الـيـاس الزغـبـي: المجلس الوطني ل14 آذار//محمد نمر: مستقلّو 14 آذار يجدّدون انتفاضة الاستقلال بانتظار معركة السلام

269

المجلس الوطني ل14 آذار
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن

27 حزيران/15

عشيّة ولادة “المجلس الوطني لمستقلّي 14 آذار”، لا بدّ من التبصّر الهادئ في الخطوة وتقييم معناها واستشراف غدها، بعيداً من الأحكام المتسرّعة والقراءة الموضعيّة والمواقف العاطفيّة المسبقة. لا شكّ في أنّ لهذه الولادة قابلة، أو حاضنة، تُشرف عليها وتعمل على تحقيقها منذ وقت غير قصير. وهي حاضنة من صلب 14 آذار ونسيجها الأساسي منذ انطلاقة “ثورة الأرز” قبل أكثر من عشر سنوات. ولا يضير “المجلس” عدم إنتساب الأحزاب إليه، بل يمنحه حيويّة مضافة خارج معادلة الإلتزامات والإدارة السياسيّة القائمة على المصالح في السلطة ومراكز النفوذ، والتي تُضطرّ القوى السياسيّة لخوضها.

هذا التحرّر من حسابات السلطة والسعي إليها يجعل “المجلس الوطني” حالة ضروريّة وملحّة لجميع قوى 14 آذار. إنّه التوقيت الأنسب الآن لإطلاق هذه المساحة الحرّة والمفتوحة بين الأحزاب، كي تبقى على تواصل وتفاعل خارج قيود الحصص في السلطة، تماماً كما كانت الانطلاقة الأولى في صفائها وعذريّتها. وأهمّ ما في إطلاق “المجلس الوطني” هو الربط مع تلك اللحظة التاريخيّة وإعادة إسقاطها على واقع العلاقات المتراخية، لاستنهاض الهمم وشدّ العصب الاستقلالي المتعب.

وليس سرّاً أنّ في أولويّات “المجلس الوطني” تفعيل الطاقات والفاعليّات الاستقلاليّة، وإحياء الرجاء في إيمان الناشطين المحبطين والمبتعدين يأساً أو غضباً من الأخطاء. فإعادة النسيج الاستقلالي إلى تماسكه وثقته وحيويّته، هي مهمّة أساسيّة في هذه المرحلة وفي هذا التوقيت بالذات. لكنّ التوقيت الموجِب والأهمّ هو السبب نفسه الذي يُؤخذ على “المجلس الوطني”: زمن الارتداد إلى الطوائف والمذاهب وغرق لبنان والمنطقة في الصراعات “غير المدنيّة”. فلأنّ لبنان والمنطقة العربيّة غارقان في الصراع المذهبي، ولأنّنا في غمرة التحوّلات، يتوجّب تقديم صيغة متقدّمة للعيش المشترك تنتسب في العمق إلى معنى لبنان في حدّ ذاته، ومعنى “14 آذار” كحركة استقلاليّة في حدّ ذاتها.

في هذا المنحى، يكون “المجلس الوطني” أميناً بدقّة على معنى لبنان ورسالته، ومعنى 14 آذار ورسالتها. وكلّ تخلّف أو تشكيك في هذا الأمر، تحت أسئلة تقليديّة من نوع: ما الفائدة وما الدور وما الحصّة السياسيّة وما التوقيت، يصبّان في الاتجاه الانتحاري تحت عنوان الصراع الديني والطائفي. فهذا الصراع ليس قدراً غير مرتدّ، واللبنانيّون غير ملزمين بالاستسلام له. كان من السهل على المتنادين لتشكيل “المجلس” أن يلتحقوا بمذاهبهم وأحزاب طوائفهم للإحتماء بها، على شاكلة “حزب الله” وكلّ من حذا حذوه، لكنّ السهولة هنا تعني التسليم بفرائض مرحلة عابرة، بدل التأسيس لمستقبل مدني مفتوح يتّجه إليه العالم برغم كلّ مظاهر العودة إلى منطق “الغيتوات” والمربّعات، حتّى في أوروبا نفسها.

قد يقول قائل إنّ جماعة “المجلس الوطني” يسبحون عكس التيّار، وإنّها مسألة عناد شخصي عند هذا، أو بحث عن موقع لذاك، أو ملاذ آمن لباحث عن مكان لجوء، أو تكوين جسم سياسي إضافي. هذا من باب الحكم على السطح والمظهر. أمّا في العمق، فالمسألة تتّصل بمساحة عيش مشترك، بفسحة نادرة للتفاعل مع الآخر في زمن المتاريس، وفرصة استثنائيّة لتقديم نموذج حياة، ليس للبنان والعرب فقط، بل للعالم. هناك حوارات كثيرة تحصل بين أنسجة طائفيّة، وهي ضروريّة لتمرير مرحلة عواصف، ولكنّها عاجزة حتماً عن تأسيس نسيج وطني. وللحقيقة، وحده الآن “مجلس” 14 آذار يبحث عن هذا النسيج ويؤسّس له. ومن هنا ميزته وفرادته، تماماً كما تميّزت “الأمانة العامة” على مدى 7 سنوات. تبجّح؟ غرور؟ طموح صبياني؟ لا يهمّ التحامل. فالإنجازات الكبرى بدأت بفكرة، بلعبة، بطرفة، بحلم.

وحين تضيق الأجسام السياسيّة بإرادة المنتسبين إليها، وتغصّ الطوائف والمذاهب بطموح أبنائها، ويتبرّم المواطن من الدوران في الفراغ، سيكون هناك متنفّس للجميع ومساحة أمل وتجدّد. فـ”المجلس الوطني لمستقلّي 14 آذار” وصْفة لتجديد شباب انتفاضة الاستقلال بأحزابها وجميع مكوّناتها. حالة تلاقٍ وحوار وتقاوٍ وتناضج وتلاقح وتفاعل بين نخب متحرّرة من الأسر المناطقي والترسيم الطائفي، وقريبة من نبض الناس. نموذج لكلّ المجتمعات المتنوّعة والمتلاطمة، والتي تبحث عن صيغة حياة واستقرار. وفي أيّ حال، تجربة إنسانيّة حضاريّة تستحق أن تُعاش، ويُحكم لها أو عليها. حَسْبُ “المجلس”، حتّى الآن، شرف المحاولة.

مستقلّو “14 آذار” يجدّدون انتفاضة الاستقلال الأحد بانتظار “معركة السلام”

محمد نمر/النهار/26 حزيران/15

بعد مراجعة ذاتية لعشرة أعوام من النضال في الذكرى العاشرة لـ”14 آذار”، يكمل مستقلو هذه القوى شق طريق تأسيس مجلسهم الوطني. لن يكون حزباً جديداً يسعى إلى السلطة، بل مكوناً عابراً للطوائف لاستنهاض جمهور “14 آذار” واطلاق “انتفاضة سلام” في الجمهورية وتشكيل شبكة أمان قادرة في أي لحظة أن تقول “كفى” نزاعات وتصفية حسابات، خصوصاً في ظلّ ما ينتظره لبنان من تغيّرات مع نهاية الأزمة في سوريا. المؤتمر سينطلق الساعة العاشرة من صباح الأحد في مجمع البيال، وسيشارك فيه أكثر من 350 شخصية مستقلة، وبحسب عضو الهيئة التحضيرية للمجلس كمال ريشا فإن البرنامج يتضمن “كلمة للامانة العامة لـ 14 آذار يلقيها أمينها العام فارس سعيد، يعلن فيها جدول أعمال المؤتمر:

أولاً: تلاوة بطاقة التعريف بالمجلس،

ثانياً: انتخاب رئيس للمجلس، ويوضح ريشا أن “كل أعضاء الهيئة العامة يحق لهم الترشح، من دون اي شروط. مسلماً (سنياً أو شيعياً أو درزياً) مسيحياً أو علوياً يحق له الترشح ومن ينال الاكثرية يكسب المنصب”.

ثالثا: اللجان والانتساب. ويشير ريشا إلى أن “المجلس يضم 14 لجنة اختصاص (بيئة، تربية، صحة، مغتربين واتصال بالخارج، اعلان، لجنة قانونية… وغيرها)، سنوزع في هذه المرحلة أوراقاً بمثابة طلب انتساب، تسمح ايضاً لمن يرغب بالانضمام إلى إحدى لجان الاختصاص، وفي مرحلة لاحقة تفرز الاسماء وكل لجنة تنتخب رئيسها ومقررها”، ويضيف: “ستتم دعوة الهيئة العامة إلى انتخاب هيئة مكتب للمجلس خلال فترة ثلاثة أشهر، وخلال الفترة تعمل الهيئة التحضيرية على اعداد النظام الداخلي للمجلس وآليات عمله”.

رابعاً: كلمة للرئيس. وسألت “النهار” عمّا أشيع بأن الرئيس سيكون النائب السابق سمير فرنجية، فأوضح: “هو ليس مرشحاً لكن هناك ناشطين قرروا ترشيحه، ولا نعلم بقراره، فالترشح مفتوح لكل المشاركين”، مشيراً إلى أن “الفئة التي تريد فرنجية تعتبره شخصية لا يمكن استهدافها لأنه ليس لديه أي ملفات فساد مالي أو اخلاقي أو اجتماعي أو سياسي”. وبعد هذا المؤتمر يكون المجلس الوطني قد اتخذ شكله ولديه رئيس يتحدث باسمه وهيئة تحضيرية تعاونه لاستكمال الخطوات التنفيذية.

فرنجية: حان وقت بناء السلام
يقارن عضو الأمانة العام لـ”14 آذار” فرنجية المجلس بالتجارب السابقة ويقول لـ”النهار”: “في العام 2004 تم تأسيس شبكة تواصل ضمت قوى من سياسيين ومستقلين وأحزاب وكانت في فترة بداية التواصل مع الرئيس رفيق الحريري، وبعد اغتيال الأخير كانت هذه الشبكة جاهزة للتحرك ولو كانت غائبة لكان حصل الاغتيال وقالوا لنا بعد اسبوع: ليعد كل واحد إلى منزله”.

يعتبر فرنجية أن هناك حدثاً جديداً قادماً “هو تغيير الوضع في سوريا، ولبنان في وضعه السياسي الداخلي غير مؤهل لاستقبال هذا الحدث. فقسم منه ينشغل برئاسة الجمهورية وآخر يعاني من المزايدات الداخلية، أما “حزب الله” فسيكون أول المتضررين من الحدث. وحتى لا نعود إلى الصراع كان لا بد من ايجاد مساحة مع المجتمع المدني لتشكيل شبكة أمان تستطيع أن تتحرك في هذه اللحظة، لقول جملة واحدة: خمسون عاماً من الحروب المتواصلة الباردة والساخنة… كفى وحان وقت بناء السلام في البلد، وحينها سيخوض المجلس معركة سلام البلد والمنطقة وسنتواصل مع من يشبهوننا في العالم العربي”. ويضيف: “نريد أيضاً أن نبحث مع أحزاب “14 آذار” في ألا يكون أي تحوّل عبارة عن محطة انطلاق عنف جديدة بل ان يكون طيّاً صفحات الماضي”.

أين المجلس من السياسة الداخلية؟ يجيب: “لن نتدخل في السياسة الداخلية بمعناها الضيّق، فنحن غير معنيين بمن سيكون رئيساً للجمهورية، لكننا معنيون بأن يكون هناك دولة قادرة على حماية سلمنا الاهلي وتأسيس مفهوم جديد للدولة”، مشيراً الى ان “مجتمعنا المدني غني وقوي؛ ولكي نتفاعل معه من جديد علينا العودة إلى ما طرحته قوى 14 آذار ونجدد انتفاضة الاستقلال بانتظار اطلاق انتفاضة سلام في البلد ونحن ضد تصفية الحسابات في أي لحظة مقبلة”.

عساف: العودة إلى الثوابت
العنصر النسائي حاضر في المجلس، وتعتبر عضو اللجنة التحضيرية سارة عساف لـ”النهار” أن “انتفاضة سلام لا تعني السكوت عن الحق، بل ارساء العدالة للوصول إلى السلام، حتى لا يشعر أحد بأنه مغبون ويضطر حينها للعودة إلى طائفته لأخذ حقه”، مضيفة: “المجلس الوطني جاء ليذكّر بثوابت “14 آذار” الصحيحة التي آمنا بها عام 2005 بعدما ابتعدنا عنها في فترة لاحقة، وجاء أيضاً بعد انتشار ظاهرة التقوقع المذهبي، ليكون مكوناً من كل الطوائف بوجهة نظر واحدة، ولا مثيل له في العالم العربي”.