دلال البزري/: معادلة المليشيات والعشائر والمقاومة//اسعد حيدر/فصام إيران: 90 بالمئة من الشباب يبتعدون عن الإسلام

332

 معادلة المليشيات والعشائر و..المقاومة
دلال البزري/المدن/ الأحد 07/06/2015

عشنا عقداً من الزمن تحت معادلة قسرية اسمها “الجيش والشعب والمقاومة”. خصوصاً بعد “الإنتصار الإلهي التاريخي الاستراتيجي” للعام 2006، عندما تحول “حزب الله”، إلى متحكِّم بمجريات الأمور اللبنانية بصفته “انتصر” على أقوى جيش في المنطقة. فاذا اهتز الأمن، أو حصلت جريمة إرهابية أخرى بعد اغتيال رفيق الحريري، أو قتل ضابط في الجيش، أو خبير في كشف هذه الجرائم، أو غزو للعاصمة وحرق بيوت من ليس مُرضى عنهم، أو اختلّت المسرحية البرلمانية، أو أي أمر آخر يمكن ان يكشف عن دور “حزب الله” العظيم في حصوله… كانت تُنْصب معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، لإحباط أية محاسبة، أية مراجعة، أي تدقيق… فتُطلق الصفات الحميدة للمعادلة: تارة بصفتها “عنوان لقوة لبنان”، أو “الكفيلة وحدها بدحر المعتدين”، أو “التي صنعت التحرير”، أو انها “من أركان قوة لبنان ومنعته واستمراره”، أو “أثبتت التجربة نجاعتها”… إلى ما لا ينتهي من أوصاف مكرّرة مطوَّلة، بمناسبة ارتكاب الحزب واحدة من تجاوزاته العسكرية-السياسية، التي لم تنضب يوماً.

ولكن المعادلة تغيرت الآن في الواقع، فيما الألسنة ما زالت تطرب بالمعادلة المقدسة، وكأن الثورة السورية لم تمرّ من هنا؛ وكأن “حزب الله” لم يعبر الحدود السورية للقتال إلى جانب جيش النظام، تلك الحدود التي كان يصر على رفض ترسيمها، مستقوياً بمعادلة “الجيش..و..والمقاومة”؛ كأن الحزب لم يكتفِ بتوقيت الحرب والسلم داخل لبنان، فصار صاحب درو “اقليمي” يعتز به، في تحديد مجريات حرب أخرى، خارج حدوده؛ كأنه نسي تماماً قرية شبعا، وفلسطين، بعدما تذرع بهما للتضييق على اللبنانيين بمعادلة “الجيش..و..والمقاومة”؛ كأن التنسيق بينه وبين الجيش السوري والمليشيات الأخرى الحليفة له، ليس أقوى من التنسيق بينه وبين ذاك الجيش، الذي قزّمه على مدار تاريخه، فصار رهينة إرادته (كما تفعل الآن ميليشيات “الحشد الشعبي” المذهبية، المتعالية على الجيش العراقي، والضاحكة عليه)؛ كأنه لم ينشىء ميليشات موازية، عشائرية تأتمر بإمرته وإمرة “السيد”، وتكون قياداتها من مجرمين يلاحقهم الجيش وقوى الأمن الداخلي؛ كأن همْرجة الإعلان عن هذه العشائر، ووصفها بـ”الإعلامية”، مجرد إعلامية، ينزع عنها فتيل نيرانها؛ كأن الحزب لا يضغط، مباشرة، أو عبر حلفائه، على هذا الجيش، ليسنده في قيادته لمعركة تدخلّه العسكري في سوريا، ليكمِّل ما تبقى له من عمل عسكري ضد “المسلحين” التكفيريين؛ كأنه هو الذي يحارب “المسلحين التكفيريين” ليس مسلحاً ولا تكفيرياً؛ أو كأن أولئك المسلحين التكفيريين ليسوا خطراً على كل اللبنانيين، بمن فيهم اللبنانيين الذين يغريهم القتال إلى جانبهم؛ أو كأن كل من احتجّ على الأسد إنما هو تكفيري؛ كأنه لا يهيىء الأرض لتقسيم سوريا باستقْتاله في دعم بشار الأسد في مشروعه المتبقي من سوريا “المفيدة”، الممتدة من دمشق إلى حماه وحمص واللاذقية؛ أو كأن كل الإنشائيات التي يسهب بها قادته حول براءته من المذهبية والتقسيم والتعصّب والتطرف والإرهاب، تلغي ما ينطق به لسانه نفسه، وما ينضح من كل إشارة من إشاراته.

بعد الثورة السورية وانغماس “حزب الله” في أتونها، بقرار لا يملكه، وبقيادة خارجة عنه، لم يعد لمعادلة “الجيش الشعب المقاومة” أي مبرر، أي معنى. فالجيش عُنِّف وحُشر في زاوية، وتعرَّض لأعلى درجات الضغط السياسي والإعلامي والميداني. والحجة دائماً ان هذا الجيش ضعيف، لا يستطيع القيام بالمهمة، فيما كان تأسيس “حزب الله” وممارساته ومشاريعه على امتداد سنواته الثلاثين نسف لامكانيات تقوية هذا الجيش وتحصينه. “حزب الله” أكثر من أضعف الجيش اللبناني، وها هو الآن مع دخوله سوريا يريد أن يخضعه لخطته، يريد منه ان يؤازره على تأسيس دويلة بشار الأسد. أما الشعب، فلا تسأل: شعب، أو بالأحرى شعوب، متداخلة متكارهة متناقضة متقاتلة. ومسؤولية الحزب في ذلك تضاهي مسؤولية النظام الطائفي نفسه، الذي لولاه لما انوجد أصلا.

تبقى “المقاومة”، آخر مكوِّن من المعادلة القسرية القديمة، أو “محور المقاومة”، لتكون هي الوحيدة الدائمة، الثابتة، وقائدتها إيران الإسلامية؛ وهذه الأخيرة ضخّت مؤخراً على الساحة السورية سبعة آلاف مقاتل، وتوعد قادتها، أمام خسارات بشار الأسد المتلاحقة، بأنها “غيّرت استراتيجيتها”، والبقية شبه معروفة… بحيث تصبح المعادلة الأكثر مطابقة للواقع الآن هي “الميليشيات والعشائر و..المقاومة”.

فصام إيران: 90 بالمئة من الشباب يبتعدون عن الإسلام
اسعد حيدر/المدن/07 حزيران/15/

في 3 حزيران/يونيو 1989، توفي الإمام الخميني، تاركاً نظاماً حديدياً صنعه على قياسه، وبلداً مثخناً بجراح “الحرب الظالمة” مع العراق، على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية، وتكلفة بشرية هائلة، حوالي مليون قتيل. اعتقد كثر أن حرب الخلافة ستمزق الطبقة السياسية الجديدة والممسوكة من رجال الدين. ولكن ما حدث كان انتقالاً هادئاً، بعد أن تفاهم الشيخان هاشمي رافسنجاني وعلي خامنئي على إدارة البلاد. ما حدث بعد ذلك، أن خامنئي أثبت أنه قادر على إمساك السلطة، وأن الضعف الذي كان يُظهره لم يكن حقيقياً. عملياً تبيّن أنه “أنور السادات” الإيراني، الذي خدع الجميع بأنه مطيع وضعيف، ثم أطاح بالجميع، ليمتد حكمه المطلق، لربع قرن حتى الآن. الثورة الخمينية أرادت إنتاج مجتمع إيراني إسلامي متماسك ومُنتج، فماذا كانت النتيجة بعد 38 سنة؟ فصام عريض وعميق وفرق شاسع بين الطموحات والواقع. بداية يقول نائب حاكم طهران للشؤون السياسية شهاب الدين شاوشي: “90 في المئة من شبابنا ابتعدوا عن الإسلام، بحكم سلوكنا السياسي. لا يمكننا أن نقول أشياء توافق عليها مجموعة محددة فحسب. نحن مسؤولون عن المسلمين الشيعة الذين يبتعدون عن الدين بحكم سلوكنا ولا مبالاتنا”. وتتم ترجمة هذا التحول عن الالتزام الإسلامي الواسع، بأن المجتمع الإيراني تحول إلى مجتمعات عديدة، مع فوارق طبقية واضحة ونشوء شريحة واسعة من أبناء الملالي أي المشايخ. وبحسب دراسات إيرانية من الداخل، ومنشورة داخلياً، فإن العائلة الإيرانية التي كان معدل الإنجاب فيها عام 1979 سبعة أطفال، وصل المعدل فيها حالياً إلى 1.6، أي أن الشيخوخة ستضرب المجتمع الإيراني بعد جيل مع كل أثار ذلك على الانتاج والاقتصاد. وكان الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد قد قال: “هذا الوضع فناء للأمة”، ويعود ذلك إلى جملة أسباب تؤكد الانفصال بين الخطابات الرسمية والواقع، ومنها أن نسبة الزواج تراجعت بشكل حاد، بسبب انتشار “زواج المتعة” إلى درجة أن 85 في المئة من الشباب باتوا يؤيدونه. كما ظهر ما يعرف بـ”الزواج الأبيض”، وهو نوع من المساكنة على الطريقة الغربية، وقد دفع انتشاره بين الشباب، إلى أن يأمر المرشد بشنّ حملة ضده، بعد أن اعتبره العديد من رجال الدين “زواجاً مشؤوماً”. ووصل الأمر إلى اقفال مجلة “زنان إمروز”، لإنها خصصت عدداً للحديث عن انتشاره.

إلى ذلك، تحتل إيران المرتبة الرابعة في العالم بنسبة الطلاق، كما تبلغ نسبة العقم 25 في المئة، بسبب أمراض جنسية أخطرها “الكلاميديا”. وفي بلد مثل إيران حيث نسبة الشباب تحت سن العشرين تصل إلى 45 في المئة من السكان، فإن ظاهرة جديدة انتشرت بين هؤلاء، تشبه ظاهرة الحائطيين، “الحيطست” في الجزائر، أي الذين يقفون في الشوارع ولا يعملون ولا ينتجون، وقد أطلق عليهم لقب “علآف”، بسبب البطالة أو فقدان الأمل.

من جهة أخرى، يشهد التعليم الجامعي والثانوي، موجات من الاحتجاج، على مستوى الأساتذة والطلاب، على خلفية غياب الحريات والتمييز بسبب الانتماء السياسي. علماً أن أبرز أهداف الثورة، كان تنمية هذا القطاع. وكان 700 أستاذ جامعي، قد وجهوا كتاباً مفتوحاً إلى الرئيس حسن روحاني، يطالبونه بتنفيذ وعوده لهم، وخاصة في ما يتعلق بالحريات الأكاديمية، وعدم الفصل من القطاع التعليمي لأسباب فكرية وسياسية. ويبدو أن عدم تحسن الأحوال دفعت الآلاف من الأساتذة للتظاهر.

وبلغت حدة الخطابات أن مُدرسة قالت: “أنا معلمة جائعة لأن هناك بطوناً جشعة في بلدنا. أنا معلمة لا أملك مالاً، لان أبناء المسؤولين عن إدارة البلاد، نهبوا كل الأموال. جيوبي خاوية لأن أبناء وبنات المسؤولين يملكون فيلات ضخمة في كندا ودوّل أوروبية”. وأضافت في إدانة واضحة للطبقة السياسية كلها: “لقد دفعنا نصيبنا العادل من أجل الثورة، لكننا تلقينا أقل مكافأة عادلة”. وعندما قال أحد الملالي رداً على الأساتذة المتظاهرين: “لقد تخليتم عن المعرفة في مقابل الثروة”، جاء الرد سريعاً من المتظاهرين: “لماذا عندما تحل الثروة عليكم، لا يعني ذلك تخليكم عن الدين لحساب الثروة؟”. وكانت المفاجاة الكبرى التي جرى التعتيم عليها، أن طالبة توفيت بعد أن صبت على جسدها ليترين من البنزين، وأشعلت النار في نفسها. بعد تكاثر الاحتجاجات والصدامات، بين مجتمع الشباب الذي يريد أن يعيش دون ضغوط وأن يكون له حرية الاختيار، وسلطة أبرز قيادييها معدل أعمارهم 75 سنة، عمل الرئيس حسن روحاني، على تطويق الوضع، فقال: “على الشرطة تطبيق القوانين ولا يمكن لأي ضابط شرطة أن يقول إنه يستطيع تطبيق الشريعة”. في صلب الفصام؛ المواجهة بين مجتمع مدني يقوى ويريد تطبيق القانون وطبقة أصولية من السياسيين، تريد تطبيق الشريعة بما يتناسب مع أصوليتها ومواقعها في السلطة. وهذا يقف وراء “نأي 90 في المئة من الشباب عن الإسلام”، بينما جرى زحف غير مسبوق من النساء والشباب على الإسلام ومظاهره ومنها الحجاب في بداية الثورة كخيار حر بالثورة الإسلامية.