الـيـاس الزغـبـي/جنبلاط السيسي ووهّاب المسيحيّين

219

جنبلاط السيسي ووهّاب المسيحيّين
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن

20 حزيران/15

كمّ هو مثير للأسف والغضب، أن يُمعِن بعض القيادات المسيحيّة في ركوب الخطأ السياسي والوجودي والهوس المصيري القاتل، في وقت تكثر التجارب العاقلة من حولهم، ويتبصّر الآخرون في سبل تحييد بيئاتهم وطوائفهم عن النيران المندلعة في كل اتجاه. في يومين، جاءتهم إشارتان بليغتان، بل درسان في السياسة والمسؤوليّة التاريخيّة: الأوّل من أرض الكنانة على لسان الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، والثاني من المرجعيّة الأولى للدروز وليد جنبلاط. السيسي لم يعلك كلامه ورأيه أمام الوفد اللبناني الرسمي، فقدّم نصيحة لّلبنانيّين بأن يتعاملوا مع حقيقةٍ باتت وشيكة، هي انهيار نظام بشّار الأسد، ووجوب التحوّط لمستقبل لبنان على هذا الأساس.

جنبلاط واجه التهوّر الذي نادى به بعض مهووسي الطائفة الدرزيّة بدفعٍ من ثنائيّة الأسد – “حزب الله”، فتحرّك بسرعة قياسيّة بين أنقرة وعمّان والرياض والمرجعيّات الغربيّة، كي يؤمّن حياد دروز سوريّا، خصوصاً في السويداء، في غمرة لعبة الأُمم الدمويّة. أمّا بعض مهووسيّ المسيحيّين، فما زالوا يتمسّكون بوهم يوم “الثلثاء المشهود” الذي سيأتي بانتصار الأسد وسحق معارضيه، ويضربون على عيونهم غشاوة الجهل والعاطفة العمياء، فلا يُصغون لنصيحة السيسي ولا لحنكة وليد جنبلاط، بل يراهنون على “انتصار إلهي” لمحور “الممانعة والمقاومة” ويرهنون مصيرهم لمشروع إيران وتورّط “حزب الله”.

وما يُثير الدهشة أنّ زعيم هؤلاء المهووسين، قفز فوق كلّ هذه الحقائق والنصائح، وجدّد ثقته العمياء بسلاح “حزب الله”، وفتّش له عن مبرّرات ووظائف في حديثه الأخير لصحيفة “الجمهوريّة”، ساعياً إلى تغطية هذا الاحتماء بالدعوة إلى اللامركزيّة، إمعاناً منه بتضليل المسيحيّين والمزايدة باسمهم. لكن وقبل أن يبحث هؤلاء عن صيغة إداريّة للمسيحيّين، عليهم أن يجدوا لهم صيغة مصيريّة أوّلاً، تجعلهم في مأمن من الرياح العاتية التي تضرب المنطقة.

يخدعون المسيحيّين بالكلام عن حقوقهم في الرئاسة الأولى وقيادة الجيش واللامركزيّة، بينما هم يزجّون بهم في محور الموت والحروب الدائمة. فماذا ينفع المسيحيّين أن يربحوا رئيساً وقائداً تحت شعار “القوّة”، ويخسروا وجودهم ورسالتهم في حروب سواهم؟ والمضحك المبكي في تبرير ميشال عون خياره الضرير مع “حزب الله” بأنه “قوي ومسلّح”! إذاً، لأنّه “قوي ومسلّح”، يجب على المسيحيّين التسليم له والاحتماء به! منطق أقلّ ما يُقال فيه هو أنّه متخاذل وذمّي بامتياز. والمشكلة أنّه لا يتوقّف عند نصيحة، ولا يرى سوى ما هو مرسوم أمامه كما السائر في نفق. ولكن، أليس هناك صوت مسيحي عاقل يصرخ في وجه هذا السياق الانتحاري؟ أليس هناك وليد جنبلاط واحد لدى المسيحيّين يقول للمهووس: إخرس، وللمزايد: كفى، وللأرعن: إهدأ؟

إذا كانت بكركي تستمر في الإمساك بالعصا من وسطها، ولو خربت “البصرة”. وإذا كانت “القوّات اللبنانيّة” تسكت على مضض عن هوس عون احتراماً لـ”إعلان النيّات”. فأين هم المسيحيّون الآخرون من أصحاب الوزن الراجح في البيئة المسيحيّة، من “لقاء سيّدة الجبل” إلى الأحزاب الأُخرى كالكتائب والأحرار والكتلة الوطنيّة ومستقلّيّ 14 آذار، وصولاً إلى “لقاء الجمهوريّة”؟

فهل طغى صوت الأغبياء والعملاء على صوت العقلاء لدى المسيحيّين، وهل صوت أرسلانهم وداوودهم ووهّابهم أقوى من صوت جنبلاطهم؟ على عقلاء المسيحيّين أن يسارعوا إلى تدارك الانزلاق، وتطويق انحراف المنحرفين بينهم. فلا يمكن تخليص “سويداء” لبنان إلاّ على طريقة جنبلاط مع “سويداء” سوريّا. ولا بدّ من أن يأتي يوم لم يَعُد بعيداً، يجد فيه الفريق المسيحي العاقل نفسه، وفي مقدّمه “القواّت اللبنانيّة” وبكركي، في مواجهة الميل الانتحاري لدى مسيحيّيّ النظام و”حزب الله”، وقد سبق وسمّيناهم بـ”مسيحيّي الثلاثيّة”. مواجهة لإنقاذ هؤلاء من أنفسهم أوّلاً، وإنقاذ سائر المسيحيّين واللبنانيّين وراءهم. إنقاذ المسيحيّين من وئام وهّابهم! إنّها مواجهة صعبة ومكلفة، ولكنّها ناجحة بالتأكيد. فطالما نجح منقذون في منع المقبلين على الانتحار من ارتكاب جريمتهم.