامة بحركة أمل فارضاً على الطرفين التعاون الانتخابي برعاية إيرانية سورية. كما أن علاقات أبي وائل الأميركية أتاحت صلاتٍ أمنيةً بواشنطن بعد هجمات 11 أيلول العام 2001 ثم اجتياح العراق العام 2003 رافقت تمرير الجهاديين عبر الأراضي السورية الى الرمادي، ثم تسليم بعضهم أو اعتقال البعض الآخر حسب الحاجة وحسب نبرة الخطاب الأميركي. وطيلة المرحلة تلك، كان العديد من السياسيّين والإعلاميّين اللبنانيين يقصدون دمشق بهدف لقاء أبي وائل بوصفه مرجعاً يصل إليه إما من مرّ في امتحان عنجر فكرّمته بتأمين موعد له، وإما غير المحتاج “للتأشيرة العنجرية” لِحظوةٍ تُتيح له “وظائف” سياسية لبنانية. وفي جميع الأحوال، كانت زيارة أبي وائل تعكس مستوى الرجل وأكثر زوّاره. فهو مكلّف من الأسد بملفٍّ ملؤه النهب والرشوة المنظّمة والابتزاز والقتل ويمتلك فيه كوتا تعيينات وتسويات موضعية يمكن أن تتمّ تحت سقف الاتفاقات الكبرى التي يبرمها نظامه، والزوّار بمعظمهم معدومو الكرامة والأخلاق باحثون عن موقع هنا ومنفعة هناك يرون تأمينها وقفاً على إشارة مخابراتية وعلى قبول بشراكتهم أو على نشرٍ لأخبار وتعليمات. بذلك، كان التواطؤ غير قليل بين أبي وائل ونموذجه داخل النظام السوري وكثرة من السياسيين والإعلاميين داخل “النظام اللبناني”. فتَحوَّل الرجل الى مرآة لأحوالٍ سورية ولبنانية على مدى سنوات، من المفارقات أن سائر شركائه فيها – من مواقع ومراتب مختلفة – قضوا قبله قتلاً أو تاهوا في المنافي تاركين خلفهم “أيتاماً” زادهم موت أبي وائل يُتماً ووحدةً. رحيلٌ جديد لواحد من مسؤولي النظام السوري حدث قبل يومين إذن. والأسف الوحيد، إن كان من أسف، أن المسؤول لم يرحل وهو خلف القضبان حيث كان يستحقّ أن يُمضي ما تبقّى له من أيّام…

السنّة و”الفَدرَلة”.. نهاية “الطائف”!
محمد شبارو/المدن/لثلاثاء 30/06/2015
قد يمر عابراً خبر قيادات مسيحية تتحدث عن الفيدرالية، وإن خاضت حروباً في السابق تمسكاً بالدولة الواحدة الموحدة. قد يبدو طبيعياً، في زمن تخبط الطوائف، وصراعها وتناحرها، أن يلجأ البعض الى طروحات قديمة – جديدة، لحماية الوجود والحفاظ على المصير، وفق أفكار لم تغب يوماً عن أجندات الغالبية المسيحية. كل ذلك يظل عابراً. يدرك المسيحيون أن أكثر طروحات صقورهم منذ زمن اليمين واليسار، لا يمكن أن تكون إلا تحت ستار لبنان بحدوده الحالية. وفق ذلك لم تخرج كل طروحات المسيحيين عن الـ10452 كيلومتر مربع، وبقيت ضمنها، أكانت تتمحور حول دولة مركزية أو دولة فيدرالية أو حتى اللامركزية الإدارية. بالأمس القريب خرج الشيخ سالم الرافعي، غداة تسريب فيديوهات سجن رومية، ليسجل أنه أول شخصية سنية في لبنان تتحدث عن الفيدرالية والتقسيم منذ إستقلال لبنان والميثاق الوطني بين بشارة الخوري ورياض الصلح. منذ ذلك الزمن، تنقل السنّة بين شعارات تصب كلها في خانة الحفاظ على الكيان اللبناني بتنوعه، بوصفه حاجة وضرورة في المنطقة. خلال الحرب الأهلية، رفعوا شعار صائب سلام “لبنان أكبر من يضم وأصغر من أن يقسم”. عُدّ ذلك الشعار في وقتها تكريساً لميثاق 1943، وتخلياً عن طروحات الوحدة مع سوريا التي سبقت الإستقلال، إضافة إلى رفض طروحات اليمين اللبناني والتي رافقت سنوات الحرب، وإنجزت بفعل الأمر الواقع من المدفون إلى كفرشيما. بعد الحرب الأهلية، وتحديداً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005، انتقل السنّة إلى مرحلة “لبنان أولاً”. عُدّ ذلك أيضاً تكريساً لمرحلة تاريخية، تلَت الإستقلال، لطائفة لم تشارك كما بقية الطوائف في الحرب، ربما لشعورها بإمتدادها في المنطقة، وبأنها أكبر من أن يتم تصفيتها، خلافاً لبقية الطوائف التي امتشقت السلاح دفاعاً عن الوجود المهدد من الآخر.
على العكس تماماً من القيادات، كانت بارزة سخرية الطائفة السنية، شعبياً، من الكيان اللبناني، حتى منتصف التسعينات. كانت المعايير على أرض الواقع، معاكسة، تشير إلى أن هذه الطائفة لم تقتنع يوماً بهذا الكيان، على الرغم من تمسك قياداتها به. حتى تلك الحقبة، ظل تلاميذ مدارس جمعية “المقاصد الخيرية الإسلامية”، والتي تعتبر واحدة من أهم مؤسسات الطائفة، التربوية والطبّية، يسخرون من النشيد الوطني اللبناني، بكلمات محرفة، ويشبّهون الأرزة بـ”الأرنبيطة”. تلك الجمعية التي إرتبطت بآل سلام، لم تنجح في تعميم شعارات صائب بيك على طلابها، لكن إغتيال رفيق الحريري، نجح في توحيد السنّة، للمرة الأولى، حول هوية وكيان وقضية. بعد ذلك كله، تبدو واضحة خطورة تصريحات الرافعي. هو لا يتحدث من عدم. ثمة تيار كبير، ضمن الطائفة السنّية، يشعر بسطوة “حزب الله” على مفاصل الدولة، وتحكمه في قرارات مصيرية، مثل الحرب والسلم. بعض هؤلاء، وهم قلّة، إختار التطرف. والبعض الآخر، وهو الأكثرية، يلتزم الصمت، ويقف متفرجاً كما كانت حاله خلال الحرب الأهلية.
أعاد الرافعي، بما يمثل في طرابلس، الطائفة السنّية، عشرات السنين إلى الوراء. لا يمكن فهم ما صرح به في سياق الفيدرالية وحدها، خصوصاً في ظل تقارير عن تمدد “داعش” في اتجاه طرابلس ليكون لها منفذ بحري. لا يعني ذلك أن هناك تماهياً مع “داعش”، لكنه يعني بالضرورة أن لبنان، في حال رفع السنّة شعار الفيدرالية، دخل نفق التقسيم، أو الضم والفرز، الذي لم تغفله كل خرائط الشرق الأوسط الجديد الصادرة منذ العام 1982، فأتى شعار سلام “أكبر من أن يُبلَع” لينهي حقبة تاريخية من مطالب الضم الى سوريا.
تشير مصادر شمالية مطلعة إلى أن الرافعي، ومن خلفه هيئة العلماء المسلمين، دأبت على مخاطبة غرائز الشارع. لكنها، في المقابل، تحذر من خطورة هذا الكلام، فيما يقاتل “حزب الله” خلف الحدود، معتبراً أن معركته في جرود القلمون وعرسال مقاومة وتحريراً لبلده وأرضه، وفق كلام الأمين العام السيد حسن نصرالله. وفي الوقت الذي ترسم فيه دويلاتٌ حدودها، وسط محاولات لجرّ أقليات أخرى الى لعبة الكانتونات. وتلفت المصادر إلى أن ذلك يترافق أيضاً مع الأزمة الواضحة التي يعيشها لبنان سياسياً، والتي تطاول الآن الكيان اللبناني، بعد الحديث المتكرر عن المؤتمر التأسيسي، وتعديل اتفاق الطائف، وإعادة توزيع الحصص. وتقلل المصادر من أهمية ما قاله الرافعي، معتبرة أنها محاولة للتهديد، لا أكثر. لكنها تحذر من خطورة إدخال مثل هذه الإفكار الى أذهان القواعد السنّية، بوصفها أكثر الطوائف حماية لاتفاق الطائف منذ إعلانه حتى اليوم، فيما المسيحيون والشيعة منقسمون حوله. ما يعني أن اقتناع السنّة، ككتلة كبيرة، بهذا الطرح، سيكون بمثابة دقّ المسمار الأخير في نعش “الطائف”، وتالياً الكيان اللبناني بصورته الحالية.