زلماي خليل زادة/أربعة عيوب قاتلة في الصفقة النووية الأميركية مع إيران

267

أربعة عيوب قاتلة في الصفقة النووية الأميركية مع إيران
زلماي خليل زادة/السياسة/12 نيسان/15

في ثقافتنا السياسية التي تحركها العلاقات العامة هذه الايام نجد ان الحكومة المسيطرة على مقاليد الامور عندما تتخذ قرارا يتعلق بقضية سياسية مهمة تحاول الدعاية لهذا القرار في الداخل والخارج وغالبا ما تبالغ في فوائده وتقلل من حجم المشكلات المتعلقة به ومثال ذلك الاتفاق النووي الاخير مع ايران. لقد لجأت الادارة الاميركية الى لغة المبالغة ووصف الرئيس الاميركي باراك اوباما هذا الاتفاق بأنه تاريخي مدعيا ان الاتفاق يحقق الاتي:

فرض قيود محددة على عملية تخصيب البلوتونيوم ما يمنع ايران من انتاج اسلحة نووية وهذا ما يساعد على تحقيق حالة الاستقرار الاقليمي وعدم انتشار الاسلحة النووية.

عمليات التفتيش المقررة ستحدد ما اذا كانت ايران ملتزمة التزاما جديا بتنفيذ بنود الاتفاق اما انها تنوي خداع العالم

في حالة حدوث انتهاكات ايرانية للاتفاق فان العقوبات سيعاد فرضها على طهران مرة اخرى بصورة تلقائية.

مثلما تشير فتوى المرشد الايراني الاعلى لاتزال ايران ملتزمة بقراراها الخاص برفض الحصول على اسلحة نووية.

علينا الا ننسى ان وزير الخارجية الايراني اتهم البيت الابيض بالتلاعب في بعض العبارات الواردة في الاتفاق وربما كانت هناك اختلافات ذات مغزى بين كشف الحقائق الموجودة لدى البيت الابيض والنسخة الايرانية للاتفاق وما علينا الا الانتظار كي نرى الحقيقة بجلاء.

واذا تخطينا مشكلة المبالغة والتلاعب بالكلمات فاننا سنجد انفسنا في مواجهة اربعة عيوب جسيمة تقلل من قيمة هذا الاتفاق وتحط من قدره وتعرض الاطراف الموقعة عليه للمزيد من المخاطر المهلكة.

هذه العيوب الاربعة هي:

أولا: استخدام المرشد الاعلى في ايران لكلمة “فتوى” دليل على النوايا الايرانية الحقيقية في الوقت الحالي وفي المستقبل وهي كلمة خاطئة تماما في مثل هذا الاتفاق ومن الافضل كثيرا الاعتراف بان الحصول على اسلحة نووية ظل وسيظل هدفا ايرانيا حقيقيا.

المعروف ان رغبة ايران في استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء ضعيف جدا وايران غنية بالكربوهيدرات ولديها كميات بالغة الفخامة من الغاز الطبيعي ومن المؤكد ان ايران يمكنها بسهولة الحصول على مكاسب اقتصادية ضخمة ان هي عملت على توليد الطاقة الكهربائية باستخدام بدائل الطاقة النووية.

بالاضافة الى ذلك لا تحتاج ايران الى امكانات خاصة لتخصيب اليورانيوم وهذه الامكانات واردة بالاتفاق المذكور ولديها مفاعل واحد حصلت عليه من روسيا مع الترتيبات اللازمة للحصول على امدادات الوقود طويلة الاجل للاستمرار في تشغيل هذا المفاعل.

الافتراض المنطقي هو ان ايران ظلت تسعى للحصول على الطاقة المدنية من اجل اكتساب امكانية الحصول على الاسلحة النووية الحربية اي انها استخدمت ولا تزال تستخدم الطاقة الاولى للتغطية على الطاقة الثانية ورغم ان ايران وقعت على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية التي تتضمن شرط الالتزام بعدم السعي الى الحصول على اسلحة نووية فانه من الواضح انها كان لديها برنامج سري يتعلق بالاسلحة النووية وبتصميم مثل هذه الاسلحة كما ان هناك مهمة لاتزال على عاتق مفتشي وكالة الطاقة الذرية الدولية وهي التدقيق وسبرغور هذه المشكلة بكل جلد واصرار بسبب عدم توفر التعاون الايراني بهذا الشأن.

بعد انتهاء حرب الخليج طالب القادة الايرانيون كهاشمي رفسنجاني بان تلجأ ايران الى استخدام الاسلحة النووية حتى تتجنب مصيرا مثل مصير العراق وبعد الغزو الاميركي للعراق عام 2003 خشيت ايران من ان تصبح هي الهدف التالي لأميركا, وحدثت حالة بطء في تنفيذ البرنامج النووي, ومع زيادة متاعب اميركا في العراق والتي كان لايران نصيب فيها بدأت طهران في توسيع برنامجها النووي تحديا لقرار مجلس الامن الذي دعاها الى تعليق انشطتها في مجال انتاج اسلحة يشتبه في صلتها ببرامج نووية.

لا تزال فتوى خامنئي غامضة كما اصبح لها تفسيرات مختلفة وقد يلجأ الايرانيون الى الاخفاء والمداراة لتضليل اعدائهم الى ان يفاجئوهم بقوتهم غير العادية ويهزموهم وبالاضافة الى ذلك ليس هناك من يمنع خامنئي او من سيخلفه من اصدار فتوى جديدة بعد الحصول الفعلي على الاسلحة النووية وعندئد يصف ذلك بانه انتصار كبير على القوى الكبرى التي تريد السيطرة على المسلمين والهبوط الدائم بمستواهم ويعرب عن بهجته وامتنانه لهذا التطور العظيم.

لم يكن للرئيس الاميركي ان يشير الى فتوى اصدرها المرشد الاعلى المعادي لاميركا والذي يشهد سجله السابق الطويل بالخداع والمراوغة واي شخص يراجع سجل السياسة الايرانية على مدى الخمس والثلاثين سنة الماضية سيجد ايران مستمرة في التمسك بهدفها الخاص بالحصول على اسلحة نووية, الا ان الضرورات السياسية والاقتصادية اجبرت قيادتها على المطالبة بتخفيف العقوبات المفروضة عليها مقابل بعض التنازلات المحدودة وربما التكتيكية المؤقتة.

ثانيا: هذا الاتفاق حتى وان صحت تقديرات اوباما بانه سيؤجل عملية انتاج مواد انشطارية لازمة لصنع سلاح نووي واحد – سيتسبب في وجود مخاطر كثيرة والمعروف ان الاتفاقية الاميركية – الايرانية تفرض قيودا على برنامج التخصيب الايراني وتغير من برامج انتاج البلوتونيوم كما تفرض ايضا قيودا مشددة على كميات اليورانيوم المخصب المخزونة, وتحد من كمية اجهزة الطرد المركزي التي تفصل السوائل ذات الكثافات المختلفة بعضها عن بعض, وتفصل كذلك بين السوائل والمواد الصلبة.

ومما لا شك فيه ان ايران التي تفصلها عن انتاج القنبلة النووية سنة واحدة افضل بكثير من ايران التي تفصلها عن انتاج هذه القنبلة ساعات قليلة او ايام او شهور وكلما طالت المدة سنتان او ثلاث او ربع او اكثر كان ذلك افضل.

في ما يلي اخطر العيوب المتعلقة بالاتفاق النووي الاخير بين الولايات المتحدة وايران:

أ- لوحظ ان القيود المفروضة على ايران لمنعها من انتاج القنبلة النووية ترتبط بمدة زمنية محددة 10 سنوات لتخصيب اليورانيوم و15 سنة لتخصيب البلوتونيوم: وبعد ذلك تصبح ايران حرة في توسيع برنامجها النووي وفقا لرغبتها وهذه المدة الزمنية التي تتراوح بين 10 و15 سنة بالنسبة لادارة اميركية تريد اثبات انجاز باهر لم تحقق مثله ادارة سابقة, تعتبر مدة طويلة الا انها بالنسبة لحياة الشعوب تعتبر مدة قصيرة جدا.

ب – تشير بيانات الادارة الاميركية الى ان هذه الادارة تعتمد على التزام ايران ببنود اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية والواقع ان سجل ايران بهذا الخصوص لا يبعث على الطمأنينة وهي معروفة بمخالفتها بنود الاتفاقية المذكورة, وايضا قرارات مجلس الامن الدولي.

وليست هناك اسباب واضحة تدعونا الى الاعتقاد ¯ هذه المرة ¯ بان ايران ستتصرف بصورة مختلفة عن تصرفاتها السابقة في ما يتعلق بالبنود سابقة الذكر.

علق البعض قائلا ان على المدى القصير قد لا تبدو الاوضاع متسمة بالخطر لان لايران في الوقت الحاضر نظام حكم مختلف, ويبدو انه اكثر ميلا الى التعاون مع الولايات المتحدة الاميركية, واقل اهتماما بالاسلحة النووية, وللرد على هذا الرأي نقول ان اي شيء جائز بكل تأكيد, الا ان هذا الامل الضعيف لا يمكن ان يكون اساسا لاتفاق تحفة المخاطر خصوصا في ظل التردد الاميركي ازاء تقديم الدعم او التأييد الملموس للمعارضة الديمقراطية الايرانية.

ج) ¯ ان الاتفاق النووي الاميركي ¯ الايراني سيمهد الطريق امام الاخرين وخصوصا المنافسين الاقليميين لتحقيق طموحاتهم النووية. وستلجأ المملكة العربية السعودية ¯ على سبيل المثال ¯ الى تطوير امكاناتها في هذا المجال لتصبح دول نووية ¯ او على الاقل الاقتراب من انتاج مثل هذه القنبلة مثلما هي الحال بالنسبة لايران خلال عام من امتلاك الامكانات المساعدة.

وبعد الكشف عن تفاصيل الاتفاق والبدء في تنفيذ البنود فان الكثيرين يعتقدون انه سيكون بامكان ايران انتاج القنبلة النووية بعد تسعة اشهر تقريبا وتقول بعض المصادر في الادارة الاميركية ان ايران حاليا يمكنها ¯ بعد ثلاثة اشهر ¯ صنع قنبلة نووية ويمكن ان يتم ذلك من خلال تشجيع عدد من الدول الاخرى بالخروج من اطار مدة مفترضة تقدر بسنوات عدة, والدخول في اطار جديد يحدد المدة بسنة واحدة. وفي منطقة مضطربة مثل الشرق الاوسط لن يساعد مثل هذا الاتفاق قضية حظر انتشار الاسلحة النووية.

ثالثا: اعتمد الرئيس الاميركي على كفاءة عمليات التفتيش معتقدا ان احتمالات الخداع او الغش من الجانب الايراني ستكتشف بسهولة, وسيعلن عنها في وقتها ما يسمح للولايات المتحدة وحلفائها بمنع ايران من الحصول على قنابل نووية. الا انه من الواضح ان مثل هذه العمليات تستغرق وقتا طويلا, كما ان النتائج لاتزال غامضة في ما يتعلق بسجلات لجان التفتيش الدولية. كما ان التفاصيل الكاملة المتعلقة بعمليات التفتيش الخاصة بالاتفاق النووي الاخير لم يعلن عنها ولهذا من الصعب اجراء تقييم حاليا.

لقد اوضح لنا التاريخ ان تكنولوجيا جمع المعلومات السرية واعمال التفتيش اصبحت اكثر تطورا وتقدما, وكذلك امكانات الاخفاء والتمويه والخداع, وبامكان ايران بناء منشات جديدة لتخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم تحت الارض في مكان بعيد او حتى في وسط ايران من دون علم اميركا, وقد تنجح اميركا في تجنيد بعض المخبرين لتزويدها بالمعلومات السرية. الا اننا لا نستطيع الاعتماد على الحظ.

رابعا: يفترض الاتفاق على اعادة فرض العقوبات على ايران ان هي اخلت ببنود الاتفاق, وليس واضحا حتى اليوم كيفية اعادة فرض العقوبات فالاتفاق يقول ان فرض العقوبات سيتم بطريقة اوتوماتيكية, الا ان الطريقة ليست محددة وطبيعة المخالفات ستظل غامضة وبخاصة اذا ارتبطت ببعض الشبهات والشكوك كما ان ايران لا تزال تطالب برفع العقوبات حتى الآن: بل ان هناك شكوكا تتعلق بموقف روسيا والصين اذا قررت اميركا اعادة فرض العقوبات بل ان هناك احتمالا في ان يطالب الحلفاء الاوروبيون بتوفير الوقت اللازم للمراجعة وايجاد الحلول الوسط وتقديم بعض التنازلات بدلا من اعادة فرض العقوبات والاضرار بالأوضاع الاقتصادية لاكثر من دولة.

ان الاتفاق يمكن ان يجدد مشاعر الامل في حل المشكلة اذا قررت الحكومة الايرانية بالفعل عدم السعي للحصول على اسلحة نووية, وامتد الوفاق ليشمل امتناع ايران عن تقديم صواريخها لبعض الارهابيين الذين يستخدمونها في عملياتهعم ضد اطراف اخرى, ولجأوا طواعية الى الاسهام في تحقيق حالة من التوافق الاقليمي.

اما اذا اصرت ايران على ضرورة امتلاك الاسلحة النووية – وهذا ما يعتقده الكثيرون- ونحن منهم- فان الاتفاق النووي سيظل معرضا للمخاطر ما لم تحدث تغييرات تتعلق بجوانب عدة مثل احتمالات اعادة فرض العقوبات وتحديد ابعاد القوة العسكرية التي تنشرها ايران في النهاية.

**الكاتب مستشار في مركز الدراسات الستراتيجية والدولية الأميركي, وهو السفير الأميركي السابق في افغانستان والعراق والأمم المتحدة, والمقالة نشرت في “ناشيونال انترست”

ترجمة محمد صفوت