شارل الياس شرتوني/الأزمات المفتوحة بين السياسات الانقلابية والمصالح الاوليغارشية

99

الأزمات المفتوحة بين السياسات الانقلابية والمصالح الاوليغارشية

شارل الياس شرتوني/17 شباط 2022

إن اسوأ ما في الأوضاع اللبنانية السائدة منذ ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩ هو الغياب الارادي لأي تسوية سياسية تسمح بمعالجة الأزمات المالية والاقتصادية والحياتية المتداخلة والقاتلة، والتصرف كما أنه لو كتب على اللبنانيين تحمل بذاءة هذه الطبقة السياسية وتردداتها المدمرة على ظروفهم الحياتية المأساوية. إن قراءة الأحداث اليومية المتوالية منذ تلك الفترة تنبىء عن أسباب هذه الممانعة الإرادية، كما ظهرتها عملية تهريب الأموال الكثيفة التي جرت وقتها، والاستنكاف الإرادي عن اجراء التحقيق الجنائي المالي، وعدم الالتزام بما أودت إليه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من مساعدات مشروطة بسياسات إصلاحية بنيوية، وعدم الخوض في مسألة الاصلاح المالي لجهة إعادة هيكلة النظام المصرفي، وإعادة النظر ببعض بنود قانون النقد والتسليف، ودور البنك المركزي غير القانوني، الذين أجازوا التسليفات غير القانونية لدولة فاسدة ومفلسة بنسب لا يسمح بها القانون، وبناء على تواطاءات بين القطاع المصرفي، والبنك المركزي و الطبقة السياسية، والندوة النيابية ولجنة المال فيها.

لقد أدت هذه الممارسات الإرادية التي استندت الى آليات النظام الپوليارشي الذي حكم البلد منذ ١٩٩٠، وبنوده الدستورية وممارساته، الى تدمير الحياة الاقتصادية على تنوع مرتكزاتها، لحساب اقتصاد الريع والمقامرة والحيازات والمسالب الذي استخدم من قبل الطبقة السياسية بمكوناتها المتعددة، سلطة الاحتلال السورية ووكلاؤها الظرفيون، المقاولون الوافدون من بلدان الخليج العربي (رفيق الحريري وفريق عمله)، وأمراء الحرب داخل الطوائف (الشيعية والدرزية)، وموالي سياسات النفوذ السورية والسنية والشيعية والدرزية في الأوساط السياسية المسيحية، ووكلاء سياسة النفوذ السورية العابري الطوائف. إن مجرد استعادة النهج المعتمد كفيل بتظهير نوايا هذه الطبقة السياسية، التي لا هدف لها سوف تأمين استمراريتها بأي ثمن وتثبيت إقفالاتها، والحؤول دون منازعة سياسة النهب التي اعتمدتها على مدى ثلاثة عقود، والحفاظ على الأموال المنهوبة والمهربة والمبيضة، وتثبيت قواعد اقتصاد المقامرة والجريمة المنظمة على حساب الاقتصاد الانتاجي والشرعي، وشفط الأموال المتبقية لدى اللبنانيين من خلال مأسسة اللعب بأسعار الدولار ( ٣-٤ أسعار يوميًا)،من خلال هيركات يومي صعودا ونزولًا تديره مافيات الثنائي الشيعي وردائفها العابرة للطوائف، وعمليات التهريب الى سوريا على تعدد أوجهها ( المالية والغذائية والنفطية والتجهيزية…)، وتثبيت القطيعة بين الاقتصاد المالي والعمل الاقتصادي المنتج.

لا سبب للتمنع الارادي سوى حماية مصادر النفوذ السياسي والمالي وتوارد المصالح بين أجنحة الاوليغارشيات الحاكمة. لقد تظهرت هذه النوايا من خلال هزالة التمثيل في الوزارتين المتعاقبتين، وتجاهل الحراكات المدنية، وسياسات القمع الهمجية من خلال رعاع الفاشيات الشيعية، والفراغ الاستنسابي، والانفجار الپروتو-نووي في مرفأ بيروت وظلالاته الارهابية، والنسف المبرح لدولة القانون والقيم الاخلاقية والمدنية من خلال عمليات الاغتيال، والتصرف بمسارح الجريمة، والتصدي لتدويل التحقيق الجنائي والاطاحة بالتحقيق العدلي الداخلي، وتعطيل عمل الحكومات. هذا يفضي بنا الى استنتاج أساسي حول التقاطع بين سياسة الانقلاب التي تتحرك من خلالها الفاشيات الشيعية، وحماية سياسات النهب الاوليغارشية، والسعي الحثيث الى تدمير قواعد الاجتماع السياسي اللبناني الميثاقية والتوافقية والمواطنية، والتوازنات الاقتصادية والاجتماعية والمدينية، والدخول في ديناميكية الصراعات المفتوحة على نزاعات الداخل والخارج.

إن المراهنة على تبدل سياسي يعدل أو ينهي هذه الديناميكيات الانقلابية النيهيلية الطابع من خلال الانتخابات النيابية هو توقع مفرط بالتفاؤل، نظرا لأحوال التفكك النافذة التي تعيشها البلاد على كل المستويات، وتحول المؤسسات الدستورية الى بنيات صورية ومتغيرات تابعة ومواطىء لسياسات النفوذ، والانهيارات الاخلاقية العميمة، وتفشي العنف والإرهاب وتفتت الساحة السياسة، كما ظهره انسحاب سعد الحريري وتيار المستقبل من العمل السياسي اليومي، ومحاولة حزب الله وحلفائه في الوسط السني قضم ما تيسر لهم من التمثيل النيابي. إن تعاطي الفاشيات الشيعية مع الاستحقاق النيابي هو الناظم لمجرياته، سواء لجهة تفخيخه في حال عدم تأمين كتلة ممانعة ،أم تأمين كتلة وازنة تغطي متابعة العملية الانقلابية في الأربع سنوات القادمة. في ظل هذا الواقع المتفجر، الهجرة تأخذ مداها لتكون الرديف المباشر لعملية التدمير الإرادي للكيان الوطني والدولتي الذي يسعى اليه التحالف الانقلابي والاوليغارشي. لا سبيل لاستقامة الموازين الأمنية والوطنية والسياسية، وإعادة الاعتبار لدولة القانون إلا من خلال التدويل تحت الفصول السابعة والثامنة والتاسعة من شرعة الأمم المتحدة، لوضع حد لواقع الاستثناءات السيادية التي تختبىء وراءها الفاشيات الشيعية والمنظمات العسكرية الفلسطينية وتستحثها سياسة التهجير التي دفع بها النظام السوري.