غسان عبدالقادر/تقييم أوّلي لعاصفة الحزم: مفاجآت هزيمة المشروع الإيراني في اليمن

304

تقييم أوّلي لعاصفة الحزم: مفاجآت هزيمة المشروع الإيراني في اليمن
غسان عبدالقادر/موقع 14 آذار/22 نيسان/15

لا مبالغة في أن يُقال أن ما قبل عاصفة الحزم ليس كما بعدها، وأن تاريخاً جديداً للمنطقة بدأ يُكتب حينما قرر الملك سلمان بن عبدالعزيز الاستجابة لنداء الشرعية اليمنية المحاصرة في عدن، وأن يلبي أماني السواد الأعظم من العرب، من خلال اطلاقه عاصفة الحزم. عاصفة المفاجآت ساهمت الى حد كبير في هزيمة المشروع الإيراني في اليمن من خلال وقف اندفاعه، والحؤول دون الإحاطة من كل الجوانب بقلب العرب وبجزيرتهم، ويمكن وضع تقييم مبدئي لهذه الحملة.

أولى مفاجآت عاصفة الحزم كان عامل التوقيت في الاطلاق؛ فالصفعة التي وجهتها “العاصفة” لايران كانت غير متوقعة حيث كانت الترجيحات التي وضعها من يديرون اللعبة الإقليمية الإيرانية ترجيحات شبه معدومة لحدوث مثل هذه العملية العسكرية. فكانت التقديرات الايرانية تشير الى أنّ القيام بأي عمل عسكري الطابع فيما اذا حصل، لا بد أن ينتظر القمة العربية في مصر التي نظمت لاحقاً، لكن “العاصفة” سبقت القمة وفرضت القرارت التي صدرت عنها لاحقاً. وقد لعبت العمليات العسكرية المتهورة للحوثيين وبالتحديد سقوط لحج وقاعدتها الجوية المعروفة باسم “العند” يوم الأربعاء 25 آذار 2015، الإشارة الأكيدة أن “حركة أنصار الله” قد تخطت الخطوط الحمر ولن ترتدع إلا بالقوة، فكانت بداية “العاصفة” في اليوم التالي.

تكمن المفاجأة الثانية حول التنفيذ العملاني للضربات الجوية “للعاصفة” طوال 27 يوماً. فقد أسقط في يد محور الممانعة ممن كانوا يراهنون على أخطاء عسكرية أو فشل ميداني، وكانوا يمنوا النفس باسقاط طائرة هنا أو سقوط عدد من جنود التحالف العربي هناك، كي يثبتوا لأنفسهم ولجمهورهم أن لهم اليد العليا العسكرية والأمنية في المواجهات الجارية من لبنان وسوريا والعراق وصولاً الى اليمن. وتأتي هنا المفاجأة من جانب القيادة العسكرية للعاصفة التي أظهرت مستوى متقدم من البراعة و قدرة عالية للامساك بالأمور الميدانية ناهيك عن المظهر الإعلامي الراقي من خلال المؤتمر الصحافي للعميد احمد حسن العسيري، وقد واكبه جهد إعلامي حشد الدعم الشعبي المستنفر أصلاً.

مفاجأة أخرى حققتها العاصفة على المستوى الاستراتيجي حيث جاءت كرسالة موجهة الى طهران البعيدة التي دأبت على التوغل في الشرق الأوسط من دون حسب ورقيب وبالتحديد منذ سقوط بغداد في العام 2003. إيران التي فوجئت بالعاصفة حاولت رفع الصراخ التي أكّد المؤكد بأنها هي من يقف خلف الحوثيين في اليمن. لقد شكلت عاصفة الحزم دون شك صدمة غير متوقعة لمشروع إيران اليمني، ودفعت طهران الى البحث عن دلّ دبلوماسي واللجوء الى حوار سياسي كانت دفعت الحوثيين سابقاً لتفجيره. كانت طهران من أول المرحبين بوقف عاصفة الحزم بعد أن أثبتت اللمملكة أنها قادرة على ضرب بقوة عند اللزوم.

أما آخر المفاجآت والتي قد لا تكون آخرها، فهي الإعلان عن نهاية عملية “عاصفة الحزم” بنجاح من خلال 2415 طلعة جوية “نظيفة” والتي أستهدفت بنك الأهداف التي وضع لأجل ذلك بعناية مع فرض حصار يحظر وصول الامدادات الى الحوثيين وصالح بموازاة تأمين الحدود السعودية-اليمنية من تسلل محتمل. وبالتالي تمكنت من “كسب المعركة قبل أن تبدأ الحرب وأن العم الأكبر في الحرب هو تحقيق النصر لا إطالة الجملات العسكرية” وفق ما يمليه الكتاب الشهير “فن الحرب”؛ فقد كانت الأهداف واضحة، والعمليات معروفة، والبداية محددة ولكن الأهم كان أن النهاية كانت مقررة وفق إرادة العربية السعودية في حين كان يعول المحور الإيراني على تورط طويل الأمد للمملكة في صراع عسكري يؤدي الى إضعافها واستنزافها. ومرة أخرى، تفاجأ هؤلاء بالقرار السعودي القاضي بوقف العمليات العسكرية بعد أن استطاعت حماية عدن من السقوط، وتثبيت خطوط القتال، وتحقيق انتصارات ميدانية في عدد من المناطق، والأهم اخراج الآلة العسكرية التي استولى عليها الحوثيون من المعركة وبالتالي منعهم من استعمالها اليها لضرب الاستقرار على الحدود السعودية.

أما فترة ما بعد “العاصفة” والتي قد لا تعني انتهاء العمليات العسكرية، فقد تكون أيضاً حبلى بالمفاجآت حيث من المتوقع أن تعيد تقييم مجالها الحيوي وفق المنظور الجيو-استراتيجي. كما سيكون للرياض هامش واسع للمشاركة في صناعة القرار السياسي اليمني من أجل حمايته من اي تدخلات خارجية جائرة عبر وضع المسار السياسي على السكة الصحيحة ووفق المبادرة الخليجية خصوصاً مع ظهور انشقاقات كبيرة لدى المؤتمر الشعبي اليمني المحسوب على المخلوع علي صالح وكذلك انضمام عدد من القبائل للشرعية. وتبقى المعركة الكبرى والمستمرة التي فاجأت بها السعودية الجميع أنها تمكنت عبر “العاصفة” من ضرب إدعاءات التنظيمات الارهابية وعلى رأسها داعش، بأنهم هم حماة المسلمين السنة في وجه إيران الشيعية.