الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري: أنا مَيْتي ما بِـيموت، وْرَح يبقى صَوْتي عالي/ قراءة نقدية في سلبيات وإيجابيات الوثائقي الفرنسي “حزب الله التحقيق الممنوع” وما له وما عيه

417

“أنا مَيْتي ما بِـيموت، وْرَح يبقى صَوْتي عالي”. قراءة في سلبيات وإيجابيات الوثائقي الفرنسي “حزب الله التحقيق الممنوع”

الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/10 شباط/2023

في إثر متابعتي منذ أيّام الأجزاء الثلاثة من الوثائقي الفرنسي “حزب الله: التحقيق الممنوع”، استفاقت فيَّ روحُ الناقد، وانتابتني رغبة في تحليل مضمون هذا الوثائقي وتفنيده، خصوصًا أنّه في الظاهر يقدّم فشّة خلق للبنانيين بكشفه الوجه الأسود لحزب الله الإرهابي، أمّا في الباطن فهو عبارة عن حفلة لبثّ الرعب وتيئيس الناس، إذ يُصوّر “أنّ حزب الله هم الغالبون”.

لو كنتُ أنا منتج الفيلم، وأبحث عن تمويل لتصويره، لَمَا تأخّرت لحظة واحدة في التوجّه إلى قيادة حزب الله وطلب التمويل، وبالتأكيد لن يردّوني خائبًا لأنّهم هم المُستفيدون.

يصوّر الوثائقي حزب الله وكأنّه ذلك الكائن الخرافي الذي هبط من السماء، وبالكاد يُلاحظه أو يعتبره أحد لصغر حجمه، فإذا بكائنات أرضيّة تطارده ظنًّا منها أنّه فريسة شهيّة، فتلقي القبض عليه وتحاول ابتلاعه، لكنّه يسبقها ويبتلعها هو لتُصبح جزءً منه، ويكبر حجمه. ومع استمرار الغافلين في محاولات ابتلاعه وقيامه هو بابتلاعهم، إذا به ينمو نموًّا مطردًا ويسيطر على كلّ الكائنات حوله ويتحكّم بها!

أيّ هديّة تخدم وتُسعِد طاغية مثل حزب الله أكثر من تصويره وحشًا لا ينهزم!؟ أوَليس هو، ومعه كلّ الأحزاب السيادية والتغييريّة والممانِعَة، مَن يُروّجون بأنّ حزب الله منيع “وما فينا عليه”!!؟ وحين تواجه هؤلاء جميعًا بحقيقة أنّ لا خلاص للبنان إلّا بالتخلّص من حزب الله، يجيبونك فورًا: “خبّرنا كيف ونحنا معك”، وكأنّهم مخلوق عجيب بعدة رؤوس، لكن بلسان واحد، كلسان الببغاء، يردّد الكلام خلف صاحبه ولا يفهم معناه!!

تولّت النُخب من ذوي التأثير في المجتمع اللبناني الترويج لهذا الفيلم، وقد تمادت في ترويجها لدرجة أنّي قلتُ: “الله يستر!!! شو بدّو يكون هالوثائقي مخَبّى إشيا ما منعرفها تَ يكون بحجم الدعاية اللي عم تنعملُّـه!؟” وبالفعل شكّل مضمون الوثائقي صدمة سلبية وإحباطًا للمشاهدين العاديين، إذ بالكاد تتطرّق للموضوع الذي رُوّج له من خلاله، فالعنوان: “حزب الله: التحقيق الممنوع” يأخذ المتابع مباشرة إلى تحقيق المرفأ الذي يعطّله مبدئيًّا حزب الله، فانشَدّ العامّة إلى شاشاتهم منشدين حقيقة المرفأ الممنوعة، ليجدوا أنفسهم أمام استعراض تاريخي غير دقيق لنموّ حزب الله الإرهابي، منذ كان صغيرًا غير ملحوظ ولغاية أن أصبح وحشًا ممسكًا بكل مفاصل القرار اللبناني، وعابثًا بكل الدول بين البحر المتوسّط والخليج العربي، إلّا إسرائيل! أمّا التحقيق الممنوع الذي انتظرناه فكان أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما أطاح بشحطة قلم كلّ جهود “إدارة مكافحة المخدرات” (DEA) للقضاء على حزب الله.

وتستمر النخب في دعايتها لهذا الوثائقي حتّى بعد عرضه، مصرّة على أنّه كشف حقيقة حزب الله وافعاله غير النظيفة! وحين تسأل “ما الذي لم يكن معروفًا من هذه الأفعال”، يجيبونك بجهل مدقع: “نحن اللبنانيين نعرف، لكنّ الأجانب لا يعرفون”.

ماذا يُفيدني أن يعرف الأجانب!!؟ هل عليّ أن أتوقّع أنّ الأمريكيين والفرنسيين مثلًا، سيقومون بتظاهرات “مليونيّة” للمطالبة بتحرير لبنان والشرق الأوسط من هذا الوحش الطاغية الذي اسمه حزب الله؟ وهل عليّ أن أتوقّع من رئيس فرنسا، ايمانويل ماكرون، أن يدعو إلى تطبيق القرارات الدوليّة الخاصة بلبنان وتحريره من حزب الله، وهو، أي ماكرون، يقول بإنّ عليه محاورة نواب حزب الله لانّ الشعب انتخبهم، من دون أن يلحظ أو يلاحظ أنّ الحزب يحتلّ لبنان وبندقيّته هي التي أتَت بنوابه، لا بل بكل النواب!!؟ أم عليّ أن أتوقع من الإدارة الأميركية أن تدفع نحو تطبيق الفصل السابع على لبنان لتخليصه من براثن هذا المحتلّ المسلّح، وهي التي ما بخلت في بيع الأسلحة للثورة الإسلاميّة الإيرانيّة، وما تردّدت في ترويج المخدّرات بين شعبها، من أجل جني الدولارات لتمويل جماعات “الكونترا” في حربهم ضد الشيوعيّة في نيكاراغوا؟

لا يخلو الوثائقي موضوع هذه المقالة من الايجابيّات وسأكتفي بمقاربة اثنتين منها:

الأوّلى هي أنّه عرّى وأدان مَن يدّعون مناهضة حزب الله في الداخل اللبناني، إذ يكفي أنّ هؤلاء تركوا الحزب يكبر إلى حجم الوحش ولم يفعلوا شيئًا نافعًا لردعه؛ سكتوا عنه في زمن الحريرية السياسيّة حتّى ابتلع رفيق الحريري نفسه. تواطأوا معه في الدوحة على شعبهم بعد حركة 7 أيّار 2008، فابتلع قيادات “14 آذار” ومحاهم من الحياة السياسيّة لكنّه أبقاهم يفطرون من فتات مائدته. رأوا الخلاص منه بالتغيير من الداخل، وبخوض الانتخابات النيابيّة 2022، فابتلع البرلمان وأحكم اطباقه على الدولة اللبنانيّة، تاركًا لهم البقايا ليتخانقوا عليها.

أين شعارات الانتخابات الواهية؟ وأين الحليف صاحب اتّفاقيّة مار مخايل وقد لفظه الحزب أخيرًا في انتخابات الرئاسة؟ أين ذاك الذي كان يطمح للفوز بالانتخابات النيابيّة ليدخل قصر بعبدا ويناقش مع حزب الله الاستراتيجيّة الدفاعيّة؟ أين الذي كان يؤكّد أنّ فوزه في الانتخابات، ولو بنصف المقاعد التي يتوقّعها، سيُنزل فورًا سعر صرف الدولار عشرة آلاف ليرة؟ أين الذين يتمسّكون باتّفاق الطائف والهوية العربيّة والدستور كسبيل للخلاص؟ أين النوّاب الذين استقالوا من برلمان الـ 2018 السابق لا يستقيلون اليوم طالما أنّ الظروف التي أدّت إلى تنحّيهم لم تتغيّر في البرلمان الجديد؟ وأين ذاك الذي أعطاه الشعب أكبر كتلة برلمانيّة وهو اليوم لا يقوى على إعلان ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية، ولا أحد يحسب له حساب في معادلة الرئاسة، حتّى ضاقت به الدنيا أخيرًا وأضحى يهدّد بتغيير النظام؟

لَمّا دَعَونا الشعب إلى مقاطعة الانتخابات النيابيّة الأخيرة لأنّ من شأنها تشريع خيانة واحتلال حزب الله، تهمتمونا بالمضلّلين والمتآمرين، وبأنّنا نخدم حزب الله! تشبّثتم بالمضيّ في جرّ الناس إلى صحاحير الاقتراع وخدعهم، لكنّ الأمر لم يطل حتّى بان دجلكم يا زُبانة كراسي القشّ؛ أعجزكم انتخاب رئيس للبلاد وليس لأنّكم غير متفقين على اسم جامع، بل لأنّ المحتلّ حزب الله الذي تُصرّون على أنّه مكوّن لبناني، هو مَن يُريد ذلك.

خسئتم.

الأمر الإيجابي الثاني في الوثائقي “حزب الله: التحقيق الممنوع” هو أنّه قدّم ما يُثبت أنّ حزب الله غير لبناني، على عكس ما يدّعيه “السياديون” و “التغييريّون” وغيرهم مِمّن يُريدون التغطية على مساكنتهم هذا الحزب في البرلمان، ومشاركتهم ايّاه في السلطة والقرارات، وهم بذلك يُبيّضون صفحته أمام المجتمع الدولي.

يُبيّن الوثائقي أنّ الحزب يُدخّل إلى لبنان سنويًّا مليارين وأربعمائة مليون دولارًا أميركيًّا، مبيّضة في تجارة السيارات داخل بعض البلدان الأفريقيّة، إذًا هي أموال تدخل نظيفة ومُفترضة شرعيّة.

إذا أضفنا إلى هذا المبلغ سبعمائة مليون دولارًا أميركيًّا من إيران، وأموال تهريب السلع المدعومة من لبنان إلى سوريا، وأموال تهريب الكبتاغون، وما يجنيه الحزب من التلاعب بسعر الصرف، ومن هيمنته على آليّة صنع القرار في الدولة، لاسيّما في وزارة المالية والدوائر العقارية، نستنتج أنّ حزب الله يصله في السنة ما بين 4,5 و5 مليار دولار أميركي تقريبًا، يُستفاد منها في استراتيجيّاته المُمانِعة خدمةً لمشروعه الإسلامي القاضم. فلو كان الحزب يهمّه لبنان واللبنانيين من خارج بيئته، لكان استخدم هذه الأموال في استثمارات وطنية، ومَنْع، أو أقلّه أخّر، الانهيار المالي المتعاظم الذي نعاني اليوم من دركه، ما يؤكّد أن حزب الله هو فصيل لا علاقة له باللبنانيين وله مشروعه المستقلّ على قاعدة؛ “ما للبنانيين هو لي وللبنانيين، وما لي هو لي”.

فيا أيّها “السياديون” و “التغييريّون” المتواطئون من داخل السلطة، ويا أصحاب مقولات: “هو مكوّن لبناني”، “هو مقاومة حرّرت الجنوب”، “ما فينا عليه”، “بدنا نرجعُه عَ لبنان ونحولُه لحزب سياسي، “بدنا نعمل معه استراتيجيّة دفاعية”… الخ …

أنتم، مهرطِقون مدجَّنون ذمّيون.

وهو، خائن ومحتلّ للقرار اللبناني، وأمثاله مصيرهم المحاسبة وحبل المشنقة والسجن، وليس مناقشة استراتيجيّة دفاعيّة معه. ويوم تحين الساعة ستلقون نفس مصيره أيّها المتواطِئون الجبناء.

ويا شعبي لا تجزع ولا تتردّد في استفراغهم، ولا تتكّل إلّا على نفسك، فأنت لست في حسبان أحد، ولا تنسى “كلّن يعني كلّن”.

#صار_بدها_جبهة_لبنانية
#hezbollah_delendum
#systema_delendum_est