شارل الياس شرتوني: من الكوارث السياسية الى الكوارث الطبيعية

83

من الكوارث السياسية الى الكوارث “الطبيعية”
شارل الياس شرتوني/11 شباط/2023

امرتيا سن: “الديكتاتوريات ليست مؤهلة لمعالجة الكوارث بل لانتاجها

تحيلنا معاينة النتائج الكارثية للزلازل التي ضربت تركيا والشمال السوري الى واقع هذه الدول ومسؤولية الاوتوقراطيات التي تديرها عما وصلت اليه. الكارثة المسماة “طبيعية” هي طبيعية في آلياتها ولكن ليس في مسبباتها. نحن جيولوجيا في عصر الانتروپوسين (Anthropocene) الذي يعرف انطلاقا من تأثير العوامل البشرية على التبدلات الايكولوجية والمناخية والجيولوجية. إذن نحن في “طبيعة” من صنع البشر تحمل بصمات مداخلاتهم بوجهيها الإيجابي والسلبي، مما يعني أن للمداخلة البشرية دورا أساسيًا في صنع الكوارث الطبيعية وتردداتها على شروط الحياة الانسانية. إن للسياسات العامة دورا مفصليا في إدارة الانساق الايكولوجية والمخاطر الملازمة لها من منطلق عقلاني وأخلاقي مبني على مبدأ المسؤولية الأخلاقية التي تنسحب من العلاقات البشرية الى العلاقة مع الطبيعة على خط استوائي وتداخلي بعيد كل البعد عن المخارجات بين الإثنين (مارتن هايدغر، هانس يوناس، اولريش بك، فيليپ روكپولو، ميشال كايون، برونو لاتور، أندرو فينبرغ، تيودور روزاك، جون كوب …). المشكلة في المجتمعات المعاصرة التي لم تستدخل العقلانية العلمية والنقدية والاشكاليات الفلسفية والاتيكية والسياسية والهندسية والادارية والقانونية العائدة لها، تبقيها في دائرة الفراغات التدبيرية وما ينتج عنها من مخاطر مغيبة ومتروكة للأقدار.

إن الكارثة الزلزالية التي أصابت تركيا وسوريا ونجينا من تردداتها في لبنان لأجل غير مسمى، ليست صدفة ولا قدرا طبيعيا محتوما، بقدر ما هي نتيجة لواقع سياسي وإدارات عامة متخلفة وفاسدة تعبر عن واقع الانظمة السلطوية والاوليغارشية التي تحكمها. إن الفوالق الجيولوجية ليست بالأمر المستجد في منطقتنا، بل هي عوامل ملازمة للتشكلات الجيولوجية منذ ملايين السنين، المستجد في الأمر هو التعاطي غير المسؤول مع هذا المعطى الجيولوجي، وما يستوجبه من إدارة احترازية ومعايير ناظمة وتخطيط مدني يحمي من حركة الصفائح التكتونية المتحركة. تقع تركيا في مجمل أراضيها في إحدى المناطق الزلزالية الأكثر نشاطًا في العالم على خط تقاطع ثلاث صفائح تكتونية متحركة (العربية في الجنوب، واليورو-آسيوية في الشمال والاناضولية في الوسط)، وبالتالي نحن أمام معطى أساسي يستوجب وضع سياسات مدنية وبيئية احترازية لإدارة هذه المخاطر البنيوية وغير الطارئة. هذه الاعتبارات ليست من الأولويات في الأنظمة الاوتوقراطية والاوليغارشية، التي تبني سياساتها على قاعدة مصالح طواقمها الحاكمة ومعمياتها التي تحجب المتغيرات الايكولوجية والاجتماعية لحساب السياسات الريعية التي تحكم اداءاتها. إن غياب سياسات التخطيط المدني، والكثافة المدنية، وانعدام وجود أو تطبيق المعايير الهندسية الناظمة، والمضاربات العقارية، وجشع المستثمرين العقاريين، وغياب الرصد الجيولوجي المنهجي، وفساد وتخلف التشريعات والادارات العامة، هي العوامل التي تقف وراء هذه الكوارث الناشئة عن السياسات العامة في هذه الأنظمة.

لقد انشغل اردوغان والأسد، كل حسب أولوياته، في تثبيت أنظمتهم السلطوية، وترفيد سياسات الاثراء الاوليغارشي وتوزيع الريوع، فقضى الاول على سياسة التحديث وبناء دولة القانون على مفارقاتها التي ابتدأت مع الكمالية، ودمر الثاني سوريا لحساب سياسة السيطرة والنهب المنهجي، وانهار لبنان مع تداعي إرث دولة القانون لحساب سياسات النفوذ الهمجية التي حكمت أداء نظام الطائف. لقد أنكشف البلف الذي قامت عليه سياسة اردوغان، يوم طلب الاستغاثة من الديموقراطيات الغربية التي ابتزها طوال عشرين سنة من الحكم، والتي انطلقت بعملها الانساني قبل النداء عملًا بقناعاتها الاخلاقية؛ وتظهر دجل نظام الاسد عندما أدعى زورًا أن سياسة الحصار المفروضة على نظامه قد حالت دون وصول المساعدات الدولية، في حين أن سياسة الحصار إستثنت المساعدات الانسانية ،بادىء ذي بدء، والمساعدات التي وصلت عن طريق الشام، وزعت على قاعدة الموالاة للنظام. لهذه الكوارث الانسانية مترتبات سياسية سوف يحاسب عليها اردوغان والإسلاميون في الانتخابات القادمة، والنظام السوري وأوليائه الروسي والايراني، الذين احتجزوا سوريا في وضعية النزاع المجمد، الديكتاتوريات ليست مؤهلة لمعالجة الكوارث بل لإنتاجها.