عبدالله بن بجاد العتيبي/الإرهاب المعولم من الرياض لباريس

264

الإرهاب المعولم من الرياض لباريس
عبدالله بن بجاد العتيبي/الشرق الأوسط/11 كانون الثاني/15

الإرهاب المعولم يفرض نفسه من جديد في حادثتين خطيرتين حدثتا الأسبوع الماضي، بحيث قام تنظيم داعش الإرهابي بمهاجمة مركز السويف الحدودي بين السعودية والعراق، وقتل في الهجوم قائد حرس الحدود هناك، وقتل وأصيب بعض الجنود. وكان تنظيم القاعدة في اليمن قد هاجم قبل أشهرٍ منطقة شرورة في أقصى الحدود الجنوبية للسعودية، ومن جهة أخرى هاجم إرهابيون مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية وقتلوا 12 صحافيا في مذبحة مروعة، وتبعتها جريمة قتل لشرطية جنوب باريس.

منذ غرقت بعض الجمهوريات العربية في أوحال الربيع الأصولي وهي تنتقل من تطرفٍ إلى تطرفٍ أشد، ومن إرهاب إلى إرهاب أنكى وأشنع، وقد كان واضحا منذ البداية أن التخاذل الغربي عن اجتراح حلولٍ ناجعة لإنهاء أزمات المنطقة بالتحالف مع الدول المعتدلة في المنطقة، سيحوّل تلك البلدان التي استقرت فيها الفوضى إلى بؤرٍ نشطة لإعادة بناء الإرهاب وتطوير آلياتهم وإحكام تنظيماتهم وبث آيديولوجياتهم، وأنهم سيطورون هناك ما كان يسميه بعض رموز تنظيم القاعدة بـ«الجهاد العولمي».

سعوديا، فقد كانت وستظل المملكة العربية السعودية هدف الإرهابيين الأول، سعيا لانتزاع مشروعيتها السياسية وثقلها الإسلامي والعربي، والساعون لذلك بعض الدول الإقليمية كإيران وغيرها، وتنظيمات العنف الديني ذات الطابع الشيعي كحزب الله في لبنان وبعض الجماعات العراقية وأنصار الحوثي في اليمن، وجماعاتٍ مثل جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي عموما، ويتبعها حركات العنف الديني، وعلى رأسها تنظيم داعش، وتنظيم القاعدة في اليمن.

من قبل كان الهدف الأكبر لتنظيم القاعدة هو السعودية، وقد أنشأوا فيها تنظيما خطيرا تمت هزيمته ولجوؤه لليمن، واليوم لا تكاد تجد لتنظيم داعش في العراق والشام هدفا محددا بقدر استهداف السعودية، فأدبيات هذا التنظيم وبنيته وسلوكه توضح أن السعودية هي هدفه الأول، وقد تبين هذا من كلمة خليفته المزعوم الثانية المسجلة صوتيا؛ حيث لم يذكر بلدا غير السعودية، ومن تحركاته؛ حيث كان بإمكانه في مرحلة معينة بعد احتلاله الموصل أن يتعرض للحدود الإيرانية ولكنه لم يفعل، وفضل أن يعود أدراجه ليخطط للهجوم على السعودية كما تحكي جريمته النكراء في عرعر.

أما فرنسيا، فقد كانت فرنسا من أهم الدول التي حاولت دراسة الإرهاب مبكرا، وقد حاول الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي قبل أن يكون رئيسا وأثناء ولايته أن يحجّم الإرهاب في فرنسا، وأن يحارب بؤر التطرف في البلاد، وقد دخلت فرنسا حربا ضد حركات الإرهاب في مالي، وهي تفكر اليوم في التدخل في الجنوب الليبي الذي امتدت له حركات الإرهاب كما كان متوقعا، وهي كذلك تقف موقفا متقدما داعما للشعب السوري ضد نظام بشار الأسد، وهي بالشراكة مع السعودية تسعى لدعم الدولة اللبنانية وتقوية جيشها وتدريبه.

إن الجريمة التي ارتكبت بحق الصحافيين في باريس سيكون لها تأثير مهم من حيث صعود تيارات اليمين الأوروبي لا في فرنسا وحدها، بل في عموم أوروبا، وسيعود التفكير مجددا في مسائل كالهوية والهجرة والمهاجرين، وربما كانت هذه الجريمة جرس إنذارٍ يقرع بشدة للدول الغربية التي تتساهل في نشاطات بعض الجماعات والجمعيات الأصولية في أوساط المسلمين في الغرب.

لقد سقطت العديد من المقولات والأفكار التي انتشرت غربيا وعربيا مع بدايات ما كان يعرف بالربيع العربي، غربيا، سقطت فكرة أن الإخوان المسلمين هم البديل المعتدل لأنظمة الحكم وللجماعات الإرهابية التي كانت تروج لها أميركا وبعض الدول الغربية، وبدا جليا أن جماعة الإخوان المسلمين هي أصل كل حركات الإرهاب في العالم ومنبعها، وقد زاد من سقوط هذه الفكرة ما صنعته الجماعة بعد إسقاط حكمها الأصولي في مصر؛ حيث تماهت مع حركات الإرهاب وأيدتها ودعمتها وشاركتها في العمليات الإرهابية التي تستهدف الدولة المصرية والشعب المصري.

لم ينته العنف الأصولي، بل هو يزداد نشاطا، ولكن زاد عليه عنفٌ أشرس وهو العنف الطائفي والإرهاب المبني على الدين والطائفة والعرق.

من المقولات الساقطة كذلك أن شعوب المنطقة بحاجة إلى الإصلاح السياسي قبل الإصلاح الديني والثقافي، والعكس هو الصحيح، وأي قلبٍ للمعادلة هو وضعٌ للعربة قبل الحصان، وما الكوارث المتفشية في كل جمهوريات الربيع الأصولي والتي تزداد عنفا وخرابا وفوضى إلا شاهدٌ يصرخ بهذه الحقيقة.

لا يمكن القضاء على الإرهاب وآيديولوجياته وتنظيماته إلا بمشاريع كبرى للإصلاح الديني، وقوانين صارمة لا لتجريم الإرهاب فحسب، بل حواضنه التربوية ومنابعه التي تستغلها الجماعات الأصولية في المساجد وغيرها، وملاحقة من يحرض بكلمة، سواء كانت في قناة أو إذاعة أو صحيفة أو في الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل التواصل عبر الأجهزة الذكية، يجب أن تكون حربا شاملة على خطابات الكراهية والأصولية والعنف، وأن تطبق بصرامة وتنفذ بحزمٍ.

إننا في زمن الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، فليس صحيحا أن شرور «داعش» ستقتصر على العراق وسوريا، بل ها هي تسعى جهدها للدخول في لبنان والسعودية والأردن، وقد أصبح الإرهاب المعولم أكثر قدرة على التجنيد والتأثير والاستقطاب باستخدام أحدث التقنيات، وسواء ثبت ارتباط منفذي جريمة باريس بـ«داعش» أم لم يثبت، فإنه كما تم التحذير من قبل فإن «داعش» قد استقطبت المئات من المتطرفين من الدول الغربية، وهي ستعيد تصديرهم إليها من جديد.

إن رؤية إدارة أوباما أن الانسحاب من العالم وتقديم التنازلات لإيران وللجماعات الأصولية هما الوسيلة لحماية الولايات المتحدة وأمن العالم، هي رؤية أشبه بالكارثة لا على شعوب المنطقة فحسب، بل على العالم أجمع، ويغيب عنها قراءة تاريخ هذه الدول والجماعات، فالمؤدلجون لا يحسنون السياسة ولا يعبأون بها، وهذه الدول والجماعات التي يقوم سبب وجودها من الأساس على نشر الإرهاب عن عقيدة دينية، لن تتخلى عنها لوعودٍ سياسية خلبٍ من الدول الغربية.

إن مواجهة السعودية الطويلة مع الإرهاب، ومواجهتها القادمة مع الجماعات الأصولية ورموز التحريض وصناعة السخط، هي مواجهة لا بد منها، ورؤية الملك عبد الله الواضحة وقراراته يجب أن يتم التعجيل بوتيرة تنفيذها، وهذا الأمر لم يعد ترفا بل ضرورة، ومسألة وجود، فالتهديدات في تصاعدٍ يجب كبح جماحه وضربه كيفما تشكل وحيثما كان.

أخيرا، فإن بعض دول المنطقة التي تؤوي رموز التحريض الأصولي سيكون عليها قريبا أن تدفع ضريبة هذا الإيواء، وستكون في مواجهة العالم أجمع، ولن تفيدها التبريرات الأصولية التي تتكئ عليها، ولا الفذلكات السياسية التي تحاول تغطيتها بها