ياسين شبلي/حزب الله والإتفاق السعودي – الإيراني.. مجبر أخاك أم بطل؟! إيران تستعمل الإتفاق مع السعودية لكسب الوقت وتعزيز مواقعها في المنطقة بإنتظار إتفاق جديد مع أميركا

71

«حزب الله» والإتفاق السعودي – الإيراني.. مجبر أخاك أم بطل؟! إيران تستعمل الإتفاق مع السعودية لكسب الوقت وتعزيز مواقعها في المنطقة بإنتظار إتفاق جديد مع أميركا

ياسين شبلي/جنوبية/16 حزيران/2023

” منذ الإعلان في العاشر من شهر آذار الماضي عن توقيع الإتفاق السعودي – الإيراني في بكين، والأنظار تتجه إلى أذرعة إيران العسكرية والأمنية في المنطقة وحزب الله منها في المقدمة، لمعرفة مدى إلتزام إيران الحقيقي بالإتفاق، على إعتبار أنها هي لا “تلوِّث” يديها مباشرة بالأحداث في المنطقة، بل تعمل عبر وكلاء محليين حصريين يدَّعون المظلومية، في أوطان لا مساواة فيها بين الناس إلا بالظلم، بحيث ينطبق عليها القول،  ظلم في السوية “عدل” في الرعية.

المراقب لتصرفات حزب الله في لبنان والمنطقة بعد الإتفاق يشعر وكأن الحزب لم يكن في صورة ما كان يحدث من محادثات بين السعودية وإيران

 من هذا المنطلق، فإن المراقب لتصرفات حزب الله في لبنان والمنطقة بعد الإتفاق، يشعر وكأن الحزب لم يكن في صورة ما كان يحدث، من محادثات بين السعودية وإيران، أو على الأقل لم يكن على علم بمجرياتها وتطوراتها، وهذا ما جعله يبدو وكأنه غير راضٍ تماماً عن الإتفاق، بالرغم من إلتزامه التهدئة الميدانية والإعلامية، المطلوبة في هذه المرحلة خاصة إقليمياً، إذ أن التطورات في لبنان خصوصاً على صعيد إنتخابات رئاسة الجمهورية، خاصة التصعيد الكلامي بإتجاه الفريق الآخر، على خلفيتها ولو كان مغلفاً بالدعوة للتوافق – وما أدراك ما التوافق في عُرف الحزب – توحي وكأن الساحة اللبنانية غير معنية بهذا الإتفاق الإقليمي المهم، وبأن حزب الله وتوابعه، ليسوا بوارد التراجع حتى إلى وسط الطريق، بل يصرّون على متابعة نهجهم في الإستكبار والفرض والتعطيل  لكل إستحقاق لا تأخذ نتائجه مصالحهم وهواجسهم “المفترضة” بعين الإعتبار.

وما يؤكد هذا التوجه سلسلة العراضات والأحداث المتتالية، التي حصلت في الفترة الأخيرة، وتُعتبر رسائل سياسية للداخل والخارج، في بلد لا يمكن فصل أي تحرك فيه عن السياسة، من المناورات في عرمتى إلى قطع طريق المطار، مروراً بمنع الإعلامية الكويتية فجر السعيد من دخول لبنان، وقبلها خطف المواطن السعودي وتحريره، وهي أحداث قد لا يكون للحزب يد مباشرة في بعضها، إلا أنها تعتبر مؤشرا، خاصة وأنها لا يمكن أن تحصل في مناطق نفوذه بدون “قبة باط” منه على الأقل، ليستخدمها كرسائل لمن يعنيهم الأمر في الداخل والخارج، وكأني به يريد أن يُثبت أمام اللبنانيين أيضاً، بأنه يمتلك حرية القرار أو الحركة على الأقل في خياراته الداخلية، منها بشكل خاص.

إيران إنما تستعمل الإتفاق مع المملكة العربية السعودية لكسب الوقت وتعزيز مواقعها في المنطقة وذلك لتهيئة الأرضية بإنتظار إتفاق جديد مع أميركا

هذه النظرة إلى الأمور، يرى فيها البعض مبالغة بدور وحجم حزب الله، ويعتبر بأن ما يحصل من عراضات وأحداث  ليس سوى توزيع أدوار ما بين الحزب في بيروت ومرجعيته في طهران، وينطلق هذا التقييم من عدم ثقة بالسياسة الإيرانية في المنطقة أولاً، وعن قناعة ثانياً بأن إيران إنما تستعمل الإتفاق مع المملكة العربية السعودية لكسب الوقت وتعزيز مواقعها في المنطقة، وذلك لتهيئة الأرضية، بإنتظار إتفاق جديد مع أميركا يجري التفاوض بشأنه في سلطنة عُمان، تعتقد إيران أو تتوقع أن يتم عشية الإنتخابات الأميركية، نظراً لحاجة بايدن – كدأب الساسة في الغرب – لإنجاز خارجي ما يعزز موقف حزبه في هذه الإنتخابات.

تتعامل إيران مع السعودية على قاعدة “ما لنا لنا وحدنا وما لكم لنا ولكم” وهي القاعدة الذهبية والناجحة التي إتبعها حزب الله في لبنان أقله منذ العام 2008

وبالإنتظار تتعامل إيران مع السعودية على قاعدة “ما لنا لنا وحدنا وما لكم لنا ولكم”، وهي القاعدة الذهبية والناجحة  التي إتبعها حزب الله في لبنان أقله منذ العام 2008 حتى يومنا هذا، بدليل ما حصلت عليه إيران حتى اليوم، من عودة للنظام السوري إلى الجامعة العربية  ومن مدينة جدة بالذات وهذا في السياسة يُترجم “إنجازاً”، ومن تحييد للمملكة في معركة الرئاسة اللبنانية، عبر إلتزام السعودية بعدم دعم أي مرشح، ولا وضع فيتو على آخر ، وهو ما تُرجم بإستقبال السفير السعودي وليد بخاري لمرشح حزب الله للمنصب، الوزير السابق سليمان فرنجية، وهو ما يفسر ضعضعة وتشتت الموقف السني اللبناني من هذا الإستحقاق، خاصة في غياب مرجعية سياسية سنية داخلية في هذه المرحلة، وهو غياب كان للمملكة اليد الطولى فيه  كما لا يخفى على أحد عبر موقفها من الرئيس سعد الحريري – بسبب نفس السياسات التي تسير بها، هي اليوم للمفارقة – والذي أعلن تعليق مشاركته في الحياة السياسية اللبنانية بداية عام 2022  كما هو معروف وحتى إشعار آخر.

الإتفاق قد لا تتعدى مفاعيله الملف اليمني بالنسبة للجانب السعودي مع بعض التصريحات المعسولة من جانب إيران عن حُسن الجوار

هذه “الإنجازات” التي تحققت لإيران حتى الآن من الإتفاق، لم تكن سوى مقابل وقف إطلاق النار في اليمن، من دون أي بوادر على حل سياسي حقيقي، وهو ما يؤشر أكثر، إلى أن الإتفاق قد لا تتعدى مفاعيله الملف اليمني بالنسبة للجانب السعودي، مع بعض التصريحات المعسولة من جانب إيران عن حُسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولكن من دون أي إلتزام فعلي وجدِّي، وهي أيضاً نفس السياسة التي إتبعتها إيران في لبنان عبر حزب الله، حيث كان ولا يزال الحديث السياسي يدور عن التوافق والوحدة الوطنية والعيش المشترك، بينما الممارسة كانت في وادٍ آخر ، على طريقة أنت تريد وهو يريد وحزب الله يفعل ما يريد. وهكذا يُشبِّه البعض الإتفاق السعودي – الإيراني بإتفاق الدوحة عام 2008، بين أطراف النزاع اللبناني – مع فارق الأوزان والأوضاع والظروف طبعاً – ويتوقع ولو على المدى المتوسط أو الطويل، أن يكون مصيره كمصير إتفاق الدوحة في لبنان، الذي إنتهى بسيطرة حزب الله على الدولة، وإن لم يستطع حتى اليوم إبتلاعها لعوامل عديدة، هذه السيطرة والممارسة، التي أنهكت البلد وأوصلته إلى جهنم، عبر رئيس حليف نُصِّبَ بالضغط والإكراه رئيساً للجمهورية، وعبر حكومات هجينة كانت السيطرة فيها له ولحلفائه، كانت أشبه بحكومات تصريف أعمال، من دون أي خطط ومشاريع جدية ، وهو يحاول اليوم تكرار المحاولة عبر تنصيب سليمان فرنجية خلافاً لرأي أكثرية الأطراف السياسية.

 هذا لا يعني بأن “مؤسسة” الحكم في السعودية غير مدركة لذلك، ولكن قد يكون لها رؤيتها الجديدة، التي تعبِّر عن مصالح بلادها الحالية، والتي تختلف عن رؤيتها السابقة ومقاربتها للأمور، في تعاملها مع الدول العربية الأخرى وغيرها في المنطقة، فالزمن تغير كذلك الرجال، ولكل زمان دولة ورجال.

 من هنا قد يكون موقف حزب الله المتشدد – حتى الآن على الأقل – في الداخل اللبناني، صدىً لهذه القراءة المتشائمة للوضع في لبنان والمنطقة بشكل عام، كما يمكن أن يكون بالنسبة للمتفائلين بالإتفاق السعودي – الإيراني، محاولة لتثبيت مكاسبه في الداخل، قبل أن تضطره الظروف الإقليمية للإنسحاب والعودة إلى الداخل اللبناني. فأي القراءتان أقرب للواقع؟ هذا هو السؤال، فهل ستحمل التطورات المقبلة الإجابة عليه؟