أحمد الأيوبي/حزب الله والقضاء: العدالة الممنوعة

81

“الحزب” والقضاء: العدالة الممنوعة
أحمد الأيوبي/نداء الوطن/06 آذار/2023

مع وقوع جريمة الإغتيال الشنيعة للشيخ الشهيد أحمد شعيب الرفاعي اتّجهت الأنظار نحو اتّهام «حزب الله» بامتداداته الأمنية المحلية بالوقوف وراءها من خلال ما يُعرف بـ»سرايا المقاومة» بالإستناد إلى مسارٍ طويل من التراكمات الأمنية الكبرى التي يمكن من خلالها توجيه هذا الاتهام سياسياً، خاصة أنّ المواجهة التي كان يخوضها الشيخ الشهيد مع يحيى الرفاعي كانت في أحد وجوهها مواجهة سياسية استراتيجية. إستهجن «حزبُ الله» الاتهام وصمت طويلاً عن الجريمة قبل إدانتها، وكلّف مجموعة محامين بتوجيه إخبار إلى النيابة العامة التمييزية ضدّ كل من: خالد الضاهر، كِندا الخطيب، مريم مجدولين اللحّام، زياد المصري، عميد حمود، طوني بولس، شريف حجازي، فادي غصن، جوانا فرحات وابراهيم فتفت، بتهمة استغلالهم قضية اختفاء الشيخ أحمد شعيب الرفاعي (…) ضدّ «حزب الله» و»سرايا المقاومة» وأنهم حمّلوهما المسؤولية عن جريمة خطف الشيخ الرفاعي وتداعياتها.

ما أغفله «حزبُ الله» أنّ حليفه يحيى الرفاعي كان يتحرّك في جريمته على أساس أنّه قادر على إخفائها بشكل كامل، وسعى بكيدٍ عظيم لإشعال الفتنة من خلال إطالة زمن البحث عن مصير الشيخ الشهيد والإيحاء بأنّه قُتل في الكورة المسيحية (القومية) وأنّه خُطف إلى سوريا لإثارة الفتنة ضدّ السوريين في عكّار، واستغلال الشعور بأنّ «الحزب» وراء الجريمة بينما كان يُمَثِّل باحتراف دورَ المفجوع على قريبه المفقود… ما يجعل الأمر أقرب إلى استثارة الفوضى التي هدّد بها زعيم «الحزب» قبل أيام.

السؤال الأهمّ في هذا السجال: هل ممارسة العنف أمرٌ غريب عن «حزب الله» وهو الذي أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حكماً أدانت فيه واحداً من قيادييه الكبار، بينما اعتبر أمينه العام أنّ القيادي المعني مصطفى بدر الدين هو أحد القدّيسين الذين يحرّم الاقتراب منهم؟ أصدر «حزب الله» حكمه على المحكمة الدولية باعتبارها صهيونية، رغم أنّ وزير العدل الأسبق شارل رزق كشف أنّ قانون المحكمة ونظامها خضعا للتدقيق الشخصي من الأمين العام للحزب حسن نصرالله، وهذا ما ينزع أيّ ذريعة حقيقية للاعتراض عليها، لكنْ كما هو الحال دائماً، هناك وجهان لسياسات الحزب: وجه الصفقات الخفية ووجه المؤامرة المزعومة. «حزبُ الله» المتنصِّل من الإتهامات بالإغتيال هو نفسُه صاحب جريمة انقلاب 7 أيار 2008 الذي استشهد فيه 80 لبنانياً بهدف تغيير التوازن السياسي وتحوّل إلى «يوم مجيد» لإذلال اللبنانيين.

يفرض «حزب الله» على اللبنانيين اتّهامه من خلال سلوكه المشبوه، كما فعل من خلال تهديد وفيق صفا بـ»قبع» القاضي طارق البيطار، ثمّ تنظيم غزوة الطيونة – عين الرمانة لتعزيز الحصار القضائي على التحقيق… فكاد المُريب يقول خذوني.

يفرض «حزب الله» نفسَه تنظيماً مسلّحاً يستخدم سلاحه في الداخل ويضغط ليكون مع حلفائه فوق القانون، كما في غزوة عين الرمانة وفي الاعتداء على عشائر خلدة: في الحالتين، كان المسلحون واضحي الانتماء، وكانوا في حالة اعتداء صارخ على من دافعوا عن أنفسهم، بينما تحوّل بعض القضاء إلى أداة سياسية لاستهداف الضحايا بالتوقيفات الظالمة لشباب العشائر وباستهداف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

معادلة خطرة يريد «الحزب» فرضها على اللبنانيين وهي أنّه فوق الدولة وممنوع عليهم الدفاع عن أنفسهم عند وقوع العدوان المسلّح عليهم، وممنوع عليهم إدانة السلاح غير الشرعي الذي يستخدم في أنحاء الجمهورية، وممنوع عليهم الإحتجاج والاعتراض على تغوّل هذا السلاح في حياتهم… والأهمّ ممنوع على القضاء أن يتحرّك وممنوع على الأمن أن يعترض على استخدام هذا السلاح المحصّن بشعار «سرايا المقاومة»! كيف يمكن الفصل عندما يقع التداخل كما هو حاصل في جريمة اغتيال الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، وفيها كلّ عناصر الاختلاط بين يحيى الرفاعي، زعيم عصابة مسلّحة بسلاح متوسط وبكميّات ضخمة، وثروة بملايين الدولارات ومخدِّرات «نقيّة» وكلّها تتلطّى بوقوف العصابة القاتلة تحت صورة عماد مغنية… فهل من الصعب توجيه الاتهام لمن تتشابك فيه كلُّ هذه العوامل والارتباطات؟

لا يعترف «حزب الله» بالدولة، فهو أكبر من أن يتقدّم بأوراقه القانونية أمام وزارة الداخلية. يقبع القضاة عندما يريد، ولكنّه يستخدم ذراعه في القضاء لملاحقة خصومه ومحاصرتهم، وهذا مسلك إضافي يهدم ما تبقّى من أركان الدولة. «حزب الله» والقضاء حكاية قهرٍ واستكبار تتوارى فيها العدالة ويحضر الظلم والقمع والإرهاب الأمني والسياسي.