مهى عون:المستثمرون في حلف الأقليات

225

المستثمرون في حلف الأقليات
مهى عون/السياسة/22 حزيران/15

تعاني الثورات الشعبية في المنطقة العربية حالياً, خصوصا في بلاد الشام, من الحاجة إلى مواجهة ظاهرة الأقليات المنخرطة بشكل معيب في دعم ومساندة النظام الجائر والقاتل, حيث لا يبرر الخوفُ الذي زرعته السلطة الجائرة حديثاً في نفوس هذه الأقليات من احتمال الانقراض أو التهجير أو الاضطهاد على يد الأصوليات التكفيرية والإرهاب, انحرافَها وارتماءها المقيت في أحضان هذه السلطة, فرغم تشكيل 85 في المئة من سكان الوطن العربي مجموعة متجانسة لغوياً ودينياً وثقافياً, وهي من المذهب السني, لم تلاقِ التكوينات المختلفة في الدين والمذهب واللغة والسلالة والثقافة, أيَّ مواقف عدائية بارزة من هذه الأكثرية خلال تعايشها الطويل معها, بل على العكس كان تقبل الأكثرية الأقليات واستيعابها مصدر غنى وتنوع على الدوام في العالم الإسلامي قاطبة, ولم يكن التحول العدائي إلا من هذه الأقليات عندما تردت علاقة الأكثرية مع الأنظمة الجائرة وانتفاضها عليها, فعندها تحولت الأقليات قنابل موقوتة قابلة للانفجار في التوقيت المناسب لحاجة المستثمرين في هذه البلدان, وبتنا نشهد حالة من الانفصام والتفكك في هيكلية الشعوب العربية ليست بعيدة كثيراً من الحروب الأهلية, على خلفية اعتبار هذه الأقليات الأكثرية السنية عدوة لها, واعتبار القيمين على الثورات الأقليات من صلب النظام, وبالتالي فإن حربها أمر طبيعي ويندرج ضمن حرب النظام الجائر وأصوله وفروعه. وليس حلف الأقليات ونزعتها للتقوقع المزري في أزمنة الأزمات والحروب بالطارئ على تاريخها في المنطقة العربية, وإلى حين تضع الحرب أوزارها سوف يظل حلف الأقليات موضوعَ تجاذبات واستثمار على أنواعه, إن من السلطات الداخلية أو الجهات الخارجية, التي تساهم في إثارة نزعة الخوف عند الأقليات الدينية والإتنية, بدليل منحها رغم قلة عديدها خلال مراحل زوال الانتداب الغربي عن بلاد المشرق العربي, عنوة وبشكل غير ديمقراطي وبدساتير وقوانين غير متوازنة, امتيازات كبيرة ووضعها في حالة استنفار دائم للمحافظة عليها والقتال من أجلها, لضمان احتماء هذه الأقليات الدائمة بها في أوقات الشدة, ولتُوجد لنفسها سبباً للتدخل من أجل الذود عنها. وهكذا استفاد المسيحيون بمختلف مذاهبهم, كما الشيعة والأكراد بعد انسحاب قوات الانتداب, من ميزات نراهم اليوم يستشرسون في الدفاع عنها, ولو بتكريس مشاعر الكره والفصل والرفض والنفور تجاه مكون الأكثرية السنية.

وعلى سبيل المثال, يلعب النظام السوري المتهاوي اليوم ورقته الأخيرة مع الأقليات, من مسيحية ودرزية وعلوية وشيعية وسواها… ويراهن -كما يفعل الغرب- عليها وعلى ادعاء حمايتها مما يسميه بطش الثورة وفظاعات التكفيريين والتطرف الديني الإسلامي, مراهناً على خوفها, ومستفيداً من تصنيفه الحركات الثورية والشعبية جميعها في خانة الإرهاب. ولم يعد حلف الأقليات (العلويين والدروز والإسماعيليين والمسيحيين والأكراد) يشكل قنابل موقوتة فقط في سورية, فمروراً بلبنان الفائق التنوع في تركيبته (الشيعة, الدروز, المسيحيون, الأكراد, الترك, العلويون), إلى الخليج , إلى مصر (الأقباط, النوبيون, البربر, الغجر), وصولاً إلى المغرب العربي عموماً (البربر, الشيعة, الطوارق), باتت أوضاع الأقليات عموماً في غليان, وبات التعصب الأعمى سيد الموقف.

وبناء على ما مر, لا يمكن الاستمرار في سياسة النعامة حيال هذه الأوضاع المتفجرة, ولا بد من تضافر جهود مختلف الأطراف الشعبية الواعية والمتنورة, من مجتمع مدني وسياسي نزيه, إلى نزع فتيلها, لأن الذي يحصل في العراق هذه الأيام سوف يرتد عاجلاً أو آجلاً إلى مختلف الأقطار العربية. وفيما لو تم تطبيق الفيدرالية في العراق وأتت هذه الفيدرالية بالعافية عليه, فسوف تكون نموذجاً يُحتذى في بلدان عربية عدة تعاني طوائفها العرقية والدينية من العزل السياسي والاجتماعي والثقافي, كما كانت الحال في العراق منذ تأسيسه عام 1921. المطلوب أن تأخذ الأقليات في العالم العربي حقوقها كاملة, وأن تتساوى في امتيازاتها مع بقية المواطنين, بحيث تنصهر مع هذه الأكثرية تحت عنوان المواطَنة فتخرج من حالة الرعايا والإتنيات والطوائف -حيث يلازمها الشعور الدائم بالغربة وتلجأ إلى التقوقع- إلى حالة المواطنة بعيداً عن التعصب والانعزال, على أن تأخذ وتحافظ على حقوقها بشكل ديمقراطي صحيح, لا أن تتعدى مكاسبها عددَها فتتحول بشكل فاقع إلى حال تتناقض مع كل مفاهيم الديمقراطية الحق, فتضطر لفرض هذا الاعوجاج إلى اللجوء لمختلف الجهات الخارجية, ناهيك عن السلطات المحلية القائمة والمراهنة على هكذا انحرافات.