علي رباح/عندما «يُناقض» نصرالله.. السيد حسن

213

عندما «يُناقض» نصرالله.. السيد حسن
علي رباح/المستقبل/07 حزيران/15

اتّخذ الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله قراراً بألّا يتحدّث بالسياسة إلا على الهواء مباشرة. فكلامه الذي تناقلته «منظومته الإعلامية» بمناسبة «يوم جريح المقاومة»، تعرّض لـ«بعض التقطيع وفُهِمَ بطريقة غير مناسبة»! من هنا انطلق السيّد في خطابه، ليتراجع عن جملة من المواضيع وليوضح أخرى، أو يناقضها، وليردّ على «المنافقين الخبثاء ممّن يخترعون الأكاذيب والأوهام»، وليتحدّث عن جديد الساحات العربية. خطاب اتّسم بالتخبّط والتناقضات بـ«الجملة» مقارنة مع مضامين خطاباته السابقة.

تراجع نصرالله عن دعوة عشائر بعلبك-الهرمل الى قتال التكفيريين في جرود عرسال. فهو «لا يحتاج الى مقاتلين الآن، لأن المقاومة تملك العديد والعتاد والقدرة البشرية والمادية لإنجاز الهدف»، واكتفى بتضامن العشائر مع المقاومة !

ما هكذا خرج السيّد الأحد الماضي بمناسبة «التحرير». ألم يقل في ذلك الخطاب حرفياً: «دعوني أكون واضحاً، قولوا ما شئتم واتّهموا كما تشاؤون وسمّوا كما تشاؤون ووصّفوا كما تريدون، إن أهلنا الشرفاء في بعلبك-الهرمل، إن عشائرهم وعائلاتهم وقواهم السياسية وكل فرد منهم، لن يقبلوا ببقاء إرهابي واحد ولا تكفيري واحد في أي جرد من جرود عرسال والبقاع»؟! الجزم بأن «العشائر لن تقبل ببقاء إرهابي واحد في الجرود» لا يحمل التأويل. وإن كانت قابلة للتأويل، فإعلام «الممانعة» الذي سوّق للتشكيلات العشائرية المسلحة وللاجتماعات ولليافطات، قد دحض أي فرصة للتأويل. لماذا يتنصّل السيّد من كلامه بعد أقل من أسبوع ؟ لماذا تحوّلت دعوة «كل فرد من العشائر»، من قتال التكفيريين، الى دعوة للتضامن مع «المقاومين» فقط؟

ومن ثمّ يهاجم نصرالله «الأقلام المأجورة والصحافيين الصغار والذين تحدّثوا عن حشد شعبي من العشائر»، قائلاً: «أين تحدّثنا عن حشد شعبي؟ الى هذه الدرجة قلبكم ضعيف»؟!

ألم يدعُ السيّد لتعميم تجربة وفكر «الحشد الشعبي» على مساحة المنطقة؟ بعد يومين على دعوته هذه، خرجت أقلام تدور في فلك حزب الله لتنقل عن مصادر في 8 آذار قولها بأن «لواء القلعة» الذي يضم عشائر، هو أول غيث تقاعس الحكومة عن قرار بتطهير عرسال وجرودها من «التكفيريين»! كما نقلت قنوات تلفزيونية «مُقاومة» مشاهد لمجموعات مسلحة في بعلبك-الهرمل ترفع قبضاتها الغاضبة وتهتف «لبّيك نصرالله». سيّد المقاومة دعا والجمهور لبى الدعوة، فلماذا يتراجع عن كلامه ؟ أليس لبنان جزءاً من المنطقة التي دعاها السيّد لاستنساخ نموذج «الحشد الشعبي؟ وهل أن الممارسات «الداعشية» لهذا التنظيم الإرهابي أخجلت السيّد، حامي الأقليات والكنائس؟! أم أن عشائر بعلبك-الهرمل لم تستجب لدعوته؟

أمّا في موضوع عرسال، فتراجُع السيّد عن اتهام أهلها بتصدير السيارات المفخخة وضرورة حلّ وضعها عسكرياً، كان واضحاً، حين سلّم بدور الجيش بحمايتها وحماية أهلها. يدلّ هذا على أن السيّد، المنشغل في الميادين الأخرى، لا يريد ولا يقوى ولا يملك الضوء الأخضر الإقليمي والدولي لتفجير الساحة الداخلية.

كرّس نصرالله جزءاً من خطابه للتحدّث عن تنظيم «داعش» الإرهابي، وتاريخه ونشأته وصولاً الى يومنا هذا، متّهماً الاستخبارات السعودية والأميركية والباكستانية بتمويله وتوظيفه في «المعركة الإقليمية»، ساخراً من «الأفلام الهوليوودية» التي يركّبها البعض لاتهام إيران والأسد و«حزب الله» بتشغيل «داعش»، مؤكداً أن محور المقاومة هو من يقاتل هذا التنظيم الإرهابي.

بما أن السيّد تحدّث بـ«العقل والمنطق»، واعتبر الاتهام الموجّه لمحوره بالعمل مع «داعش»، لا يستند الى أي دليل أو معطيات، فليوضح للبنانيين، بـ«العقل والمنطق» أيضاً، ما قاله مراسل «المنار» أمس الأول، من أن «الخيارات أمام جيش الفتح الإرهابي باتت تضيق بعد أن حوصر من ثلاث جهات، من جهة رجال الله ومن جهة الجيش اللبناني ومن جهة تنظيم داعش»! هل يعني ذلك أن «داعش» دخل مع «حزب الله» في لعبة محاصرة «جيش الفتح»؟! لا بأس، برّر السيّد عدم اشتباك قواته مع «داعش» بالقول: «داعش ما علقوا معنا لأنهم في جبهة القلمون الشمالي، وبعد القضاء على جيش الفتح في القلمون الجنوبي سنشتبك معهم»! لكن فليشرح نصرالله كيف استطاع تنظيم داعش الدخول الى الغوطة ومخيّم اليرموك المحاصرَين منذ سنوات؟ كيف مرّ داعش على حواجز ومناطق نفوذ النظام من دون أن يتلقى رصاصة طائشة من «رجال الله»؟ فليشرح السيّد، بـ«العقل والمنطق»، كيف اقتحم داعش منذ أيام قليلة ريف حلب الشمالي بعد إطلاق فصائل المعارضة معركة جديدة ضد قوات الأسد؟ هل يعلم السيّد أن داعش والنظام هاجما قرى ريف حلب الشمالي جنباً الى جنب من دون وقوع أي اشتباك بين الطرفين؟ هل يعلم السيّد أن قصف قوات النظام لقرى ريف حلب الشمالي بالبراميل والحاويات المتفجّرة توقّف بمجرّد دخول «داعش» اليها؟ فليشرح السيّد كيف أن النظام لم يطلق برميلاً متفجّراً واحداً على «داعش» في تدمر التي سُلّمت لهذا التنظيم الإرهابي؟!

يكرس السيد يوماً بعد آخر انسحاباته من خط الهجوم الشرس الى خط الدفاع الضعيف. يتراجع عن بعض ما قاله في خطاباته السابقة، كما يتراجع عن بعض ما أوردته منظومته الإعلامية. تراجعات من شأنها أن تهدم «الثقة» في اللاوعي عند جمهوره. ربما أراد السيد من خلال إطلالاته الكثيرة والمتكررة أن يبقى على تماس مع جمهوره خوفاً من «الإعلام واقلام». هذه الأقلام التي تدأب على كشف حقيقة مشروعه، والتي كاد نصرالله أن يسميها بالاسم في معرض دفاعه عن كل ما قيل ويقال!