رابط فيديو مقابلة من محطة الجديد مع الكاتب السياسي نقولا ناصيف يتناول من خلالها تحليله الشخصي للمسار الرئاسي ولمطالب حزب الله الرئاسية والسلطوية وللأدوار الدولية والإقليمية في التعاطي مع هذا الإستحقاق/المرشّح الثالث: مأزق يخلف المأزق/الفكرة القطرية المفيدة: شطب فرنجية وعون معاً/الوساطة القطرية: الثنائي يتمسك بفرنجية وباسيل لا يمانع البيسري

32

رابط فيديو مقابلة من محطة الجديد مع الكاتب السياسي نقولا ناصيف يتناول من خلالها تحليله الشخصي للمسار الرئاسي ولمطالب حزب الله الرئاسية والسلطوية وللأدوار الدولية والإقليمية في التعاطي مع هذا الإستحقاق/المرشّح الثالث: مأزق يخلف المأزق/الفكرة القطرية المفيدة: شطب فرنجية وعون معاً/الوساطة القطرية: الثنائي يتمسك بفرنجية وباسيل لا يمانع البيسري

الثلاثاء 3 تشرين الأول 2023

في أسفل آخر 3 مقالات للكاتب السياسي نقولا ناصيف في جريدة الأخبار

المرشّح الثالث: مأزق يخلف المأزق
نقولا ناصيف/الأخبار/ الثلاثاء 3 تشرين الأول 2023

الفكرة القطرية المفيدة: شطب فرنجية وعون معاً
نقولا ناصيف/الأخبار/ السبت 30 أيلول 2023

الوساطة القطرية: الثنائي يتمسك بفرنجية وباسيل لا يمانع البيسري
نقولا ناصيف/ألخبار/الثلاثاء 26 أيلول 2023

********************************
المرشّح الثالث: مأزق يخلف المأزق
نقولا ناصيف/الأخبار/ الثلاثاء 3 تشرين الأول 2023
اخيراً استراح اللبنانيون من ضجيج المبادرتين الفرنسية والقطرية. كأن الموفدين الزائرين لم يأتيا ولم يغادرا، ما خلا انهما خلّفا وراءهما لغماً يتلهى الاستحقاق به بعض الوقت: المرشح الثالث. الصائب في ما تلى الاسابيع المنصرمة في زيارة الموفديْن ان انتخاب الرئيس لا يزال مفقوداً
بانحسار موجة الاهتمام بالمبادرة القطرية، بعد المبادرة الفرنسية، يعود انتخاب الرئيس الى حيث كان. عالق بين تصلّب الفريقيْن المتناحريْن، مشوب بالغموض والضبابية، حائلاً دون مقدرة اي احد على الجزم سلفاً بما سيؤول اليه. سيبقى يدور من حول نفسه ليس الا في انتظار حدث ما.
مع ذلك، ثمة ما تحرّك فيه دونما ان يمنحه آمالاً وفرصاً ايجابية مؤكدة. التطور المستجد، مع انه حديث قديم لدى افرقاء في الداخل لم يثمر مرة، ان يتقاطع الخارج المعني حول فكرة ان المرشح الثالث كفيل بإخراج انتخاب الرئيس من مأزقه. التقى الموفدان الفرنسي جان ايف لودريان والقطري جاسم بن فهد آل ثاني عليها دونما ان يفصح اي منهما عن المرشح الثالث الذي يقصده او يسميه. اجتمعا على ان استمرار السجال بين مَن يصر على انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية ومَن يصر على رفضه لن يفضي سوى الى اطالة اجل الشغور الرئاسي بلا حلول. بيد ان بلوغ الزائريْن الفرنسي والقطري هذا الاستنتاج اتى من طريقيْن مختلفين انتهيا الى محطة وصول واحدة. كلاهما اظهرا من خلال اقتراحهما المرشح الثالث التراجع عن مرشح كل منهما كانا يدعمانه: لودريان متحمس لفرنجية على انه شرط لتسهيل انتخاب الثنائي الشيعي رئيساً للجمهورية، وآل ثاني متحمس لقائد الجيش العماد جوزف عون على انه افضل الخيارات انسجاماً مع السيرة التاريخية المواكبة لترشيح قائد الجيش على مر العهود انه على رأس مؤسسة موثوق بها غير منحازة.
مع ذلك اصطدمت مبادرتاهما بأكثر من تحفظ في الاتصالات واللقاءات التي اجرياها تباعاً مع الافرقاء المعنيين، من وفرة التفسيرات المختلفة والمتناقضة لما رميا اليه والمواصفات التي توخياها كي يؤتى بمرشح ثالث ليس سوى مأزق سيخلف المأزق:
اولها، احراج لودريان الثنائي الشيعي بتخليه عن فرنجية فيما كان في ما مضى اكثر المسوِّقين لانتخابه. ضاعف في احراجه تلميحه الى ضرورة تجاوز جلسة 14 حزيران بمرشحيْها فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور بغية التوافق على مرشح ثالث اتاح الاعتقاد بأنه يلمّح الى قائد الجيش. اقوى المرشحين المحتملين الباقين والاكثر قدرة على استقطاب دولي من حوله رغم الانقسام الداخلي عليه: بين مَن يرفضه كرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ومَن يتجنب التحدث عنه ويتمسك بمرشحه كالثنائي الشيعي، ومَن يعلن استعداده لانتخابه كحزب القوات اللبنانية ونواب مستقلين. في نهاية المطاف من دون حزب الله وحركة امل، يصيب ترشيح عون ما يصيب ترشيح فرنجية من المقلب الآخر. كلاهما الى الآن عاجزان عن احضار ثلثي النواب على الاقل الى جلسة انتخاب احدهما. الاصح ان يقال ايضاً انهما عاجزان عن احضار الطوائف كلها الى انتخاب اي منهما.
ثانيٍها، الدور المتناقض الذي يضطلع به الوسيط القطري. تكمن مشكلته في انه يتحدث مع ايران وحزب الله من دون ان يكون قريباً من فرنجية او مؤيداً له، وفي الوقت نفسه على عداء مكشوف مع سوريا حليفتهما. تالياً اختار سلفاً مرشحه الذي هو قائد الجيش من غير تمكنه لاحقاً من اقناع حزب الله بالاستغناء عن ترشيح فرنجية. لم تقل قطر مرة انها مع اي مرشح، الا ان دعمها انتخاب عون اضحى صنو دوافع تحرّكها في مجموعة الدول الخمس وفي لبنان. مع ذلك تحدثت عن مرشح ثالث. فَهِم حزب الله من آل ثاني التخلص من فرنجية وعون معاً، وفَهمِ الثنائي المسيحي منه التخلص من فرنجيه وازعور. اظهر الموفد القطري في نهاية المطاف مهمته مطابقة لنظيره الفرنسي: كلاهما يبحث عن دور ونفوذ ولا يملك مشروعاً.
ترويج الموفديْن الفرنسي والقطري لمرشح ثالث اظهر تخلي كل منهما عن مرشحه
ثالثها، تكشّف احجام الادوار التي تضطلع الدول الخمس في لبنان وفي الاستحقاق الرئاسي بالذات. بينما يقتصر الدوْران الفرنسي والقطري على انهما مؤثران اكثر منهما فاعليْن، فإن الدوْرين الآخريْن الاميركي والسعودي يتمايزان بمقاربتين مختلفتين: الاول يقول ما لا يريده في انتخاب الرئيس دونما الكشف عما يريده فعلاً منه، ويتصرف حياله بلامبالاة بتفويض المهمات موقتاً الى سواه الى ان يحين أوان الحلول. لم يخفَ على احد تحمّسه لانتخاب قائد الجيش. في الوقت نفسه يقرّ الاميركيون بالنفوذ المتشعب والواسع لحزب الله في الدولة والشارع في معادلة الاستقرار او الفوضى في لبنان دونما الاعتراف علناً به. ذلك ما يحمل عائدين من واشنطن على القول ان لا ملف يدعى لبنان على طاولة اي من المسؤولين الاميركيين الكبار او المعنيين.
على طرف نقيض منه يتصرف الثاني. اخيراً منذ اجتماع 14 ايلول في سفارتها في بيروت، بدأت السعودية تعبّر عن اهتمامها بلبنان بلا افراط او مغالاة. رغم المواقف المعلنة سابقاً التي عبّرت فيها الرياض عن ادارتها الظهر لانتخاب الرئيس، كانت على الدوام معنية به ومحط تشاور واستقطاب افرقاء لبنانيين وخارجيين. لم يكن خافياً ان الورقة الفعلية التي تمسك بها كانت بين يديها على الدوام من دون ان ترسل اشارات الى استعمالها. اعطت دليلاً بذلك عند إحجام النواب السنّة عن التصويت لأازعور في جلسة 14 حزيران المفترض انه منافس فرنجية مرشح الثنائي الشيعي. بيد ان احداً لم يسعه في اي وقت انكار حقيقة معروفة هي ان المملكة صاحبة الصوت السنّي اللبناني ومرجعيته التي يختلط الديني فيها بالسياسي. كانت كذلك على مر عقود قبل الرئيس رفيق الحريري وفي ظله، ثم من بعده مع نجله الرئيس سعد الحريري ومَن خَلَفه، وبعد معاقبته بحمله على الخروج من المعترك السياسي وتحوّله رجل اعمال ليس الا يسدد ديونه لديها.
ليس الاهتمام السعودي، غير الدعائي ولا المنشور على السطوح، سوى جزء من منطق تعيه الرياض تماماً: لبنان مهم لايران مقدار اليمن مهم لها. كلاهما ورقتان تستحقان المجازفة وموقع متقدم في النفوذ الاقليمي وفي داخل ذيْنك البلدين المنهكيْن.

الفكرة القطرية المفيدة: شطب فرنجية وعون معاً
نقولا ناصيف/الأخبار/ السبت 30 أيلول 2023
كما مع الموفد الفرنسي، كذلك مع خلفه القطري. يسهّلان الاستنتاجات والإيحاء بقرب المخارج، مع أنّ ما سمعاه واحد ممن التقياهم. عزّز موجة التفاؤل المصطنعة تحدّثهما عن «خيار ثالث»، فيما كلٌّ من فريقَيِ التناحر لم يتزحزح في الأصل عن خياره الأول
مَن اطّلع على الأفكار التي حملها معه الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني، لم يسعه سوى استخلاص عبارة مفيدة. الزائر ليس غريباً عن بيروت. لسنوات، كان إحدى قنوات التواصل بين جهاز أمن الدولة القطري والمديرية العام للأمن العام في تبادل معلومات عن الإرهاب والخلايا. حضر أكثر من مرة، وله صداقات مع ضباط نظرائه في الجهاز اللبناني. لم يكن آنذاك الأول أو من المتقدّمين بين أقرانه في أمن الدولة، مقتصراً دوره على التواصل. اليوم، مهمته الجديدة أمنية لا صلة لها بما اعتاد عليه. إلا أنها أكثر تعقيداً ممّا يفترض أو يتوقع. ليس فيها تبادل تقارير ومعلومات، بل الدخول في جوف الحوت اللبناني.
أما الأفكار المفيدة والبسيطة التي حملها معه ممّا لمسه محدّثوه، فتكمن في بضع معطيات؛ منها:
1 ـ يُعوّل على إحداث تغيير جوهري في مسار الاستحقاق: أن يتخلّى الثنائي الشيعي عن ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، أو يقبل به الفريق المسيحي، أو الذهاب ـ وهو ما رامه ـ الى رئيس واقعي. الأجوبة التي تلقّاها بالغة السلبية من كليْهما. لا الأول يفكر في خيار ثان أو يطلبه ويتمسك بمرشحه، ولا الثاني جاهز للتنازل عن رفضه له. مع أن آل ثاني توقّع سلفاً قبل مجيئه أنه سيسمع ذيْنك الموقفَيْن المتصلّبين، إلا أنه قدّم حجّته لهما: لا يملك الثنائي الشيعي وحلفاؤه سوى 50 صوتاً في حدّ أقصى، وإذا انضمت إليه كتلة النائب جبران باسيل ـ المستبعد حصوله ـ توفر له النصف زائداً واحداً، دون تمكنه من انتخاب فرنجية. الحساب نفسه لدى الفريق الآخر، يملك الأصوات نفسها أو أكثر بقليل لمنع انتخاب فرنجية، إلا أنها تمنعه من انتخاب أيّ مرشح آخر بمن فيهم قائد الجيش العماد جوزف عون، غير الموافَق عليه من الثنائي الشيعي ما دام متمسكاً بمرشّحه. كلاهما عاجزان عن توفير ثلثَي الأصوات على الأقل في البرلمان لالتئامه.
2 ـ المعادلة الأحدث في حسبان الموفد القطري أن الاستحقاق بات بين فرنجية وعون. قبلهما، أخفقت معادلتان سابقتان تمثّلتا في ثنائية فرنجية والنائب ميشال معوض، ثم ثنائية فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور. كلتاهما فشلتا في أن تفضيا الى طرد المرشحَين معاً من المعترك. المأزق نفسه اليوم في ثنائية رئيس تيار المردة وقائد الجيش. يتعذّر انتخاب أحدهما في ظل الانقسام السياسي والمذهبي الناشئ من حول ترشيحَيهما، مع أن معوض وأزعور ترشّحا فيما لم يفعل عون ولا يملك أن يفعل لموانع دستورية ويتصرّف على أنه غير معنيّ بالاستحقاق برمّته. وفيما يتوحّد الثنائي الشيعي وحلفاؤه حول فرنجية، ينقسم الفريق المسيحي على نفسه حيال ترشيح قائد الجيش: يرفضه باسيل، ولا تمانع به المعارضة المسيحية إذا أمكن من خلاله استبعاد انتخاب فرنجية.
ثنائية فرنجية ـ عون: لا يقلع المسمار إلا مسمار
الفكرة المفيدة للموفد القطري أن ثالث ثنائيات المرشحين يقتضي أن تكون آخرها، وتالياً استبعاد فرنجية وعون معاً، والذهاب الى ما سمّاه «الخيار الثالث». المفارقة في الأمر أن آل ثاني وضع اسم قائد الجيش في رأس لائحة الأسماء الأربعة التي حملها، مع علمه المسبق برفض الثنائي الشيعي اللائحة برمّتها، بمن فيها أول أسمائها. واقع الأمر أن اللائحة الفعلية لقطر هي الأسماء الثلاثة الآتية: اللواء إلياس البيسري والنائب نعمة افرام والوزير السابق زياد بارود. مغزى تسمية عون، أولها ينسجم والقول الفرنسي المأثور: لا يقلع المسمار إلا مسمار.
3 ـ مقدار ما تدغدغ فكرة «خيار ثالث» آمالاً ومشاعر بقرب أوان الحل، تبدو أبعد ما تكون عن الواقع. لم تعنِ الثنائي الشيعي شيئاً، ولم يتمكن آل ثاني من الحصول على أجوبة وافية من فريقَي الثنائي المسيحي باتفاقهما على أحد الأسماء الثلاثة التالية فيها بعد قائد الجيش. لعلّ أصعب ما في الدور القطري ـ وهو مصدر ضعفه ـ أنه لا يملك في لبنان كالأميركيين والسعوديين عدّة شغل وأدوات تتيح له إنجاح مهمته. هي حال الفرنسيين أيضاً، لا عدّة شغل جدية لديهم في الداخل، رغم ما يشاع عن تزايد حوارهم مع حزب الله وتقدمه. القطريون مثلهم. لا هؤلاء ولا أولئك هم الأولون في معادلة التأثير.
4 ـ ما فُهم في المهمة المعهودة الى قطر في مسعاها الوصول الى مرشح ثالث على نحو ما سبقها إليه الموفد الفرنسي الخاص جان إيف لودريان، أن تحرك آل ثاني لا ينطلق من تفويض الدول الخمس مقدار تصرّفه على أنها مبادرة قطرية بالذات يسهّل نجاحها إقناع الدول الأربع بالانضمام إليها. لا تخفي الدول الخمس تأييدها لانتخاب قائد الجيش، بيد أنها في المقابل متيقّنة من تعذّر انتخابه. ما قاله آل ثاني في جولته اللبنانية إن من الصعوبة بمكان انتخاب رئيس للبنان من دون موافقة حزب الله، هو نفسه ما قاله لودريان في اجتماع الدول الخمس في الدوحة في تموز الفائت.
5 ـ الوصول الى اتفاق أميركي ـ إيراني على البرنامج النووي أضحى أقرب من أي وقت مضى. متوقف على الإعلان عن حسن نية تطلبها إيران، متجاوزة ما كانت تصرّ عليه قبلاً، وهو الحصول على ضمانات بخفض العقوبات ورفع جزء منها. أولى إشارات حسن النية تولّي قطر وساطة بين الدولتين قضت بتسليم خمسة أميركيين في مقابل الإفراج عن ستة مليارات دولار محتجزة في كوريا الجنوبية. كان على الدوحة مضاعفة جهدها في إنجاح الوساطة بتسديد فروق تحويلات المليارات الستة بالعملة الوطنية لكوريا الى جنيف، ومن ثم إعادة تحويلها الى اليورو لإيداعها في مصارف قطرية. مئات ملايين الدولارات دفعتها فارق التحويلات بعد إصرار إيران على تسلّم المليارات الستة غير منتقصة. بعض الإشارات المماثلة المدلاة في بيروت في موازاة تحرّك الموفد القطري لانتخاب الرئيس، استعداد الإمارة للفور وضع مليار دولار وديعة في مصرف لبنان ما إن يصير الى الانتخاب.
6 ـ ليس خافياً أن حزب الله وضع سقفَين متلازمَين في تعاطيه مع الاستحقاق الرئاسي: أولهما مرتبط بوثوقه بفرنجية على أنه «الرئيس» الذي لا يطعنه على غرار ولاية الرئيس ميشال عون، وثانيهما تصرفه على أنه القوة الأولى في الداخل التي يقتضي بالفريق الآخر ـ لذاك السبب بالذات وأولاً ـ المجيء إليها للتفاهم على تسوية المرحلة المقبلة، بما فيها رئيس الجمهورية. ليست التسوية التي يبصرها تبادل تنازلات مع خصومه وتراجعه خطوة أو أكثر الى الوراء، بل تقدّم الآخرين إليه هو.

الوساطة القطرية: الثنائي يتمسك بفرنجية وباسيل لا يمانع البيسري
نقولا ناصيف/ألخبار/الثلاثاء 26 أيلول 2023
بعد أسابيع الانشغال بزيارة الموفد الفرنسي الخاص جاء دور الانشغال بزيارة الموفد القطري للأيام المقبلة حول وساطة، تارة يقال إنها مكمّلة لباريس وطوراً إنها مستقلّة عنها أو معاكسة لها. تناقضهما الأساسي ليس الأسلوب ولا مزاج الزائر ولا المتوخّى منها، بل ما في الجعبة
حدّد الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني هدفاً واضحاً لمهمته في بيروت، والمفترض أنها ستحدد مصير زيارة وزير الدولة محمد عبد الرحمن الخليفي، في ضوء ما ستسفر عنه لقاءات الأيام المنصرمة وما سيليها. كَمَنَ هدف المهمة الجديدة في قصرها على الثنائييْن اللذين يمثلان العقبتين الفعليتين أمام انتخاب الرئيس والمتعذّر الاستغناء عنهما: الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي. الأول فريق واحد، يمثله الرئيس نبيه برّي وحزب الله، والثاني يتقاطع فريقاه مرحلياً على رفض انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية ولا يتفقان على أي أمر آخر سواه.
لم يزرْ آل ثاني سوى برّي والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. هم المعنيون الوحيدون بمهمته الحالية الحصرية، إلى أن يتمكن من إحداث مفاجأة في وساطته تحمله بعد ذلك على توسيع نطاق لقاءاته. تعويله الفعلي على نجاحه – المتعذّر في أي حال – في إيجاد فجوة في الانقسام الدائر بين الثنائييْن المستعصييْن حتى إشعار آخر.
في ما وصلت إليه المرحلة الأولى من مساعيه، الآتي:
1 – أصغى باهتمام إلى الشرح المستفيض لبرّي وخليل حيال تمسّكهما غير المتزحزح عنه بفرنجية، وأبرزا له الأسباب التي تحملهما على دعمه والإصرار عليه. ردّ آل ثاني بإشادته بفرنجية المشهود له احترامه وجرأته وصدقيته، تبعاً لما قال، قبل أن يضيف أن الظروف تعاكس انتخابه بسبب رفض الأفرقاء المسيحيين ترشيحه، ما يقتضي الخوض في خيار بديل.
2 – خرج آل ثاني من عند باسيل وجعجع بخلاصة ما سمعه منهما عن رأييْهما في لائحة الأسماء التي حملها وضمّت ثلاثة هم في الترتيب الآتي: قائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام بالإنابة للأمن العام اللواء الياس البيسري والنائب نعمة افرام. من رئيس التيار الوطني الحر سمع رفضاً قاطعاً لعون، وعدم تحبيذ لافرام، وعدم ممانعة بالبيسري. من رئيس حزب القوات اللبنانية سمع قبولاً بعون، واستمهالاً في التفكير في البيسري، وتجاهل إبداء موقف من افرام.
3 – وفق ما أخطر الموفد القطري الثنائي الشيعي، فإنه ليس في وارد الاجتماع إلى فرنجية ولا إلى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ولا إلى أحد من النواب السنّة. عنده أن المشكلة تكمن في الثنائييْن الشيعي والمسيحي اللذين يتحكّمان بفيتوَي انتخاب الرئيس. نصحه رئيس البرلمان بزيارة جنبلاط بدعوى أن من الواجب ما إن يصبح في بيروت الاجتماع به. أما النواب السنّة فهم في حصة الرياض. أعطى السفير السعودي وليد البخاري أخيراً في استقبال 14 أيلول في السفارة خلال وجود الموفد الفرنسي الخاص جان إيف لودريان، دليلاً ساطعاً على أن أكثر من ثلثي نواب الطائفة (21/27) تملك المملكة قرارهم. في حسبان الموفد القطري أن توصله إلى خرق في موقف الثنائي الشيعي أو أي من الثنائي المسيحي سيمنح انتخاب الرئيس جرعة تفاؤل حقيقية تمكّنه عندئذ من التشاور مع مَن استثنته جولته الأولى.
يُعوّل الموفد القطري على خرق لدى الثنائي الشيعي أو أحد في الثنائي المسيحي
4 ـ بعدما راج في الأشهر المنصرمة أن لا مرشح لقطر سوى قائد الجيش راحت تُسوّق ترشيحه لدى كل مَن قصد الدوحة أو تواصل مع سفارتها في بيروت أو في سياق اجتماعات الدول الخمس، أشاع حمْل آل ثاني لائحة بأسماء ثلاثة أن الخيارات الحالية باتت أوسع. أولها عون لكنه ليس الوحيد. لم يتردد في أن يقترح على برّي وخليل، كل على حدة، تقدمهما باسم أو اثنين سوى فرنجية وسوى الأسماء الثلاثة التي حملها هو معه كي يعمل على التفاوض عليها لدى الثنائي المسيحي، بما يتيح الاتفاق على انتخاب الرئيس أخيراً. دلّ موقفه هذا على أن لائحته المُدلاة ليست نهائية ولا حصرية، ولا كذلك أيٌّ من الأسماء الواردة فيها دائم. لم يفت بعض مَن التقاهم استنتاج اهتمامه بتسمية البيسري كمرشح محتمل. الجواب الشيعي كان نفسه: لا مرشح آخر لديه سوى حليفه فرنجية.
5 – يُنظر إلى الوساطة القطرية، وهي تتوخّى في الوقت الحاضر إضفاء مزيد من الجدية والفاعلية بعد إخفاق نظيرتها الفرنسية، على أنها تريد الاقتداء بالمحاولة التي اضطلعت بها الدوحة هذا الشهر بين الولايات المتحدة وإيران في صفقة إطلاق خمسة أميركيين محتجزين لسنوات في طهران في مقابل الإفراج عن ستة مليارات دولار لإيران مجمّدة في مصارف كورية جنوبية. انتهى المطاف بإنجاز الصفقة على الأرض القطرية بترحيل الأميركيين إلى بلادهم وإيداع المليارات الإيرانية في مصارف الدوحة. ليست الوساطة الحالية هي الأولى لقطر في استحقاق رئاسي لبناني بعد عام 2008، ولم تكن منفردة حينذاك، بل كانت جزءاً لا يتجزّأ من مبادرة للجامعة العربية أدّت إلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان على صفيح ساخن. في ما بعد، في كانون الثاني 2011، اضطلعت بمبادرة مع تركيا لتصويب علاقة الرئيس سعد الحريري وحزب الله في خضمّ السجال الدائر من حول اتهام المحكمة الدولية الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري. أخفقت الوساطة تلك بأن أطيحت حكومة الحريري الابن وكلّفته الإقصاء عن السراي الحكومي خمس سنوات. تمسي الوساطة الحالية ثالثة جهودها دونما تفرد أيضاً كجزء من مجموعة الدول الخمس.
مع ذلك أرسلت حصيلة اللقاءات الأخيرة لآل ثاني إشارات سلبية شتى إلى انتخاب الرئيس: لا تزال التسوية الإقليمية من حول لبنان مؤجّلة، لا انتخاب وشيكاً لأن الأوان لم يحن بعد.
الأهم في ما تدور الوساطة القطرية من حوله – كما من قبل سواها – أنها وقعت في فخّ الاستحقاق. مذْ أعلن رئيس البرلمان في آذار 2023 للمرة الأولى ترشيح الثنائي الشيعي الزعيم الزغرتاوي ورَفَضَه الأفرقاء المسيحيون، تبدّل المرشحون والأدوار والوسطاء الناشطون فيما المعضلة لا تزال نفسها: فرنجية المشكلة والحل معاً.