أرنب حوار بري الإحتيالي كما يراه كل من طوني بولس وخالد حمادة/طوني بولس: المعارضة اللبنانية تتشدد وترفض التورط في مستنقع الحوار الثامن/خالد حماده: حوار أم هروب إلى الأمام

57

حوار أم هروب إلى الأمام
خالد حماده/اللواء/الثلاثاء 05 أيلول/2023

المعارضة اللبنانية تتشدد وترفض التورط في مستنقع الحوار “الثامن”
طوني بولس/تنديبندت عربية/05 أيلول/2023
نتائج 7 حوارات سابقة قدمت تنازلات لصالح “حزب الله” ولم تثمر تطبيقاً لوعود “النأي بالنفس” والبحث بـ”استراتيجية دفاعية”
كانت مفاجئة دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري القوى السياسية إلى عقد جلسات حوار على مدى أسبوع كشرط لفتح جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، بعدما نأى بنفسه عن إطلاق المبادرات الحوارية، منذ أن اصطدمت محاولاته مرتين لإطلاق الحوار في السابق باعتراض قوى المعارضة و”التيار الوطني الحر” ونواب مستقلين. وفتحت تلك الدعوة تساؤلات حول الأسباب التي دفعت بري للعودة إلى طرح مبادرة الحوار، بعد إعلانه سابقاً “التنحي” عن دور الوساطات كونه بات “طرفاً” بتبنيه ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، حيث لم يفهم إذا ما كانت هذه الدعوى تشكل تراجعاً ضمنياً عن تأييد فرنجية، بالتالي العودة لإعطاء انطباع بالتموضع في الموقع “الوسطي”، أو إذا ما كانت هذه الدعوة عبارة عن “لغم” إيراني لقطع الطريق على زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لو دريان، الذي يسعى بدوره إلى إطلاق حوار بين القوى السياسية اللبنانية، أم إذا كان الهدف تقطيع مزيد من الوقت لتبلور الأمور في فريق “الممانعة” تحت عنوان الحوار والتمويه على تلويح اللجنة الخماسية بفرض عقوبات على من يعرقل انتخاب الرئيس.
حوار مع “مجرمين”
في جميع الأحوال جواب المعارضة لم يتأخر، إذ أتى الرد واضحاً وحاسماً على لسان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، واضعاً حداً حاسماً لا جدل فيه مناهضاً لدعوة بري إلى الحوار، معتبراً أن “حوارهم هو حوار مع مجرمين”. ورفض منطق الربط بين الحوار والجلسات المفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، حيث يشير الدستور بوضوح إلى آلية لانتخاب الرئيس في البرلمان وليس عن طريق الحوار، وفي رأيه “الخطورة الكبرى تكمن في تكريس عرف جديد على حساب الدستور، وفحواه تحويل الحوار إلى مدخل للانتخابات الرئاسية”.
في حين أكدت مصادر “القوات اللبنانية” أن مبادرة بري هي مناورة لربح الوقت لحين نضوج صفقة “التيار الوطني الحر” مع “حزب الله”، مؤكدة أنه يعرف مسبقاً أن المعارضة اللبنانية ترفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفق شروط “حزب الله” وفريقه، وهو بذلك يحاول التنصل من كرة التعطيل والإيحاء أن المعارضة تحمل مسؤولية استمرار الأزمة الرئاسية. كذلك حسم رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” سامي الجميل موقفه برفض الحوار متوجهاً لبري بالقول إن “اقتراح عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس شرط مشاركتنا بالحوار هو إقرار بأنك كنت تخالف الدستور عمداً، وأن كل الحجج التي كنت تتذرع بها ساقطة”، معتبراً أن تطبيق الدستور ليس ورقة ابتزاز سياسي، والمجلس النيابي هو ملك الشعب اللبناني وليس لبري.
تأييد وتريث
في المقابل، حسم “حزب الله” والحزب “التقدمي الاشتراكي”، إضافة إلى كتلة “الاعتدال”، مواقفهم بتأييد دعوة بري إلى الحوار، في حين أبدى جبران باسيل إيجابية تجاه الدعوة من دون أن يحسم موقفه، واكتفى بالقول إنه “كان شرطنا الواضح للفرنسيين للمشاركة في الحوار أنه في نهايته، أن يكون هناك توافق يترجم في جلسة انتخاب أو جلسات متلاحقة، واليوم سمعنا أمراً جيداً وإيجابياً من بري في هذا الموضوع، فإذا كان الأمر كذلك، فإن شاء الله يكون لنا رئيس في سبتمر (أيلول)”. في حين تتباين مواقف النواب “التغييرين” والمستقلين، بين المعارضة والتريث، إذ يلفت النائب ملحم خلف إلى أن مبادرة بري “أكدت ما سبق وأكدنا عليه”، أنه لا حل قبل العودة إلى سيادة الدستور، وفتح جلسات متتالية لحين التوصل إلى انتخاب رئيس للبلاد. وأكد أنه لا أحد يستطيع أن يختزل دور النواب، معتبراً أن الدّعوة إلى الحوار ليست واضحة حتى الآن لكي يبنى موقف عليها”، موضحاً أن أي حوار يفترض أن يكون مرتبطاً بجدول أعمال واضح.
وفي السياق طالب عضو كتلة حركة “أمل” النائب قاسم هاشم، بالتجاوب مع دعوة بري، إذ برأيه أن الحوار المطروح يهدف إلى تسهيل عملية انتخاب رئيس، إذ “سيتم الاحتكام لصندوق الاقتراع مباشرة بعد سبعة أيام على الحوار”، معتبراً أن تشنج المعارضة يمدد الفراغ ويجهض إمكانية انتخاب رئيس للبلاد.
إلا أن عضو كتلة “تجدد” النائب أشرف ريفي رفض الاتهامات الموجهة إلى المعارضة بأنها تفوت فرصة انتخاب رئيس من خلال رفضها الحوار، معلناً أن التجارب مع فريق “الممانعة” لم تكن ناجحة، ولا تشجع على تكرارها بسبب عدم التزام هذا الفريق بما ينتج عن الحوار من مقررات واتفاقيات.
وأشار إلى أن موقف المعارضة الرافض للحوار، ثابت ولا رجوع عنه، وذلك لاعتباره أن الآلية الدستورية واضحة لا لبس فيها لجهة كيفية انتخاب رئيس الجمهورية، وكل بديل عنها مرفوض بالمطلق، لا بل مطعون به سلفاً، وأن أي إجراء من خارج الدستور هو بمنزلة تعديل دستوري بالممارسة دون تعديل في النص.
حوارات ثنائية
وفي وقت لا تزال فيه إمكانية انعقاد جلسات الحوار التي دعا إليها بري ضبابية، تسجل حوارات جانبية وثنائية بين القوى السياسية، إذ يحاول كل من معسكري المعارضة و”الممانعة” استمالة الكتل النيابية “الوسطية”.
ففي ضفة المعارضة سجلت جلسات عدة مع نواب مستقلين وكتلة “الاعتدال” في محاولة للتوصل إلى قواسم مشتركة، حيث تشير المعلومات إلى أن رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل يحاول التواصل مع أكبر شريحة ممكنة من النواب “الرماديين” لتوسيع جبهة المعارضة، في حين تتواصل جلسات الحوار بين التيار الوطني الحر و”حزب الله” للتوصل إلى صيغة تجمع بين التيار والثنائي الشيعي.
7 حوارات
وفي وقت يرى فيه البعض أن المعارضة تبالغ بتشددها برفض مبادرة بري للحوار، تذكر مصادرها بنتائج الحوارات السابقة، وتعود إلى حوار عام 2005، الذي بدأ بعد انسحاب جيش النظام السوري من لبنان، حيث عقدت أولى جلسات الحوار، وكان النقاش يركز على وضع استراتيجية دفاعية للبلاد وحصر السلاح غير الشرعي، إلا أنه انتهى بكسر اندفاعة قوى “14 آذار” حينها وحماية سلاح “حزب الله” عبر الاتفاق على معالجة موضوع السلاح الفلسطيني أولاً خارج المخيمات، ثم داخلها على أن يكون سلاح الحزب مؤجلاً للبحث ضمن الاستراتيجية الدفاعية في وقت لاحق، قبل أن ينتهي هذا الحوار بحرب 12 يوليو (تموز) 2006، ويعود سلاح “حزب الله” مشرعاً ضمن آلية في بيانات الحكومات المتتالية. أما الحوار الثاني فكان في الدوحة عقب اجتياح “حزب الله” العاصمة بيروت واحتلالها في 7 مايو (أيار) 2008، ليكرس مبدأ “الفيتو” عبر ما كان يعرف بالثلث المعطل ضمن الحكومة، في حين بدأ الحوار الثالث في عهد الرئيس الأسبق ميشال سليمان، حيث توصل في عام 2010 إلى “إعلان بعبدا” الذي يتضمن آلية لوضع سلاح الحزب تحت أمرة الدولة، إلا أن الحزب عاد وانقلب على الإعلان وعلى اتفاق الدوحة وأسقط حكومة سعد الحريري على رغم الضمانات التي كانت مقدمة من قبل جميع الأطراف بعدم الاستقالة منها.
ولفتت إلى ثلاثة حوارات قبيل وخلال تشكيل حكومات رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، وضمنها 41 جلسة حوار بين تيار المستقبل والحزب، جميعها أعطت “حزب الله” جميع مطالبه من دون أن يعطي بالمقابل سوى أوهام غير قابلة للتطبيق، كان آخرها الاتفاق ضمن حكومة الحريري على مبدأ “النأي بالنفس” إلا أن الحزب لم يلتزم به واستمر بالتدخل في شؤون الدول العربية وتوتير علاقات لبنان معها. وأشارت إلى أن الحوار السابع والأخير كان في شهر سبتمبر (أيلول) 2019، حيث كانت المؤشرات الاقتصادية تنذر بأخطار كبيرة، وعلى رغم ذلك فشل ذلك الحوار وانضم إلى سابقاته، حيث انتهى الأمر بعد أسابيع بثورة 17 أكتوبر (تشرين الثاني).
“الحزب” يقاطع الحوار
وفي رأي مصادر المعارضة فإنه وعند كل مفترق لا يستطيع فيه “حزب الله” تنفيذ مشاريعه، يدعو إلى الحوار، سواء عبر بري أو أي طرف آخر لأخذ ما يريد بأسلوب دبلوماسي، مشيرة إلى أنه أيضاً عندما لا يناسبه الحوار يقاطعه. وتتوقف عند الحوار الذي دعا اليه الرئيس الأسبق ميشال سليمان، والذي استمر لأسابيع عدة، كيف انسحب “حزب الله” حينها مع حلفائه من “قوى 8 آذار”، في الجلسة رقم 22 عام 2010، بعد أن طرح موضوع سلاحه ووضع استراتيجية دفاعية للبلاد، لينقلب بعدها ويشكل حكومة مؤلفة من حلفائه والحزب “التقدمي الاشتراكي” برئاسة نجيب ميقاتي.

حوار أم هروب إلى الأمام
خالد حماده/اللواء/الثلاثاء 05 أيلول/2023
لم يؤدِّ اقتراح الرئيس نبيه بري بالدعوة لحوار لمدة سبعة أيام بين الكتل النيابية تليه جلسات متتالية لإنتخاب رئيس للجمهورية سوى إلى مزيد من الإضطراب والتشنج في المواقف، وإلى ارتفاع في حدّة التعبير عن رفض المعارضة للحوار. تجاوب بعض الكتل السياسية مع الدعوة للحوار سواء الملتحقة بتحالف أمل حزب الله، أو ترحيب الكتل المنضوية تحت عنوان عدم جواز رفض الحوار الذي لا بد منه للخروج من الأزمة ـــ لا سيما تلك التي لم تقترع للوزير السابق سليمان فرنجية ـــ لا يمكنهما تغطية الكم الهائل من السلبية الذي راكمته جلسات الإنتخاب المخالفة للدستور التي دعا إليها الرئيس نبيه بري والتي انتهت قبل أن تبدأ. وبالمقابل لا يمكن إلا تفهم وقبول ردود الفعل العنيفة الرافضة للحوار والتي تبدو منطقية بموازاة هذا الإمعان في استباحة الدستور وفرض نظام أبوي على المجلس النيابي يكرس سيادة مطلقة لرئيسه في الدعوة للإجتماع وتعليق الجلسات خلافاً للدستور، وهو يضيف هذه المرة مأثرة جديدة تفرض التفاهم على مرشح أوحد أو أكثر قبل الذهاب الى جلسة الإنتخاب، دون إظهار الحد الأدنى من الإعتبار لما تعنيه الصفة التمثيلية للنواب أو إرادة اللبنانيين في اختيارهم.
أما الذهاب الى جلسات متتالية حتى انتخاب الرئيس، وفقاً لاقتراح الرئيس بري، فلا يمكن قراءته إلا من قبيل الإصرار على استغباء اللبنانيين قبل ممثليهم. ربما كان ممكناً التخفيف من الوقع السلبي للحوار اللادستوري المقترح لو كان سيفضي الى جلسة إنتخاب بدورات متتالية وفقاً للمادة 49 من الدستور، أما القول بجلسات متتالية فهو لا يعني سوى تكرار لمسلسل إقفال وإفتتاح سلسلة من الجلسات تضع النواب أمام خيارين لا ثالث لهما ، انتخاب مرشح الممانعة أو الإستمرار في الفراغ.
لم تكن ردود الفعل على الدعوة للحوار مفاجئة أو غير متوقعة، والرئيس بري يدركها قبل سواه. فهل يستقيم الحوار مع من أسماهم بري «فريق الوشاة، الذي يسيّر خطوط ترانزيت جوية عابرة للقارات باتّجاه عواصم القرار في أوروبا وأميركا ويشكل مجموعات ضغط تحريضاً وتشويهاً؟ لقد مثلت الذكرى الخامسة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر منصة لإطلاق المواقف ومنها موضوع الشغور الرئاسي، فلمن أراد الرئيس بري توجيه الرسائل من خلال إقتراح الحوار؟
هل فرنسا التي خذلت محور الممانعة بعد الإتهام الصريح الذي وجَّهه الرئيس ماكرون لإيران بعرقلة الحل السياسي في لبنان أمام الدبلوماسيين في «مؤتمر السفراء» في باريس في 28 أغسطس/آب المنصرم، ولهذا أتت الدعوة لاستباق وصول الموفد الرئاسي جان إيف لودريان؟ أم للتأكيد على إستمرار الدعم الإيراني لمحور الممانعة بالرغم من الإتفاق السعودي الإيراني وملاقاة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي وصل الى بيروت في زيارة مفاجئة ومجهولة الأهداف؟ زيارة عبد اللهيان التي اجتمع خلالها بحلفائه وأكد دعم بلاده للمقاومة بدت أقرب الى استدعاء فرضته المستجدات ومنها صدور قرار مجلس الأمن 2695 بالتجديد لقوات اليونيفيل مع التأكيد على حرية حركتها دون أي إذن مسبق ودون التنسيق مع الجيش اللبناني. وقد يكون في المؤتمر الصحفي الذي عقده اللهيان في وزارة الخارجية حول مسألة الكهرباء واستعداد بلاده للتدخل بعد تعثر وصول الغاز المصري أكثر من دلالة على صفة الإرتجال وليس على زيارة هادفة تقوم بها دولة إقليمية وازنة. وبصرف النظر عن المضي بالدعوة المرتجلة للحوار وعن جدوى إنعقاده بمن حضر أو عدمه، يطرح التساؤل حول قدرة فريق الممانعة على التعايش مع احتمال وصول مرشح لم تختاره الى سدّة الرئاسة. إن هاجس تشكيل أكثرية مطلقة تفضي الى انتخاب رئيس من خارج محور الممانعة هو ما يحول دون دعوة الرئيس بري الى جلسة واحدة بعدة دورات لإنتخاب الرئيس وفقاً للمادة 49 من الدستور. يبدو أن أقصى المتاح في ظلّ وجود ضوابط إقليمية ودولية تمنع تفجير الموقف الأمني والميداني على الحدود هو الإنحدار في الخطاب السياسي وتوجيه الإتهامات للآخرين بشراء الذمم في مراكز النفوذ في العواصم الغربية. وفي هذا السياق يصبح الحوار مجرد وسيلة للهروب الى الأمام.