مهى عون/المستثمرون في مقولة: داعش شيء مرعب

144

المستثمرون في مقولة: “داعش شيء مرعب”
مهى عون/السياسة/29 أيار/15

في كلام يذكِّر بخطاب مسؤولي الولايات المتحدة حول خطورة تنظيم “داعش” ومدى وحشيته وانعتاقه من كل القوانين البشرية وقدرته على القتل والإجرام والسبي والتعدي على الحرمات من دون أي رادع, وفي إشارة إلى المسيحيين ورجالات تيار “المستقبل” في لبنان واحتمال تعرضهم للمصير الأسود نفسه على يد “داعش”, تناول السيد حسن نصر الله في خطابه بمناسبة ذكرى التحرير هذه المخاطر المحدقة والمقبلة على لبنان بعد إشارتين أو أدنى. وفي السياق ذاته, وليس بعيداً كثيراً في الزمن, وصف مسؤول أميركي كبير في لقاء مع الصحافة الأميركية سقوط مدينة الرمادي العراقية على يد “داعش” بـ”الحدث الجلل”, وبأنه حصل على يد مجموعات “لم نرَ مثيلها من قبل, وبأنها شيء مفزع حقاً”… ووصف المسؤول الأميركي هجوم مقاتلي التنظيم الإسلامي على القوات العراقية بـ”الرهيب” و”الغريب”, ملمحاً إلى كونه “كاسحاً”… حيث نُفذ فيه نحو الثلاثين تفجيراً لسيارات مفخخة على المنطقة المركزية في المدينة, بينها عشر سيارات محملة بكمية هائلة من المتفجرات, يعادل كل منها التفجير الذي أصاب أوكلاهوما!

شيء مفزع ومرعب حقاً… هذا ما تريد الولايات المتحدة الترويج له ولكن أين من كل هذا الكلام الترويعي “تطييرُ التماسيح” في كلام الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله, بعد أن لم تعد خافية على طفل المساهمة الكبيرة للتطبيل والتزمير الإعلاميين في كل الانتصارات التي حققها “داعش”, وأهم عناصرها عامل التخويف, حيث ادى العامل النفسي والإعلامي دوراً كبيراً ومهماً في هذه الانتصارات, بدليل أنها حدثت من دون قتال أو اشتباكات تُذكر, سوى ما حدث في كوباني, حيث تمكنت “البيشمركة” من رد التنظيم على أعقابه. أما بقية المناطق في سورية والعراق, فسيطر عليها “داعش” بشكل مجاني, حيث استسلمت مدينة الموصل من دون أيِّ قتال, ومدينة الرمادي استسلمت بالطريقة نفسها, وهذا ما حصل لاحقاً مع تدمر, التي غادرتها قوات بشار الأسد مولية الأدبار عنها, تاركة الأهالي يواجهون المصير الأسود نفسه الذي واجهه أشقاؤهم في مناطق أخرى, كالرقة ودير الزور, اللتين تم تسليمهما أيضاً من جيش بشار بالطريقة ذاتها.

لكن الملفت والداعي للاستغراب, أن يعمد تنظيم ميليشيوي كتنظيم “حزب الله” إلى استعمال عنصر التخويف من “داعش”, فيقدم إليه بهذه الطريقة خدمة مجانية ويساهم في حملته التخويفية للشعوب, فيما يعلن عداوته في الوقت ذاته. في كل الأحوال, قد لا يرى الحزب أي ضيم في المساهمة بحملة الترويج لـ “داعش” طالما تخدم وتصب في مصلحة النظام السوري, الذي يطرح نفسه بديلاً من هذا التنظيم الخطير.

قد يكون تصرف “حزب الله” مفهوماً من هذه الناحية وبناء على هذه الخلفية, لكن أن تشن الولايات المتحدة حملة التخويف نفسها من خطورة هذا “البعبع” المسمى “داعش”, فهنا يجب النظر إلى هذه اللعبة من منظار مختلف نسبياً, وهي أن مراهنة الولايات المتحدة على استغلال عنصر التخويف نفسه, كما يفعل “حزب الله”, رغم تواجد طيران التحالف العسكري على أهبة الاستعداد لشن هجمات على تنظيم الدولة الإسلامية, أقل ما يقال فيها إنها طفولية, بل بدائية وساذجة, فاستغباء الناس ممكن لفترة معينة ولكن ليس كل الوقت وفي كل الظروف.

وهكذا, ربما تحقق ما كنا نتوقعه, أي التفاهم الضمني بين طهران و”داعش” من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى, لاستثمار عنصر تخويف الشعوب لتدجينها, عبر حمل بعض البشر على الاسترسال الزائد في الخوف من التنظيم “المرعب” ونشر حالة الهلع والخوف من السواطير وقطع الرؤوس والحرق وسواها لتسهيل عملية تدجين الشعوب بهدف إخضاعها وحملها على قبول مخططات مستحدثة, التي قد تصل في بشاعتها إلى حد زحزحة شعوب بأكملها, ونقل سكاني ضمن عملية نزوح أو “ترانسفير” جماعي من منطقة لأخرى. ويترافق كل هذا الفجور مع رمي التهم على السعودية ودول الخليج العربي بالوقوف وراء “داعش”, فعله استهداف التنظيم الداخل السعودي, أسوة بما فعله “القاعدة” من قبل في العديد من المدن السعودية لنحو ست سنوات, وكان آخر استهداف للتنظيم العملية الانتحارية في منطقة القطيف شرق المملكة.

وما تجدر الإشارة إليه أيضاً, هو أن قادة تنظيمي القاعدة و”داعش” هم من خريجي سجون بشار الأسد, وكانوا في فترة ما بعد سقوط صدام حسين يتنقلون مراراً بين الداخل السوري والداخل العراقي, ما يعني أن بعض الأنظمة, كنظام بشار الأسد, ليس بعيداً أيضاً من المساهمة الفعلية في إيجاد هكذا تنظيمات إرهابية وتغذيتها لمصلحة الولايات المتحدة ومخططاتها التقسيمية, بدليل أن “داعش” لم يستهدف أي مصلحة أو مكان شيعي إيراني أو تابع لنصرالله, إضافة إلى أن طلائع جيش “داعش” تقترب من حدود السعودية والأردن, بينما لا نرَى لها نشاطًا ضد إيران على الإطلاق. ورغم كل هذا, لا يزال نصر الله يصر على أن “داعش” عدوه الأول وعدو إيران والنظام السوري, والولايات المتحدة تصفق لهم في سرها, لنجاح سيناريو هذه المسرحية الدامية الفصول, فيما تمارس في العلن سياسة النعامة في ادعاء جهلها بالهوية الحقيقية لـ “داعش” ومَن وراءه.

وبناء عليه, نستنتج أن المستفيدين من تحويل “داعش” عاملاً ترهيبياً “حزب الله” والنظام الأسدي كما الولايات المتحدة, فالأول يستعمله لترهيب اللبنانيين وتدجينهم, والثاني يستفيد من هالة الخوف هذه لطرح نفسه بديلاً معتدلاً ومخلصاً, وهو الخطاب نفسه الذي طالما رددته الولايات المتحدة للإبقاء على نظام بشار الأسد, ليس محبة فيه لكن إلى حين إنهائه مهمة التدجين والتخويف المطلوبة منه خدمة لبلورة الخريطة الأميركية الجديدة على الأرض في سورية والعراق.