حسناء بوحرفوش/موقع ارفع صوتك: أمام الزمن وتقصير الحكومات.. ما مصير اللبنانيين المغيبين في سوريا؟

61
Relatives and friends of persons who disappeared during the war hold pictures of their loved ones during a gathering held at the press syndicate in Beirut 09 December 2005, to call for official search for all mass graves dating as far back as Lebanon 1975-90 civil war all over the country. Lebanon vowed earlier this week to carry out a full-scale probe into the fate of 30 people whose skeletal remains were found in mass graves near the Syrian border at the weekend, and has sought help from the Red Cross. The Syrian army had its intelligence headquarters and a prison in the area during its nearly three-decade military presence of its smaller neighbor, which ended in April 2005. AFP PHOTO/RAMZI HAIDAR (Photo by RAMZI HAIDAR / AFP)

أمام “الزمن وتقصير الحكومات”.. ما مصير اللبنانيين المغيبين في سوريا؟
حسناء بوحرفوش/موقع ارفع صوتك/30 آب/2023

يكثر استخدام الاختفاء القسري أسلوبا إستراتيجيا لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بغياب الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل كذلك يصيب مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل، بحسب الأمم المتحدة. وأضافت عبر موقعها الإلكتروني، في البيان الخاص باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، أنه أصبح “مشكلة عالمية ولم يعد حكراً على منطقة بعينها من العالم، فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساساً، يمكن اليوم أن يحدث الاختفاء القسري في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص وسيلة للضغط السياسي على الخصوم”. وفي 29 يونيو الماضي، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارا بإنشاء مؤسسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم. كانت المفارقة، امتناع لبنان عن التصويت لصالح هذا القرار، الذي رفضه النظام السوري أساساً، إذ قال مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة بسام صباغ، إن اللجنة التي أعدته “مسيّسة”.وحديثاً، أطلقت مجموعة نواب ونشطاء لبنانيين بالتعاون مع جمعية “المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية”، عريضة تدعو إلى “ضم ملف اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية إلى نطاق اختصاص المؤسسة المستقلة حول المفقودين في سوريا التابعة للأمم المتحدة”.

في يومهم الدولي: هل ستنتهي معاناة أهالي ضحايا الاختفاء القسري بالعراق؟

تعذيب وتجويع وإعدام
الأسير اللبناني السابق في سجون النظام السوري، ورئيس مكتب الأسرى في حزب القوات اللبنانية، ريمون سويدان، كان ممن حملوا عريضة ضم الملف اللبناني لمؤسسة المفقودين الأممية، يروي قصته لـ”ارفع صوتك”. “قبل ذلك الخميس المشؤوم في 19 آب (أغسطس) 1993، كنت أعيش كأي شاب لبناني، أحلم بمستقبل مشرق. ولكنني تعرضت وأخي للاعتقال وتم اقتيادنا مكبلي الأيدي إلى البوريفاج (اسم فندق كان مقرا للمخابرات السورية في بيروت آنذاك). هناك، التقيت برستم غزالي (رئيس الاستخبارات) ووُجهت لي تهمة التحريض ضد النظام السوري”، يقول ريمون. ويضيف: “وُضعت في سجن انفرادي وكان همي الوحيد كيفية إيصال خبر اعتقالنا لأهلي، ولكنني لم أستطع. وبعد مرور ثلاثة أيام، تم سوقنا إلى عنجر، وهناك نزلنا عند مقر ما يعرف بالنبي يوسف. رفعت رأسي فوجدتني أمام مارد عملاق، أصدقك القول إن قلت إن راحة يده تغطي رأسي بأكمله وصولا لعيني. فتح ملفي سريعا وضربني على وجهي ثم ركلني وصرخ بلا مقدمات (عميل إسرائيلي)”. تعرض كلا الأخوين للضرب والتعذيب، بغية سحب اعتراف منهما “بتهم لم يرتكباها”، كما يقول ريمون، مشيراً إلى استخدام طريقة “البلانكو” و”الضرب بالكرباج” بحقهما. يتابع:
“في رحلة العبور بين لبنان والشام، كنا على متن بوسطة أو شاحنة زرقاء مصفدّين كل اثنين معا. وحين وصلنا الحدود، بدأت بالطرق على نافذتي، ربما يراني ذلك الجندي من الأمن العام اللبناني فينقذنا، لكنه اكتفى بسؤال السائق عنّا وعلم أننا موقوفون لبنانيون، وتركه يمضي”. “شعرت حينها أن الدنيا انتهت” يتذكر ريمون، موضحاً: “وصلنا دمشق ليلاً، وسجنت تحت الأرض في غرفة رقم (3) وأخي في (6). التقيت هناك بأسرى من مختلف الجنسيات وبينهم لبنانيون”. كان اسم ذلك الجزء من السجن “فرع فلسطين”، يصفه ريمون: “الأبواب مفتوحة على مستوى  الكاحل وما دون الركبة لضمان رؤيتنا رفاقنا الذين يُقتادون للتعذيب أو الإعدام. اختبرت هناك كل أنواع التعذيب، مثل الكرسي الألماني والكرسي الكهربائي. كنا نُصعق بالكهرباء في كل أنحاء أجسادنا وحتى في الأماكن الحساسة ونشعر حرفيا بأن الكهرباء تخرج من أدمغتنا”. نقل ريمون ورفاقه بعد ذلك إلى أحد أكبر السجون السورية وأكثرها خطورة، سجن “المزة” الشهير والأشبه بقلعة كبيرة، كتب على بابه: “الداخل مفقود والخارج مولود”. هناك “يُربط السجناء الجدد داخل دولاب كبير ويتعرضون للجلد العشوائي، ويُجوّع الأسرى بإطعاهم الفتات”، يضيف ريمون، مردفاً  “حبات زيتون باكورة النهار أو لحسة لبنة ثم برغل بمرقة حمراء للغداء، أو شوربة عدس تضم من الحصى أكثر من العدس نفسه”.
“نام يا حمار” عبارة كانت تصدح مع إطفاء الأضواء عند الساعة العاشرة ليلا لينام قرابة 60- 90 أسيرا على الأرض في غرفة بمساحة 72 متر مربع تقريباً، بينما الاستيقاظ السادسة صباحا. ويشرح ريمون: “وقت الاستحمام، كنا نقف كل 10 معاً تحت الصنابير التي تفتح لثوانٍ معدودة وسرعان ما يختلط الماء بالدم، إذ ين ضرب من يخرج وعليه صابون ومن بلا صابون. ليس لشيء سوى للتسلية بضربنا عُراة. وكثيرا ما كانت المساعدات من الأهل والزوار تسرق”. أما أكثر الذكريات قسوة بالنسبة له، فهي لحظات الإعدام. يقول ريمون “كان يُنادى (جيب منشفتك واطلاع)، لتصعد مجموعة منّا إلى الساحة، حيث يُعدم أحدهم أمام الجميع… قد ننام بجانب أحدهم وفي الصباح يكون اختفى”.وبعد مضيّ خمس سنوات في سجن “المزة”، يتذكر ريمون: “صرخ أحد الحرّاس (تفقّد) عند الساعة 7 صباحا في 15 شباط (فبراير). ثم دخل عقيد وقال (من يسمع اسمه فليضع يده على قلبه)”. في ذلك اليوم تم تحريره وأخاه بعفو رئاسي، وما زال صوت الأسرى الذين بقوا خلفه مسموعاً في أذنيه “لا تنسونا”. يؤكد “ما زلنا نناضل من أجلهم”. وعن العودة إلى لبنان، التي تمت بعد أسابيع، لاقاهما الجيش اللبناني في منطقة تُدعى “كفرشيما”، وتم تكبيلهما وإخضاعهما للتحقيق مدة 7 أيام. “استقبلني أهلي بفرحة كبيرة لكن الحرية لم تتحقق” يقول ريمون، موضحاً “بعد عودتي بـ12 يوماً، تحدثت عن تجربتي في إحدى الجامعات، فتعرضتُ للضرب وأُجبرت على مغادرة لبنان”، ليسافر بالفعل إلى الإمارات العربية المتحدة للعمل في دبي.ومنذ عام 2003، عاد ريمون إلى لبنان، وما زال حتى اليوم ينشط في ملف الأسرى والمغيبين اللبنانيين في سوريا.

اعتمد التقرير على دراسة حالة 138 معتقلا ناجيا من سجون النظام السوري.

تقرير.. اغتصاب معتقلين رجال في سجون النظام السوري
“أهلا بك في طهران”، قال المحققون لطه..

تقصير حكومي
من جهته، يؤكد الناشط اللبناني إلياس بجاني الذي يتابع ملف المغيّبين في سوريا منذ عقود، أنه “لا يوجد أي تقدم في هذا الملف”، ويتحمل مسؤولية ذلك “كل الذين مروا على الحكم في لبنان خصوصا، أن كثيرا من الأحزاب اليوم كانت ضليعة باعتقال أشخاص وتسلميهم للمخابرات السورية. كما أن كثر من المسؤولين والسياسيين الكبار استغلوا عائلات المفقودين ماديا ومعنوياً”. ويقول لـ”ارفع صوتك”: “القضية توشك أن تصبح طي النسيان لكنها تبقى في ذاكرتنا وفي إصرارنا. لذلك، إذا حل ذلك اليوم الذي سيحاكم فيه نظام الأسد، فلا بد أن يحاسب أيضا على تغييب المئات بل الآلاف من اللبنانيين، ومنهم من قتل”.

 الدكتور غسان عبد القادر، وهو أستاذ جامعي وإعلامي متابع لملف المغيّبين، يبين لـ”ارفع صوتك”: “على الرغم من خروج القوات السوري من لبنان عام 2005، لم تُطو صفحة أساسية في العلاقات اللبنانية السورية. فآثار الوجود السوري وحواجزه ومراكزه الأمنية ما زالت على الأرض اللبنانية، كما أن  الجراح لم تلتئم بعد” “ولا يزال كل مفقود أو مغيب أو مخفي أو معتقل، مهما تعددت التسميات، ضحية الأحزاب المتواجدة في السلطة حالياً”، يضيف د. عبد القادر. ويتابع: “وبالنسبة للقوانين والتشريعات، فإنّ مشروع قانون الهيئة الوطنية للمغيبين قسرا، لم يبصر النور إلا بعد مضي 28 عاما على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (2018). وبقي عملها شكلياً تماماً، علماً بأنها تنص على أن لأفراد عائلات المفقودين الحق بمعرفة مصيرهم. لكن للأسف فإنّ لبنان لم يلتزم أي من بهذا الحق ولم تتخذ خطوات فعلية للبحث والتدقيق”. ويشير د. عبد القادر، إلى عوامل عديدة تؤثر عل معرفة مصير المغيبين قسراً، منها التقادم، فالزمن “خصم أساسي ومع تقدمه تتراجع أهمية الملف، بالإضافة لوفاة عدد من أهاليهم”، بالإضافة إلى الفوضى الأمنية التي تلت أحداث عام 2011 في سوريا

حلقات “لعبة الحبار” تثير ذكريات لاجئ سوري فر من سجون النظام
مسلسل “سكويد غيم” أو لعبة الحبار، قد يعتبر مجرد دراما مخيفة بالنسبة للكثيرين، لكن حلقاته تذكر، عمر الشغري، بالسنوات الثلاث التي قضاها في سجون النظام السوري، بحسب ما ذكره