شارل الياس الشرتوني/٤ آب ٢٠٢٠، أو الجريمة دون العقاب

65

٤ آب ٢٠٢٠، أو الجريمة دون العقاب
شارل الياس الشرتوني/01 آب/2023

إن مجرد التنصت لهذا التسجيل لعملية فرز الاصوات، فيما يسمى زورا مجلس النواب، كاف لفهم الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من فساد وإرهاب وإجرام مطبع، وكأن في ذلك قدرًا. لا قدر حيث الاستسلام أو التسليم الإرادي لمجرمين وأمراء حرب أوصلتهم نزاعات لبنان المديدة الى حيث ما هم، وأوصلتنا الى حيث ما نحن، من فقدان مبادرة وضعف جعلنا ضحايا لهؤلاء المجرمين. نحن لم نعد في سياق صراعات ديموقراطية حول خيارات سياسية وعامة، نحن ضحايا لسياسات انقلابية وأزمات اصطنعتها هذه الزمر الوافدة من قعر الجريمة المنظمة والاستباحات على أنواعها، مع أحساس مفرط بالقوة وإنعدام المحاسبة والمكابرة. إن جريمة مرفأ بيروت الارهابية، وسرقة أموال اللبنانيين الخاصة والعامة ليست صدفة، بل نتيجة نهج سياسي واداءات طبعت جمهورية الطائف منذ بداياتها وحولت لبنان الى موطىء لمشاريع إنقلابية، ومقاطعات سلطوية وحيازات ومصادر ريوع وزبائنيات، دمرت مفهوم الكيان الوطني وواقع دولة القانون في بلادنا، وجعلت منا ضحايا يعاينون مآسيهم ولا فعل لهم.
هؤلاء المجرمون قرروا شطب جرائمهم ولغي أصواتنا كما تسمعون في هذا التسجيل، وسوف يبقى الأمر كذلك ما لم تقلب الطاولة، وتكسر قواعد اللعبة، ويوضع حد للتواطؤ والإذعان والسكون. جريمة المرفأ وما سبقها ولحقها من إغتيالات، ونسف للتحقيق الدولي، وإسقاط لعمل التحقيق والمقاضاة في الداخل، تلتحق بتعطيل عمل التحقيق الجنائي المالي، ومقاضاة الجرائم المالية ومرتكبيها على تدرج إسهاماتهم ومسؤولياتهم، وهذا الواقع مرشح للاستمرار ما دمنا في دائرة النكوص عن الفعل. السؤال ما الفعل، الفعل هو رفس الطاولة واللاعبين وقواعد اللعبة وربط نزاع مفتوح على خط التواصل بين المجتمع المدني اللبناني والمجتمعات الديموقراطية الغربية، والشركاء المحتملين في الفضاءات المدنية والسياسية العربية، من أجل كسر هذا الحصار المفروض علينا، من خلال الإرهاب،وتعطيل السيادة الدولتية، والعزلة الدولية، واستمرارية سياسات الاستباحة على تعدد محاورها.
إن المواجهة مع المافيات الحاكمة التي تديرها الفاشيات الشيعية أصبحت مدخلًا لازمًا لا مفر منه، إذا ما أردنا الخروج من واقع المراوحة القاتلة. جريمة المرفأ الإرهابية تستعيد تراكمًا بعيدًا في الزمن وكثيفًا لما عاينته بلادنا من السياسات الانقلابية العبثية التي استهدفت النموذج الوطني التعددي والديموقراطي والليبرالي الوحيد في هذه المنطقة، وما تأتى عنها من نهيليات متفلتة ومآس توالت علينا دون إنقطاع منذ ٧٥ عامًا. يجب أن تكون ذكرى ٤ آب ٢٠٢٠ الثالثة منعطفًا للخروج من الاستكانة بإتجاه عمل انقلابي مضاد يضع حدا لواقع الاستباحات المعنوية والفعلية، والتأسيس لمرحلة جديدة حيث ليس فقط للجريمة عقاب، بل لدولة القانون وقيمها الناظمة الكلمة الفصل بين واقع الهمجيات المستفحلة، والمدنيات التي تخرجها قيم حقوق الانسان العميمة ومسالكها الأخلاقية والسياسية الواجبة.