الكاتب والمخرج سوسف ي. الخوري/لو كنتُ بشير الجميّل…هل من بين المرشّحين الموارنة اليوم مَن يجرؤ على الإعلان بأنّه سيطالب رسميًّا كرئيس للجمهوريّة بوضع لبنان تحت البند السابع حتى نزع آخر رصاصة غير شرعية ِمن أيدي الخونة

569

لو كنتُ بشير الجميّل…
الكاتب والمخرج سوسف ي. الخوري/27 آب/2022

هل من بين المرشّحين الموارنة اليوم مَن يجرؤ على الإعلان بأنّه سيطالب رسميًّا كرئيس للجمهوريّة بوضع لبنان تحت البند السابع حتى نزع آخر رصاصة غير شرعية ِمن أيدي الخونة، وبأنّه سوف يُحاكم حزب الله ويُلزمه بالتعويض على لبنان واللبنانيين عن الخسائر التي جنى عليهم بها جرّاء سلوكه الدنكشوطيّ؟ ؟
وهل مِن مرشّح، ثائر حقيقي، يجرؤ على القول إنّ العلّة في الدستور نفسه وليس في عدم تطبيقه، فيُطالب منذ الآن، على غرار الكبير شارل ديغول، بصلاحيّات إضافيّة للرئيس كي لا يكون عهده رحلة سياحية في غيهبِ قصرِ الرئاسة؟
إذا كان هكذا مرشّح موجودًا، فليرفع يده عاليًا لنزكّيه.
******
يقول العماد إبراهيم طنّوس في مذكّراته غير المنشورة “إنّ الشيخ بشير يتمتع بشخصيّة قياديّة مميّزة، ويسعى علنًا إلى السلطة”، ويُضيف أنّ “الوزير طوني فرنجية والسيّد داني شمعون والشيخ أمين الجميّل كانوا ينافسونه على الزعامة، فأزاحهم من طريقه الواحد تِلوَ الآخر تحت شعار توحيد البندقيّة”. ويتابع العماد طنّوس قائلًا: “فَهِم بشير أنّ إزاحة المنافسين لا تكفي لفوزه بالسلطة، وأنّه يجب عليه المراهنة على مطلب شعبي أساسي وكسبه، فاندفع إلى إخراج السوريين من المناطق الشرقيّة، وأثبت أهليّته لزعامة البلاد”.
إنّ المتمعّن في السطور القليلة أعلاه، يُدرك تمام الإدراك أنّ بشيرًا استخدم استراتيجيّة واعية ومُتقنة ليستحقّ السلطة، قبل أن يحتسب عدد النواب الذين سيصوّتون لصالحه، أو يسترضي فلان “وعِلْتان” لانتخابه. فهو قد أيقن أنّه بحاجة إلى تكوين حالة شعبيّة حول شخصه، وأنّ تكوينها مرتبط حتميًّا بعناصر وقواعد هي:
1. وقوع شدائد وأخطار مُهدّدة؛ وكان لبنان حينذاك يُعاني من تآمر أهل السنّة والأحزاب اليساريّة والغرباء الفلسطينيين على الجمهوريّة.
2. وجود أمل للخروج من الأزمة الحاصلة؛ وهنا تمكّن بشير من خلال شخصيّته الجاذبة (الكاريزما)، وقدرته على إزاحة منافسيه، أن يُعطي الأمل للناس.
3. تحويل الأمل إلى حقيقة وايمان راسخين؛ وهنا استفاد بشير من انتصار أحزاب الجبهة اللبنانيّة في معركة المائة يوم بالأشرفيّة، ومن صمود القوّات اللبنانيّة في وجه جحافل السوريين والمتآمرين على لبنان في زحلة. وما عزّز إيمان الناس ببشير أكثر، هو تصميمه على إخراج الغرباء وتحرير لبنان منهم.
استكمل بشير تكوين حالة شعبيّة مسيحيّة راسخة حوله، وتحوّل بسرعة غير اعتياديّة من “ميليشياوي أزعر” إلى زعيم سياسي يتمتّع بصفات رجل الدولة الوطني، ومع ذلك، بقي طريقه إلى الرئاسة غير معبّد، إذ ينقصه قبول المسلمين به، واستقطاب الدعمَين العربي والدولي له.
تحرّكت مجموعات الضغط المحليّة والدوليّة للتمهيد لترشيح بشير إلى الرئاسة، فنشط في الداخل ومع سوريا الكتائبيون المخضرمون أمثال جوزيف أبو خليل وجورج سعادة وكريم بقرادوني، وتحرّك زاهي البستاني باتّجاه الدروز، وتولّى فيليب حبيب اقناع الإدارة الأميركيّة، ومناحيم بيغن كان متفهّمًا ولم يضع شروطًا على تحرّكات هذا “اللوبي”، حتّى إنّه بارك توجّه بشير إلى السعوديّة وشجّعه. تتوّجت كلّ هذه الخطوات بدعم الرئيس الياس سركيس لبشير، وبتبنّي الجبهة اللبنانيّة ترشيحه مجتمعة، وليس حزب الكتائب منفردًا.
أهمّ خطوة خلال تحرّكات مجموعات الضغط جاءت من بشير نفسه، وقد تجلّت بمجاهرته طيلة الوقت بأنّ الرئيس المقبل لن يكون إلّا لبنانيًّا، ولن يخضع لشروط أحد، لا للفاتيكاني ولا للأميركي ولا للسوري.
في كلّ ما سبق، كان بشير يعمل على تأهيل نفسه للرئاسة ولم يكن قد فكّر بعد باكتمال نصاب جلسة الانتخاب، أو بعدد النواب الذين سيؤيّدونه، أو حتّى برأي صائب سلام، ورشيد كرامة، وسليمان فرنجية، ووليد جنبلاط ونبيه برّي…
لكن أين وقع بشير؟
بعد أن تخلّص من آخر منافسيه، داني شمعون، التأمت لجنة الدراسات الاستراتيجيّة التي تعمل له، وتقرّر وضع خطة لاستيلائه على الدولة، وكُلّف بوضعها كلّ من أنطوان نجم والمقدّم ميشال عون (الرئيس الحالي) بسريّة تامة وبعيدًا عن الأضواء.
عاد الرجلان بعد خمسين يومًا بخطّتين لوضع اليد على السلطة، إمّا بانقلاب وإمّا عبر المؤسّسات الدستورية. اختارت غالبيّة أعضاء اللجنة الخطّة الدستوريّة وتركوا الانقلاب كخيار احتياطي، وهنا كانت “زحطة” بشير الأولى؛ هو ثائر على الصيغة التي طالما وصفها بالمزرعة، وطالما دعا إلى تغيير قواعدها المعمول بها، لذا، كان عليه أن يبقى متجانسًا مع طروحاته وشخصيّته، وأن يختار الانقلاب والقوّة، وليس المسار الانتخابي الكلاسيكي! “لا تستطيع القيام بثورة اعتمادًا على وسائل دستورية”، قال له سليم الجاهل أحد أعضاء اللجنة الاستراتيجيّة، “أنت يا بشير ظاهرة سياسيّة يجب أن تقلب النظام رأسًا على عقب دون أن تحسب حسابًا للدستور”. وبكلام من عندي في السياق نفسه أقول: انتفض بشير على الصيغة ثمّ ما لبث أن مَوضَعَ نفسه تحت سقفيها العرفي والدستوري!
بمجرّد الإذعان للمسار الكلاسيكي، تحتّم على بشير التفاوض والمسايرة للوصول إلى الحكم، وبالتالي تغاضى عن المحاسبة، ومدّ يده إلى اللبنانيين المخرّبين، حلفاء ياسر عرفات، عوض محاكمتهم بالخيانة العظمى وإيداعهم السجون أو إعدامهم! وهنا كانت “الزحطة” الثانية والمميتة التي لا يزال المسيحيون يدفعون ثمنها لغاية اليوم.
قد يظنّ البعض أنّه لم يكن بمقدور بشير الاستيلاء على السلطة بالقوّة، والمحاسبة. بلا، لأنّ اللبنانيين جميعًا وقفوا خلفه في النهاية ورأوا فيه المنقذ. العالم العربي والإسلامي قبِل به وتخلّى عن ياسر عرفات. العالم الغربي أعطاه كامل الدعم، والإسرائيليون لم يعاملوه إلّا ندّيًا حتّى نفَسِه الأخير!
وقد يقول لي البعض الآخر أن يدَ الاغتيال كانت ستطال بشيرًا حتّى ولَو أتى إلى السلطة بانقلاب، وهذا أكيد، لكنّه كان يستحقّ المغامرة، كما أنّ سليم الجاهل كان يستحقّ أن يسمعه بشير.
في الخلاصة، بشير الثائر في قلبه وروحه ووجدانه المسيحي، غلبه بشير الصيغة والعيش المشترك، فكان الثمن لبنان! وللأسف، لا يزال المرشّحون الموارنة، وبطريركهم الراعي للأربعة الأقوياء، يأملون بالتغيير من داخل المنظومة “الكليبتوقراطيّة” النتنة. يُساكنون الخائن والمحتلّ للقرار اللبناني داخل البرلمان، ويرون الحلّ برئيس ماروني قادر على التعاطي من الندّ إلى الندّ مع الخائن حزب الله. للأسف وألف للأسف على هكذا موارنة!! بشير الجميّل ربّما أخطأ حين مدّ يده للمجرمين اللبنانيين حلفاء ياسر عرفات، لكنّه في المقابل لم يُهادن المخرّب عرفات لمّا أتت ساعته، وقال له بحسم: “انتهى زمن المناورات، عليكم أن تغادروا لبنان، كلّ لبنان”.
هل من بين المرشّحين الموارنة اليوم مَن يجرؤ على الإعلان بأنّه سيطالب رسميًّا كرئيس للجمهوريّة بوضع لبنان تحت البند السابع حتى نزع آخر رصاصة غير شرعية ِمن أيدي الخونة، وبأنّه سوف يُحاكم حزب الله ويُلزمه بالتعويض على لبنان واللبنانيين عن الخسائر التي جنى عليهم بها جرّاء سلوكه الدنكشوطيّ؟ ؟
وهل مِن مرشّح، ثائر حقيقي، يجرؤ على القول إنّ العلّة في الدستور نفسه وليس في عدم تطبيقه، فيُطالب منذ الآن، على غرار الكبير شارل ديغول، بصلاحيّات إضافيّة للرئيس كي لا يكون عهده رحلة سياحية في غيهبِ قصرِ الرئاسة؟
إذا كان هكذا مرشّح موجودًا، فليرفع يده عاليًا لنزكّيه.
في الجزء الثاني من هذه المقالة صباح الاثنين 29 الجاري، سوف نقارب تجربة بشير الجميّل الرئاسيّة، بأخطائها وصوابها، كي نحدّد مواصفات الماروني الذي يستحقّ أن يكون رئيسًا. لماذا بشير وليس غيره؟ لأنّ الظرف الذي صعد فيه يُشبه إلى حدّ كبير ما نعيشه اليوم، لاسيّما أنّ اللاعبين بغالبيّتهم هم هم، باستثناء حلول سلاح حزب الله مكان السلاح الفلسطيني.