داود البصري/نظام دمشق والإنهيار الكبير

257

نظام دمشق والإنهيار الكبير
داود البصري/السياسة/26 أيار/15

التطورات الميدانية السريعة والهزائم العسكرية التي مني بها النظام السوري خلال الأسابيع القليلة الماضية حددت بوضوح معالم الطريق المستقبلي والمصيري لذلك النظام الفاشي الذي لجأ إلى مختلف الوسائل من أجل البقاء, وأتبع مختلف الأساليب لتشويه سيرة ومسيرة الثورة السورية الشعبية الهائلة, وأستعمل مختلف الأسلحة النفسية والكيماوية أيضا لكسر إرادة الثوار, وفي النهاية لم يكسر ويقصم سوى ظهر النظام ذاته الذي يقف اليوم ذليلا على أعتاب الهزيمة الشاملة المذلة التي ستطيح به وترسله مخفورا لمزبلة التاريخ.

ولم يكن النظام السوري قريبا من الإنهيار التام منذ إنطلاقة الثورة السورية قبل أربعة أعوام أكثر من اليوم فهزائمه الثقيلة قد توالدت وتوالت فصولا دموية مرعبة, وفقده لأدلب وللشمال السوري وإقتراب المعارضة من معاقل النظام الساحلية, محاصرته في قلب العاصمة دمشق رسمت خطوطا جديدة وواضحة لمتغيرات داخلية وإقليمية كبرى ستغير بالكامل من وجه المنطقة , وكان سقوط مدينة تدمر وهروب الجيش السوري منها بشكل فضائحي وعلني مسمارا يدق في نعش النظام ويقرب من ساعة الخلاص النهائية , كل الشواهد الميدانية والأدلة الراسخة توفر معطيات حقيقية عن إنهيار تام للمعبد السلطوي السوري ووصول النظام بكل أدواته القمعية والإرهابية إلى ساعة الحقيقة العارية والمرعبة , وقد كان منظر خروج المعتقلين من سجن تدمر الصحراوي الرهيب السيئ الصيت والسمعة بذاكرته السوداء في ملف التاريخ السياسي السوري الحديث حدثا متحولا وجليلا , فسجن تدمر يعبر حقيقة عن إرهاب نظام البعث السوري الأسود بمجازره الرهيبة ومأساته التاريخية التي تناقلتها الأجيال , لقد كان لتحرير المعتقلين ومن ضمنهم عشرات من أبناء الشعب اللبناني وبعضهم كان معتقلا لثلاثة عقود ماضية وثيقة تاريخية ينبغي أن يطلع عليها العالم الحر لتوثيق جرائم النظام التي زكمت الأنوف وأثارت الإشمئزاز! رغم أن العالم لايبدو مع الأسف مهتما بفتح سجلات النظام القذرة التي ستفتح واحدة تلو الأخرى بعد التحلل والسقوط النهائي للنظام وفتح إرشيف ومصائب فروع مخابراته التي إلتهمت أرواح آلاف السوريين والعرب وكانت عنوانا لقلاع إرهابية شاخصة معروفة للعالم أجمع لكن لم يجرؤ أي طرف على الإقتراب من حافاتها الخطرة , أو تسليط الأضواء الكاشفة عليها, وحدها المعارضة السورية الحرة والمسلحة ورغم ضآلة مواردها وصعوبة تحركها , إلا أنها إستطاعت أن تنجز المزيد وأن تحرر الأرض وأن تتقدم الصفوف لدحر النظام وفضح ملفاته القذرة غير المسبوقة في سجلات أعتى الأنظمة الإرهابية في العالم , النظام اليوم في حالة إنهيار وتحلل وتلاش واضحة المعالم , ولم يعد يمتلك من أدوات السلطة سوى عمليات القتل الشامل والمجاني وتوريط حلفائه وحلقته الطائفية الضيقة في سلسلة جرائم مروعة ضد السوريين سيدفع أثمانها من ساند النظام وسهل له مهمته الإرهابية التدميرية أو شارك بها بأي شكل من الأشكال , إنه الإنهيار الحتمي , فبعد إنسحاب الميليشيات الإرهابية العراقية , وبعد هزائم “حزب الله” الإرهابي وخسائره الثقيلة في جرود القلمون , وبعد هزيمة حلفائه الطائفيين في الشرق , تحرك النظام الإيراني سياسيا وعسكريا في خطوات يائسة لإنقاذ رأس النظام المتحالف معه ستراتيجيا مصلحيا ومصيريا منذ عام 1980 وزار مستشار الولي الفقيه علي أكبر ولايتي بزيارة بيروت ليعطي التعليمات اللازمة لعصابة “حزب الله” لإدارة ملف الإرهاب, كما عمد قائد الحرس الثوري الإرهابي الإيراني يحيى رحيم صفوي لمحاولة خلط الأوراق والتشويش على الحقيقة من خلال دعوته حزب الله لضرب إسرائيل من الأرض اللبنانية ليورط الشعب اللبناني في نزاع وحملات دمار جديدة لا ناقة لهم فيها ولا جمل , هزائم المعسكر الإيراني الإرهابي في الشرق قد بلغت القمة , وجثث الحرس الثوري الإيراني الواردة من بطاح العراق والشام صوب المقابر الإيرانية جعلت كابوس الهزيمة الشاملة للنظام السوري يقض مضاجع صانعي القرار في طهران الذين يتابعون مسلسل إنهيار حلفائهم الإقليميين وتقويض بيوت وأنظمة الرعب والجريمة المتحالفة معهم وحيث بانت وتجلت بشائر هزيمة المعسكر الفاشي الإرهابي المتحالف مع نظام طهران , كل وصفات الإستشاريين العسكريين والسياسيين الإيرانيين لم تعد تجدي نفعا , فلا ولايتي ولا صفوي ولا أي عنصر إيراني آخر باستطاعته حرف مسيرة التاريخ المتدفقة دوما لصالح الشعوب الحرة… والبراميل القذرة التي يرميها النظام السوري على رؤوس الشعب السوري سيكون برميلها النهائي والأخير منصبا على رأس النظام وحلفائه الذين سهلوا له طريق الجريمة, فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم , والمعبد السوري الإرهابي السلطوي قد تقوض وتهدم على رؤوس جلاديه… سورية أمام فجر جديد سيكنس معه كل حثالات الماضي ومزابل الإرهاب ولاصوت يعلو صوت حرية الشعب السوري الأبدية المقدسة.

الحقيقة الميدانية الوحيدة والمتجسدة تقول إن سورية على أعتاب تغيير تاريخي وأن جلاديها سيدفعون ثمن جرائمهم… فترقبوا قطع رأس الطغيان.