الـيـاس الزغـبـي/محمّد رعد كاشف الغطاء

323

محمّد رعد كاشف الغطاء
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/23 أيار/15

بإشارتين سريعتين اختصر رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمّد رعد في حديثه التلفزيوني الأخير العقيدة الأمنيّة والسياسيّة لـ”حزب الله” (هي الثالثة المكتومة بعد اثنتين علنيّتين منذ 1985). قال للأمين العام لـ”تيّار المستقبل” أحمد الحريري “حسابه بعدين”!  وقال عن رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة إنّه دون مستوى “الوليّ الفقيه”! عبارتان تختصران حال “حزب الله” والمرحلة التي بلغها بعد 33 سنة على تأسيسه، وتكشفان عمق المأزق المصيري الذي يتخبّط فيه، ويجرّ إليه لبنان. في العبارة الأُولى، وفي سياق تهديده العلني لوزير العدل أشرف ريفي والحريري، يؤكّد رعد ضيق صدر قيادة “حزب الله” من كلّ منتقد أو خصم لسياستها، إلى درجة التلويح بالإلغاء. وهو نهجها المعروف عمليّاً، المستور سياسيّاً، حتّى هذا التصريح على الأقلّ.

فلم يعُد خافياً ضلوع هذا الحزب في جرائم الاغتيال والاجتياح والانقلاب والخروج على شرعية المؤسّسات بقوّة السلاح وخلط الحدود و”توحيد الميادين” والاستهتار بالسيادة. ولكنّ ارتكاباته كانت مغلّفة في الغالب بالتغطية الاعلاميّة والتمويه السياسي، وبورقة، ولو شفّافة، تستر عورته.

ولكنّ انخراطه العلني في الحروب التي تشنّها مرجعيّته الإيرانيّة، وتباهيه العلني بها، ودعوته الصفيقة للبنانيّين كي يلتحقوا به، وخساراته وانتكاساته المتراكمة، جعلته يتخلّى عن التورية والتقيّة، وينزع ورقة التوت عن حقيقته. وربّ قائل إنّها زلّة لسان، أو استثمار سياسي من 14 آذار، أو مجرّد تحذير إعلامي، أو كلام تلفزيوني هوائي، أو نتيجة “تعصيب” عابر.. ولكن، كلّ هذه الأعذار التخفيفيّة لا تُلغي حقيقة الموقف والسياسة والقرار. وليس من باب التخويف أو المبالغة إذا طالب كثيرون بحماية الشخصيّتين اللتين تعرّضتا للتهديد، وشخصيّات كثيرة أُخرى مهدَّدة باستمرار. فمن لدغته أفعى “يخاف من جَرّة الحبل” كما في المثل الشعبي. وما زالت قضيّة عبوات التفجير والاغتيال التي نظمها الثلاثي الأسد مملوك سماحة ماثلة، وتتفاعل قضائيّاً وشعبيّاً وسياسيّاً. وكل هذا “الفريق الممانع” يُتقن فنون القتل والالغاء بجدارة موصوفة، وماضيه يشهد عليه. أمّا العبارة الثانية التي تفوّه بها زعيم برلمانيّي “الممانعة” فلا تقلّ هولاً وفظاعةً عن عبارة التهديد بالقتل ويوم “الحساب”، بل تفوقها إجراماً وإبادة. فالأُولى تهديد لأفراد مهما علت رتبهم، والثانية تهديد لدولة ووطن ومؤسّسات.

محمّد رعد، الناطق البرلماني “الديمقراطي” باسم “حزب الله”، وبصفته ممثّلا للبنانيّين، لـ”الأمّة اللبنانيّة” بحسب الدستور، وليس لأيّ “أمّة” أُخرى، يضع مرجعيّة أجنبيّة، وهي المرشد أو “الوليّ الفقيه” الإيراني، فوق المرجعيّة اللبنانيّة الدستوريّة الأُولى، أي رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة.

ولا يعتقدنّ أحد أنّها “زلّة لسان” أيضاً، بل هي تعبّر عن انحراف خطير في الانتماء والوطنيّة والولاء للبنان. إنّها سقطة أخلاقيّة تكشف عمق المأزق الثقافي في توجّه “حزب الله” ولبنانيّته. إنّها جوهر المشكلة التي يجسّدها في عقيدته وانتسابه وأدائه وأهدافه.

هذه الأزمة التي يكشفها تعبير رعد تفوق بأضعاف خطورة التسرّب الذي كانت تجسّده عقائد غير لبنانيّة تتخطّى مفهوم السيادة والاستقلال، كالقوميّة السوريّة والبعثيّة والأُمميّة الشيوعيّة.

هنا بيت الداء. وهنا يكمن العلاج الصحيح. “حزب الله” إيراني قبل أن يكون لبنانيّاً، بل إيراني وحسب. وهذه الحقيقة يجب أن تقال وتُعلن بلا وجل أو تردّد. هذه هي ثقافته وهذا هو انتماؤه. وكلّ متعامٍ عن هذه الحقيقة، من أقرب المقرّبين إليه وألصق “الحلفاء” به، عليه أن يدرك مع من يتحالف ومن يغطّي، تارةً تحت ستار “المقاومة”، وتارةً أُخرى تحت حجّة محاربة التكفيريّين. ومن يسعى إلى بناء دولة ووطن، عليه أن يبادر إلى معالجة هذه الآفة المدمّرة. فلا تفعيل حكومة، ولا تشريع ضروري أو غير ضروري، ولا خبط خارج الطريق باقتراحات مشبوهة وشعبويّة لانتخاب رئيس، ولا حلقات حوار المداهنة والمطاعنة، ولا التلويح بمؤتمرات تأسيسيّة.. تنفع. العلاج يبدأ بلبننة “حزب الله” عقيدةً وثقافةً وأهدافاً وأداءً. واللبننة كانت بدأت بتوقيعه “إعلان بعبدا” ثمّ هرولته للتنصّل منه، وكأنّ إيرانيّته لَسَعت ما كان قد تبقّى من لبنانيّته. فمن هناك يبدأ الحلّ، طوعاً أو قسراً. وإذا لم تتوافر الوسيلة الداخليّة لمعالجة الحديد وهو حامٍ، فنار الورطة في سوريّا كفيلة بليّه، وربما إحراقه. وقديماً قيل: آخر الدواء الكيّ.