اميل خوري/الموارنة لا يتفقون على رئيس قوي ويرفضون “الضعيف”… فيستمر الشغور

274

الموارنة لا يتفقون على رئيس قوي ويرفضون “الضعيف”… فيستمر الشغور
اميل خوري/النهار/11 أيار 2015

لفت اوساطاً سياسية وشعبية قول العماد ميشال عون في الذكرى المئوية الاولى لإبادة المسيحيين: “نرى جنوحاً نحو السيطرة في ممارسة الحكم وإضعاف المسيحيين وتعطيل دورهم وفق المبدأ الذي يقول: “ما هو لي هو لي، ما هو لك هو لي ولك”، وهذا ما يفقد المرجعيات المسيحية دورها بالنسبة الى من تمثل، ويخلق شعوراً بالحرمان لديهم يحيي فيهم شعوراً دفيناً بالقلق ويتسبب مجدداً بحزم حقائب الرحيل الى سماء جديدة يعيشون تحتها بحرية وعدالة وطمأنينة، ونحن واعون لهذه المشكلة ولن ندعها تتفاعل”.

هذا الكلام لماذا لا يترجم افعالاً بحيث يستطيع المسيحيون الاستعاضة عن قوة عددهم التي كانوا يتمتعون بها في السياسة من دون ان تؤثر فيها التعددية وحتى لا انقسامهم بين جبهات وأحزاب، بقوة دورهم التي تضعف بفعل انقسامهم.

وإذا كان بعض الزعماء المسيحيين يتساءل لماذا يوصل الشيعة الى رئاسة مجلس النواب الرئيس القوي، وكذلك السنّة الى رئاسة الحكومة، فإن هذا التساؤل يثير الاستغراب لأن الجواب واضح وهو ان الشيعة اتفقوا على ايصال هذا الرئيس القوي، وكذلك السنّة. اما المسيحيون، وتحديداً الموارنة، فلم يتفقوا على ايصال الرئيس الذي يعتبرونه قوياً الى رئاسة الجمهورية، انما اتفقوا على من هم الاقوياء ولم يتفقوا على من يختارون من بينهم… ليختبروا نيات حلفائهم المسلمين حيال من اختاروه رئيساً لمعرفة من يقف منهم مع هذا الاختيار ومن يقف ضده. أضف ان الزعماء الموارنة الذين اتفقوا على ان يكون رئيس الجمهورية من بين المرشحين الاقوياء لم يتفقوا على تسمية هذا المرشح، وظلوا يرفضون المرشحين الذين يعتبرونهم ضعفاء ليستمر الشغور الرئاسي الى اجل غير معروف، ثم يكتفي بعضهم بالبكاء او التباكي على اطلال الرئاسة الاولى، أو يدّعون ان الفراغ لا يخيفهم اكثر من رئيس ضعيف، ويلقون اللوم على الشريك المسلم لانه لم يساعدهم على ايصال الرئيس القوي الى قصر بعبدا، وإذا حاول ذلك اتهمه البعض بالتدخل لفرض هذا الرئيس او اختياره.

الواقع ان لا رئيس قوياً في لبنان إذا ظل السلاح خارج الدولة ومن دون حل، وما دام “حزب الله” لا يهمه ان يكون الرئيس قوياً او ضعيفاً، بل يهمه ان يكون مع بقاء هذا السلاح ليبقى الحزب اقوى منه واقوى من الدولة. وهذا ما عاناه الرؤساء الذين عاشوا الازمات مع السلاح الفلسطيني وسلاح الميليشيات اللبنانية، والآن مع سلاح “حزب الله”. ألم يقل الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله قبل سنوات “إن من يمس هذا السلاح تقطع يده”؟ وتجمع القيادات في الحزب على القول إنها مع الرئيس الذي يحتضن المقاومة ويكون متصالحاً معها، ويتمسك كما هو يتمسك، بمعادلة “الجيش والشعب والمقاومة” على رغم ان الحزب اثبت غير مرة انه هو وحده الذي يدير هذه “الثلاثية” وهو الذي يقرر ما يشاء من دون العودة لا الى الجيش ولا الى الشعب.

وعلى المسيحيين ان يوحدوا مواقفهم من القضايا الوطنية والمصيرية، لا ان تكون لهم ادوار متضاربة وان يصلوا أحياناً بها الى حد التصادم والتقاتل كما حصل غير مرة وكان اخطرها ما عرف بـ”حرب الالغاء”، فذهبوا الى مؤتمر الطائف وهم مهزومون عسكرياً وعادوا منه مهزومين سياسياً بقبولهم مكرهين تقليص صلاحيات الرئاسة الاولى. وها هم يخوضون اليوم حرب الترشح للرئاسة الاولى بعدد من المرشحين ولا يتوصلون الى اتفاق على مرشح واحد يكون قوياً بوحدة موقفهم منه ولا يصبح ضعيفاً بانقضاضهم عليه، ولا يتوصلون حتى الى اتفاق على حضور جلسة انتخاب الرئيس لجعل اللعبة الديموقراطية تأخذ مداها كما كان يحصل منذ الاستقلال، ولا يرتكب بعضهم خطأ تعطيل جلسات الانتخاب بالادعاء انه “حق سياسي وديموقراطي لهم”… وهو حق قد ينقلب عليهم اذا مارسه غيرهم. وعلى المسيحيين ايضاً. ان يتفقوا ليس على رئيس يعتبره البعض قوياً وبعض آخر ضعيفاً، انما الاتفاق على الآتي:

اولاً: ان يتم التوصل الى حل لمشكلة السلاح خارج الدولة من خلال استراتيجية دفاعية تضع هذا السلاح في كنف الدولة. وعندها يصبح الرئيس قوياً بقوة الدولة القادرة والعادلة، لا أن يصبح القوي ضعيفاً في دولة ضعيفة أمام سلاح خارجها.

ثانياً: ان يتم تأكيد سياسة تحييد لبنان عن صراعات المحاور لأن هذه السياسة هي وحدها التي تحمي استقلال لبنان وسيادته وحرية قراره وتحمي وجوده وكيانه، وتحمي خصوصاً المسيحيين والاقليات، لأن المسيحيين لا يعيشون براحة واطمئنان الا في كنف الحرية وفي ظل دولة مستقرة امنياً وسياسياً واقتصادياً ليكون النمو والازدهار وتتوقف الهجرة، خصوصاً بعدما دفعوا غالياً ثمن انحيازهم الى شرق وغرب او الى شرق وشرق…