طارق الحميد: المرتزقة العراقيون والإيرانيون في دمشق//عبد الرحمن الراشد: تجنيد المتدينين في الحروب

253

المرتزقة العراقيون والإيرانيون في دمشق
طارق الحميد/الشرق الأوسط/06 حزيران/15

تشهد الأراضي السورية عمليات جلب للآلاف من المقاتلين المرتزقة من العراق وأفغانستان وإيران للدفاع عن المجرم بشار الأسد، وهو الأمر الذي لم ينفه النظام. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر بالنظام الأسدي إقراره بوصول الآلاف من المقاتلين المرتزقة من العراقيين والإيرانيين إلى سوريا بهدف الدفاع عن دمشق وضواحيها بدرجة أولى.كما كشفت صحيفة «التايمز» البريطانية أن مجرم دمشق يعتمد الآن على مرتزقة شيعة من أفغانستان، وذلك استنادا إلى تصريحات زعماء قبائل شيعية يقولون إن السفارة الإيرانية في كابل تمنح مئات التأشيرات شهريا لرجال شيعة يرغبون في القتال بسوريا. حسنا، ما هي مدلولات ذلك؟ الأكيد أن الأسد، ومن يقف خلفه من إيران وأتباعها، قد أدركوا أن المعركة الآن ليست معركة الدفاع عن حكم الأسد لكل سوريا، بل هي معركة الحفاظ على دمشق، ورأس الأسد نفسه، خصوصا وأن هناك معلومات استخباراتية لدولة مجاورة لسوريا تقول، وبحسب مصدري، إن ذلك مبني على رصد اتصالات وتحركات على الأرض، إن معركة دمشق وحمص ليست بالبعيدة، ورغم تشكيك بعض من استمزجتهم بهذه المعلومة فإنه، وبحسب ما نشر مسبقا، فقد أعلنت كتائب بالمعارضة أن دمشق هي هدفهم المقبل، كما أن محسوبين على الأسد يقولون، وكما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية، إن دور المقاتلين المرتزقة من العراقيين والإيرانيين هو الدفاع عن دمشق وضواحيها، مما يعني اعترافا بالهزيمة والقلق من الأسد والإيرانيين، خصوصا وأن الأسد يواصل خسارة مواقع جغرافية مؤثرة.والاستعانة بهؤلاء المرتزقة تعني بالطبع أيضا فشل حزب الله الذي بات يفاخر باسترجاع أراض لبنانية من المقاتلين السوريين بدلا من تحقيق انتصارات بالأراضي السورية! وفشل حزب الله هذا، ومن قبله الأسد، في كسر شوكة المعارضة السورية المسلحة، هو فشل للإيرانيين تحديدا، ولكل الدعاية الفجة التي يقوم بها الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهو الفشل الذي وضع وليد المعلم في حرج الأسبوع الماضي أمام صحافيي النظام الذين باتوا يتساءلون إن كانت سوريا قد انقسمت بالفعل، وعن فشل الدعم الروسي والإيراني للأسد!والاستعانة بالمرتزقة العراقيين والأفغان والإيرانيين هي دليل تورط إيراني واضح بسوريا، وتأجيج للصراع المذهبي بالمنطقة، حيث لا فرق بين «داعش» وإيران الآن بتأجيج الطائفية، ورغم كل ذلك تسعى الإدارة الأميركية للتفاوض مع إيران، مما يؤكد تراخي إدارة أوباما حيال طهران التي لا تدعم مقاتلين سوريين، بل تجلب مرتزقة طائفيين إلى سوريا. وجلب المرتزقة هذا يظهر بالطبع حجم القلق الإيراني على وضع الأسد الآن، خصوصا وأن إيران تعي أن سقوط الأسد هو سقوط لمشروعها ككل بالمنطقة. وعليه فمن المفروض أن لا يتوقف دعم المقاتلين السوريين المعتدلين، مع ضرورة الاستعداد الآن لمرحلة ما بعد الأسد، لأن المؤكد هو أن هناك معركة قادمة لا محالة بعد سقوطه. والأهم الآن هو الإجهاز على الأسد، والمشروع الإيراني برمته، وتحديدا في سوريا، وليس أي مكان آخر.

تجنيد المتدينين في الحروب
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/06 حزيران/15

نحن في خضم حرب فوضوية كبيرة في الشرق الأوسط، أسوأ مما مرّ بالمنطقة في الحربين العالميتين الماضيتين، تستخدم فيها كل الأسلحة من بدائية كالسكاكين، إلى آخر ما وصلت إليه التقنية، مثل طائرات الدرون التي تدار من وراء المحيط!

إنما أخطر الأسلحة هو الديني. وخطورته ليست فقط أنه قادر على تجييش المجتمع، وتحريك جيوش من الشباب راغبين في الموت، بل أيضًا لأنه سلاح مثل القنبلة النووية، يبقى غباره السام لعقود طويلة، حتى بعد نهاية الحرب. كثيرون قتلتهم إشعاعاته، سنوات بعد تدمير المدينتين اليابانيتين، وهذا حال السلاح الديني، الذي لا يختفي حتى بَعد انتهاء الحرب وتظل آثاره لعقود طويلة.

أما لماذا ينجرف المواطنون وراء مثل هذه الحروب الأهلية بَعد قرون من التعايش، السبب انجرافهم وراء الدعاية. وحتى تفهم الخصم ضع نفسك مكانه، فكر بعقله. إيران وحزب الله والنظام السوري حرصوا منذ فشلهم في سوريا، وتعقد الوضع في العراق، على نقل الجرثومة الطائفية، إلى الخليج والسعودية، التي هي دول حديثة مركبة من مكونات اجتماعية متنوعة. وكذلك فعل تنظيم داعش الذي ركز جهده على الخطاب الطائفي المعادي للشيعة. انساق غوغاء الشارع الديني إلى المواجهات الطائفية، ووقع فيها رجال دين ومثقفون وجمهور كبير، يتراشقون بالتكفير ويعيدون تدوير روايات التاريخ وثأراته. هذا ما تريده إيران ونظام الأسد، وهذا ما يريده تنظيم داعش. وهؤلاء المنخرطون في الحرب بالنيابة لا يفهمون أنهم جنود مجانيون يقاتلون بلا وعي ضد مصالحهم. لا يستطيعون التفكير إلى ما هو أبعد من أنوفهم. فشق المجتمع، ودفعه للاحتراب من على المنابر والمواقع الإلكترونية يؤدي إلى الاقتتال في الشوارع، يدمر البلدان، ويسقط الدول والحكومات. فلماذا يخرب الناس بيوتهم بأيديهم؟ إنه الجهل مع الاستقصاد!

من السهل إشعال معركة بين قرية وقرية، ومنطقة ومنطقة، وجماعة وجماعة، عند استحضار الخلافات التاريخية أو الدينية. وقد رأينا كما هائلا من التنازع السني الشيعي العلوي بسبب حروب المنطقة، ونتيجة لاستخدام الدين في الاحتراب السياسي. «حزب الله» و«داعش» و«القاعدة» تنظيمات سياسية ذات فكر جهادي، تعكس حال المنطقة اليوم، التي انتقلت من زمن آيديولوجيا اليسار والقومية إلى الصراع الديني. والعنف ليس اختراعا خاصا بالجماعات الدينية، بل سبقتها إليه أحزاب بعثية وقومية وشيوعية، وهي من بدأت خطف الطائرات والعمليات الانتحارية بالسيارات ومارست الاغتيالات المنظمة. وكانت معظم معاركها موجهة ضد أهلها، مثل جماعة أبو نضال، «مجلس فتح الثوري»، استهدفت غالبا فلسطينيين وعربا، رغم شعارها المعادي لإسرائيل. وهذا ينطبق على «القاعدة» و«داعش» اليوم.

ورغم تشابه التنظيمات اليسارية والفوضوية بالدينية، وإفراطها في استخدام العنف، بدعوى الغاية تبرر الوسيلة، فإن الدينية أخطر على نسيج مجتمع الدولة. فالخلاف السياسي بين الدول يمكن إطفاء النور عليه في ليلة واحدة، وينقلب السياسيون على مواقفهم سريعا. وللشعوب ذاكرة قصيرة، ويمكن تغيير موقفها بحملة دعائية تصالحية تتحدث عن الروابط الأخوية والإنسانية. أما استخدام الدين في الصراعات السياسية فإنه يوغر الصدور، ويحدث جروحا عميقة لا يمكن بسهولة معالجتها. لهذا فإن المجتمعات المصابة بالحروب الدينية، العراق نموذج لها، ستعاني طويلا، وستدفع أثمانا مخيفة على حساب وحدة البلاد والسلم الأهلي، وها هي قد نكأت ثأرات لن تنطفئ نيرانها إلا بعد جيل كامل، أو أبعد. مقاتلة النظام السوري ليست طائفية إلا بعد أن قرر النظام تصنيفها كذلك، والحرب ضد البعث العراقي، كانت ضد ممارساته وجرائمه، لولا أن الصراع على تركته بين القوى العراقية، وتدخل إيران، جعلها حربا طائفية، و«داعش» التي ورثت تنظيم القاعدة المهزوم استخدمت الطائفية سلاحا لجلب أكبر عدد من المغرر بهم، وكذلك فعل وصيفه «حزب الله». إن تدمير الخليج بنفس الفيروس الطائفي ليس صعبا، يكفي استحضار ثأرات الحسين وتكفير المخالفين التاريخية لإحياء الحرب، ومواجهة الحرب الدينية تتطلب توعية العاملين في الحقل الديني أنهم يستخدمون من قبل قوى خارجية، وأن انجرارهم وراء طروحات البغضاء والكراهية يدمر بلدانهم، وأن هذه من الأعمال العدائية للدولة والسلم الاجتماعي التي لا يفترض السكوت عليها.