يوسف دياب/سماحة- غزالي.. أوجه الشبه

290

سماحة- غزالي.. أوجه الشبه
يوسف دياب/المستتقبل/27 نيسان/15

كان محقاً وزير العدل أشرف ريفي عندما كشف عن مخطط لإغتيال مستشار بشار الأسد الوزير السابق ميشال سماحة لدى سوقه الى المحاكمة. وكان محقاً أيضاً عندما أعلن أن ثمة جهات سياسية في لبنان لا تريد لمحاكمة سماحة أن تبدأ لما لها وعليها من تداعيات داخلية وخارجية. خبر إعلان وفاة رئيس جهاز الأمن السياسي في النظام السوري رستم غزالي مقتولاً بالضرب ثمّ بالسمّ، يؤكد بما لا يقبل الشك أن نظام القتل والإجرام في دمشق ماضٍ في تصفية أقرب المقربين اليه، ومصرّ على إجتثاث كل رموز الحقبة الإجرامية وأي شخص قد يكون يوماً ما شاهداً على فظاعاته وإجرامه، بدءاً بقضية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكلّ الإغتيالات السياسية في لبنان، مروراً بمخططات إثارة الفتن وتصدير إرهابه من سوريا الى لبنان، وصولاً الى المجازر التي يرتكبها يومياً بحق أطفال سوريا بالأسلحة الكيمائية والبراميل المتفجرة. لا شكّ أن التحذير الإستباقي الذي أطلقه ريفي إنطلاقاً من خلفيته الأمنية وموقعه الرسمي ومعلوماته الدقيقة حال دون إستهداف سماحة وساهم في تقديم موعد محاكمته، وباغت فريق الممانعة بالإعترافات المدوية التي أدلى بها مستشار الأسد علناً وأمام قوس العدالة. كما أن هذا الموقف التحذيري قطع الطريق على محاولات نسف قضية سماحة مملوك عبر إزالة رمزها وشاهدها الحيّ بالتصفية الجسدية.

الآن وبعد تصفية غزالي بات مفهوماً أكثر سبب تخبّط ميشال سماحة وتناقضه أمام هيئة المحكمة وأمام وسائل الإعلام التي كانت تنقل وقائع الإستجواب. هو لم ينف أو ينكر أي واقعة سبق وإعترف بها أمام شعبة المعلومات. ما أراد قوله إنه جرى إستدراجه الى عمل أمني من خلال أجهزة مخابرات داخلية وخارجية، كان يهدف من خلاله الى حماية عائلته أولاً وحماية نفسه ثانياً كي لا يلقى مصير رستم غزالي. ولعلّ ما الجملة المقتضبة جداً التي أدلى بها أحد صقور الممانعة بعد الجلسة بقوله “إن إعترافات سماحة لن تمرّ” تحمل في طياتها الكثير من المعاني والتأويلات، خصوصاً وأن إفادة سماحة أفقدت فريق الدفاع عنه (المكوّن من محامين ممثلين لأحزاب النظام السوري في لبنان) الحجة على تقديم مرافعة لا يرجى منه تبرأة سماحة أبداً، بقدر ما تهدف الى محاولة حماية رأس النظام السوري من إتهام لا يحتاج بعد الآن الى دليل. لقد طوت محاكمة سماحة صفحة مليئة بالأدلة الدامغة والموثقة بالصوت والصورة والإعترافات الصريحة وباتت بالمنطق القانوني خارج أي جدل أو تحليل أو تبرير، الا أنها فتحت الواقع اللبناني على صفحات كثيرة، لقد أقرّ سماحة بـ”عضمة لسانه” بأنه رجل أمن سوري بإمتياز، هو وضع كلّ فريق الممانعة في قفص الإتهام. وإعترافاته ستكون لها تداعيات في السياسة وربما في الأمن أيضاً. وبات القلق على حياته مضاعفاً. فالنظام السوري قتل رستم غزالي بناء على وشاية بلغته تفيد بأن الأخير أودع إعترافاته بما خصّ إغتيال الرئيس رفيق الحريري لدى جهة دولية، وهذه الوشاية سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة كانت كفيلة بشطب غزالي من المعادلة الأمنية في سوريا، على الرغم من أنه كان رجل النظام الأول، أو أقلّه من الأوائل في نظام القتل والإجرام. فكيف الحال بميشال سماحة الذي باتت إعترافاته ملك محكمة الرأي العام اللبناني والعالمي قبل أن تكون ملك المحكمة العسكرية كهيئة قضائية.

كلّ المعلومات تؤكد أن ميشال سماحة لم يكن مستشاراً سياسياً للأسد فحسب، إنما كان مستشاراً أمنياً وفي الصفوف المتقدمة في قصر المهاجرين. وما بعد جلسة 20 نيسان لن يكون كما قبلها. لقد كشف سماحة وجهاً من الأوجه المتعددة لنظام بنى كلّ أمجاده على القتل وسفك دماء الأبرياء وترويع الآمنين. وهو سيحاول بأي طريقة أن يصل اليه حتى لا يكون هذا الرجل المقيّد اليوم برقابة حلفاء الأسد شاهداً حرّ التصرف أمام المحاكم الدولية التي تنتظر الأسد وكلّ جلاديه.

إن أوجه الشبه بين سماحة وغزالي باتت متطابقة الى أبعد الحدود، وإذا كانت إفادة سماحة كشفت عن دوره الخطير في ما كان يخطط له نظام الأسد في لبنان، وإذا كانت براعة اللواء الشهيد وسام الحسن ورفاقه في شعبة المعلومات تمكنت من القبض على هذا المجرم قبل تنفيذ مخططه الأخير، فإن هذه القضية تطرح السؤال المنطقي: كم سماحة لا يزال حراَ طليقاً يحيك الخطط والمؤامرات ضد لبنان وكل اللبنانيين؟.