عبد السلام موسى/رأس المحكمة الدولية

216

رأس المحكمة الدولية
عبد السلام موسى/المستقبل/15 نيسان/15

بدا مستغرباً أن يقول بعض المخضرمين في عالم الصحافة، وعلى الهواء مباشرةً، أنه يريد «رأس المحكمة الدولية»، كما لو أنه يريد رأس رفيق الحريري مرة ثانية، أو أنه يريد «رأس لبنان». قد يكون ما قيل «زلة لسان» فرضتها أجواء التضامن التي كانت في أوجها مع قناة «الجديد»، في وجه الدعوة المقامة ضدها بجرم «تحقير» المحكمة. لكن ما قيل له ما قبله وما بعده، من وقائع تدفع إلى إبداء الأسف الشديد، لكونها أبعد ما تكون عن التضامن مع وسيلة إعلامية، وأقرب ما تكون إلى التضامن مع منطق «تقديس» القتلة الهاربين من وجه العدالة. الواضح، أن ثمة فريقاً بأسره يضيق صدره بـ»حراجة» ما تكتبه شهادات المحكمة من تاريخ ينصف رفيق الحريري، وقد غاب عن باله، أن «رأس المحكمة» ليس «رأساً نووياً» يمكن مقايضته بصفقة، أو «رأس عبد» يمكن الاستمتاع بأكله، إنما هو «رأس» أعلى مرجعية قضائية دولية، لم تحقر أحداً، ولم تطلب «رأس» أحد، إنما تمضي في عملها، بكل مهنية، وتعطي للدفاع عن المتهمين نفس ما تعطيه للادعاء، وكل ذلك من أجل إحقاق العدالة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد، ومن أجل حماية «رؤوس اللبنانيين»، أو أقله ما تبقى من «رؤوس» سياسية واعلامية وأمنية، من خطر الاغتيالات التي نالت، منذ العام 2005، من خيرة رجالات هذا البلد، من الرئيس الشهيد إلى الوزير الشهيد محمد شطح.

كل ذلك يفترض أن يكون معروفاً من قبل بعض «الرؤوس» التي أضاعت بوصلة المنطق، ولا سيما الصحافية منها، والتي يفترض أن تحافظ على الحد الأدنى من الموضوعية والمهنية في مقاربة ملف المحكمة الدولية، حتى ولو كان المراد التضامن مع وسيلة إعلامية أصرت على أن تخوض في «حملات مقدسة» ضد المحكمة، نيابة عن «القديسين» المتهمين. لا شك أن لأي كان الحق في التضامن مع من يريد، مع «الجديد» مع «الأخبار» لا يهم، لكن التضامن شيء، وطلب «رأس المحكمة» شيء آخر، والفارق بينهما شاسع، في ظل تحول التضامن «السلمي» إلى «عنفي»، واستغلال منبره لقول الباطل الذي يراد منه الباطل أيضاً. طبعاً، لن ننجر إلى «اللامنطق» في الرد على من يشتهون «رأس المحكمة الدولية»، فالجمهور الذي ينتظر العدالة على دروب الوفاء لرفيق الحريري لن تعنيه كل «أصوات النشاز»، حتى ولو استفزته، بقدر ما تعنيه كلمات الرئيس سعد الحريري الصادقة، من لاهاي، حين شدد على «أن موقفنا منذ اللحظة الأولى وفي كل لحظة كان وسيبقى طلب العدالة، لا الثأر، وطلب القصاص، لا الانتقام». ومع الرئيس الحريري نقول، لا نريد «رأس» أحد. نريد العدالة، ونؤمن أنها آتية، مهما تأخرت، إنما نأمل في الطريق إليها، أن لا يبيع البعض أنفسهم للشيطان مجدداً، وأن لا يتطوعوا لقتل رفيق الحريري، مرة ثانية وثالثة.
() منسق عام الإعلام في تيار «المستقبل»