هدى الحسيني: حكومة الإنقاذ قضت على ما تبقى من لبنان/فهد سليمان الشقيران: لبنان حين اختار إيران

61

حكومة «الإنقاذ» قضت على ما تبقى من لبنان!
هدى الحسيني/الشرق الأوسط/04 تشرين الثاني/2021

لبنان حين اختار إيران
فهد سليمان الشقيران/الشرق الأوسط/04 تشرين الثاني/2021
الخضة التي تعرض لها قادة لبنان بعد الإجراءات الدبلوماسية والسياسية الخليجية الأخيرة كانت مدوية؛ إذ في الوقت الذي يصفها فيه الخليجيون بالإجراءات المتأخرة، اعتبرها ساسة لبنان مفاجئة وقاسية. اعتاد أولئك طوال العقود الطويلة الماضية استسهال الهجوم على السعودية، واستمراء العفو والتغاضي والتعالي. رغم كل الإزعاج الذي سببه لبنان للسعودية طوال السنين لم تأخذه السعودية على رأس أولوياتها.
تصاعد دور لبنان الخطير على مصالح السعودية والخليج منذ اغتيال رفيق الحريري، حينها دخل «حزب الله» في حلبة السياسة، وتدرج حتى وصل في مايو (أيار) 2008 لاستخدام السلاح ضد اللبنانيين في بيروت بما عرف بمجزرة «7 أيار»، ورغم تفوق حلفاء السعودية في الانتخابات بعدها، غير أن «حزب الله» استمر في اغتيال كبار النخب والساسة ورجال الأمن من فريق «14 آذار».
تشكُل محور الممانعة وخروج سوريا من الباب وعودتها من الشباك جعل المهمة أمام لبنان شبه مستحيلة. بعد انسحاب وليد جنبلاط من «14 آذار»، ثمة قصة مطولة يرويها عبد العزيز خوجة في مذكراته: أرسلت القيادة السعودية خطاباً تلاه خوجة على جنبلاط بحضور غازي العريضي، وكان الخطاب يؤنبه على الخذلان التاريخي لتكتل كان التعويل عليه لتركيب محور وازن داخل لبنان بوجه المحور السوري الإيراني. ظن الزعماء، ومنهم جنبلاط، أن السعودية كالمعتاد «تزعل وترضى». تدريجياً تداخلت التحالفات، وانفضت التكتلات، وعادت حليمة لعادتها القديمة. تمترس الزعماء وراء مصالحهم الآنية مفضلين السلامة وراحة البال، حتى طوّقهم «حزب الله»، وقد قالها بوضوح وليد جنبلاط في حوار تلفزيوني معه، إننا في لبنان نعيش في إيران، وبالفعل كل شيء في لبنان يدل على أنه بات قطعة من إيران باستثناء مناطق قليلة أصر أهلها على سحق «حزب الله»، في حال جرب قوتهم واختبر تحملهم.
السعودية معظم مشاريعها تتعلق بالاقتصاد والتنمية، استثمارات تريليونية، مشاريع تعنى بالبيئة والخضرة والمناخ، لا وقت لديها لدول الصراخ والفشل. لم تختر السعودية الهجوم على لبنان، بل العدوان جاء من قبلهم، ولم يقتصر الأمر على «حزب الله»، فهذا الحزب الإرهابي الهجوم عليه وتلقي الاعتداءات منه تحصيل حاصل، لكن الكارثة أن يمارس العدوان على السعودية من تيارات تقدم نفسها باعتبارها مدنية وذات بعد علماني. ليست القصة في تصريحات وزير لا قيمة له من قبل ولا من بعد، بل في منهج منظم يطرح سياسياً وإعلامياً طوال السنوات السبع الماضية.
ساسة لبنان هم من اختاروا إيران؛ العماد ميشال عون قالها قبل تولي السلطة إنه من المحور الإيراني. جبران باسيل رفض إدانة التدخل الإيراني في الشؤون العربية؛ رفض إدانة استهداف مصافي «أرامكو»، رفض إدانة العدوان الحوثي على السعودية، بالطبع إدانته ليست قيمتها منه هو، بل من ما يمثله منصبه السياسي؛ الذي شغله كبار رجالات الدولة في لبنان قبل أن يصبح منصباً بلا جدوى. اختار اللبنانيون إيران حين تصرح مي خريش نائبة جبران باسيل، وتقول إنها تفضل إيران على السعودية؟! ولماذا تفضلها؟
تقول الفاضلة إن في إيران حياكة السجاد، ثم تقول إن فيها الشجر والخضرة، ولم تكلف هذه السياسية نفسها عناء الاطلاع على السعودية لتعرف أنها قارة متنوعة التضاريس، ومتعددة المناخات، وأن ثلثها الجنوبي فيه من الجبال والوديان والخضرة ما لن تجد مثيله ليس في لبنان بل وفي معظم دول العالم، لتبحث في محرك البحث عن مناظر الطبيعة في منطقة مثل «رجال ألمع». هذا على سبيل المثال، لتبيان مستوى فراغ العقول وتفشي الجهل المريع في كوادر «التيار الوطني الحر» بكبار قادته وصغاره لا فرق. الأدمغة عبارة عن «طقم» واحد.
والعجيب هذه الثقة المفرطة في إعطاء النصائح للسعوديين والخليجيين. شخص صحافي لديه خواطر على «يوتيوب» يسدي باغتباط نصائحه لدولة كبيرة وغنية وقيادية مثل السعودية؛ تحليلاته كلها تنم عن ضعف في التفكير، وتقصير بالاطلاع، وهشاشة في التصور. بآخر التحليل تكتشف أن ساسة لبنان بمعظم قادتهم، سواء من في «14 آذار» الذين خضعوا لـ«حزب الله»، أو من «8 آذار»، الذين استنصروا بـ«حزب الله» اختاروا المحور الإيراني، ولذلك ما جدوى دول الخليج في هذه الحالة؟!
حين يفضل «حزب الله»، وحزب رئيس الجمهورية، إيران، على السعودية والخليج، ماذا ينتظر هؤلاء من الخليج؟ هل ينتظرون التكريم والدروع التذكارية؟! بالطبع سيواجهون بإجراءات حاسمة توازي العدوان السياسي والإعلامي، والمعركة بدأت للتو.
مر زمن طويل من الهدوء في التعامل مع الإساءات الصادرة من لبنان. اليوم الدول تبحث عن مصالحها، والدولة التي لا تفيد يتم تجاوزها. يعيش النظام السياسي حتى الآن في عهود سحيقة مضت، لا يزالون يستخدمون النظريات القومية والناصرية والاشتراكية في التداولات الحزبية، نحن في زمن الشراكات والتداول والصفقات والتكتلات الاقتصادية. زمن الخطابات والعنتريات والقضايا الفارغة انتهى.. السعودية تقود قمم المناخ والاخضرار، وتبرم اتفاقيات في الطاقة البديلة والمناخ، وتعمل على تغيير وتحول جذري داخلي، لا وقت لديها للإنصات للدول الفاشلة.
على من اختار إيران أن يذهب معها، ويقتدي بتجربتها، وأن يطلب دعمها، وأن يرسل محازبيه للعمل هناك والإقامة هناك، والدراسة هناك، بخاصة «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» الذين تفتقت أدمغتهم عن أفكار حياكة السجاد ومناظر الشجر في إيران.
إنها باختصار نكبة كبرى يعيشها لبنان، لكن ساساتها هم من اختار هذه النكبة. بقية الدول قامت بإجراء واحد؛ فقط أغلقت أبوابها، لسان حالها يقول: عيشوا كما تريدون، نحن لا نحتاجكم، لكم دينكم ولي دين.

حكومة «الإنقاذ» قضت على ما تبقى من لبنان!
هدى الحسيني/الشرق الأوسط/04 تشرين الثاني/2021
ماذا فعلتم بلبنان، وماذا تريدون أن تفعلوا بعد بشعبه؟ حكومة «معاً للإنقاذ» كان يجب أن يكون شعارها: «وحدكم للارتطام»، خصوصاً وقد حصل الانهيار التام.
في دول العالم الحر، يخطئ وزير فيستقيل أو يقال خلال لحظة. في الدول الحرة لا مرجعية للوزير، كفاءته مرجعيته. المفاجأة هي كم مرجعية تقف وراء جورج قرداحي وزير الإعلام؟ تحدث بتحدٍّ أن لبنان دولة مستقلة وذات سيادة – نعود إلى هذه العبارة لاحقاً – ويقول أيضاً إنه خارج الحكومة كان يعبّر عن تضامنه الأخوي مع الشعب اليمني الذي تعتدي عليه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة (لم نسمعه يعبّر عن تضامنه مع الشعب اللبناني الذي اعتدت عليه سوريا وتعتدي عليه إيران عبر وكيلتها ميليشيا «حزب الله»). قال أيضاً إنه اليوم داخل الحكومة يلتزم ببرنامجها (الذي هو واضعه)! ويتبنى مواقفها. هذه العبارة تكفي لنعرف أنْ لا مبدأ له. وهو مقابل السعودية التي أثرى من ورائها ومقابل مصلحة لبنان ينطبق عليه هذا البيت من الشعر:
ولا خير في ودِّ أمرئ متلون … إذا الريح مالت مال حيث تميل
لم يكذب قرداحي هذا الشعر، وانتشى بعدما رفع الحوثيون صوره في الشوارع في اليمن، ولو انتظروا قليلاً لمزقوها.
الغريب سخافة الحكومة في لبنان. لست مع نظرية المؤامرة، لكن منذ عام 1982 و«حزب الله» يحيك المؤامرات للبنان. يقولون، وهذا معروف، أن راعي قرداحي هو سليمان فرنجية المحسوب على الرئيس السوري بشار الأسد، وفي لبنان هو مع «حزب الله»، إذن لسوريا و«حزب الله» دور في اختيار ابن كسروان وزيراً ينفّذ ما يملونه عليه. يأتي قرداحي لعقد مؤتمر صحافي وإلى جانبه أحد أبرز المحسوبين على سوريا ليكرر أنه حر وفي بلد حر، حتى بسرقات أموال الناس، وأن على الدول الأخرى ألا تستوطي حائط لبنان، مقدمة ليبلغنا أن الأوامر جاءته من «حزب الله» بعدم الاستقالة.
أين الحرية لا بل أين السيادة والمعابر الشرعية وغير الشرعية التي كرسها «حزب الله» للتهريب؟ أين السيادة ومرفأ بيروت تم تدميره مع ثلث العاصمة بسبب نترات الأمونيوم التي حفظها الحزب لسنوات في العنبر رقم 12 وكان ممنوعاً على الجميع الاقتراب منه باستثناء عناصر الحزب، وقيل إن الحزب وسوريا تخوّفا من أن تنفجر هذه المادة لو حُفظت في سوريا حيث هناك قصف طيران روسي وأميركي وإسرائيلي، فقد يصاب المستودع وتقع الكارثة، أما أن تقع في بيروت فهذا هو المطلوب؟
قال وزير الخارجية عبد الله بو حبيب إن السعودية ترفض الحوار، وقال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إن قرداحي قال ما قاله قبل أن يصبح وزيراً. لم يقل لنا ميقاتي لماذا اختاره؟ وما كفاءاته؟ ولماذا طوال حرب اليمن لم يرتدِ بذلة الصحافي ويسافر إلى هناك ليرى بأمّ عينيه كيف يقتل الحوثيون اليمنيين، وكيف كان أفراد «حزب الله» يقومون بتدريبهم، ولربما كان التقى اللواء الإيراني عبد الرضى شهلائي الذي كان معروفاً بالرجل الشبح، وكان من أخطر عناصر «الحرس الثوري» الإيراني؟ لو فعل قرداحي هذا التحقيق لكان آخر من التقاه قبل أن يُقتل على يد القوات الأميركية. ونصل إلى تصريح رئيس الجمهورية ميشال عون بأن المواقف والآراء التي تصدر عن البعض يجب ألا تؤثر على العلاقات مع السعودية. كم أن الأمر بسيط عند عون.
وزير الخارجية السعودي اختصر الحقيقة: «هيمنة (حزب الله) تجعل التعامل مع لبنان غير ذي جدوى».
هل استمع المسؤولون اللبنانيون وزعيم {حزب الله} نصر الله يهدد اللبنانيين بمائة ألف مقاتل «لو أُشير لهم بإزالة الجبال لأزالوها»؟ حتى الميليشيا التي يرأسها استفظعت هذا التهديد، إذ بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف قال عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق: «نقول لأعداء لبنان، إن (حزب الله) الذي أعد مائة ألف مقاتل لمواجهة العدو الإسرائيلي، لن يضيع البوصلة، فهو قد أعد وجهز وسلح هذا العدد من المقاتلين… ليحمي لبنان ويدخل إلى الجليل»! ثم هل ننسى عندما قال صهر الرئيس الطامح للوصول إلى رئاسة الجمهورية على رماح «حزب الله»، هذا إذا بقيت الجمهورية: «أنا اليوم أريد أن أستعين بصديق! حسن نصر الله ليكون الحكم لأننا كلنا مستهدفون»؟ وكان يقصد المسيحيين. ألم يستمع جبران باسيل إلى نصر الله وهو يتحدث عن الدولة الإسلامية بمفهومه (…) حيث قال: «حتى لو أقام بعض الناس كانتونات فإننا لن نسامح من يقيم كانتوناً مسيحياً في المنطقة الشرقية وفي جبيل وكسروان لأن هذه مناطق المسلمين وقد جاءها المسيحيون غزاة»؟!
يتذرع الحكم في لبنان بأنه لا يستطيع شيئاً مع «حزب الله»، فهو فصيل لبناني استباح لبنان علناً وأمام أعين السلطات، أدخل تهريباً 100 ألف صاروخ بحجة محاربة إسرائيل، والدولة تتفرج. لبنانية «حزب الله» كذبة، وكان صادقاً محمد رعد، رئيس كتلة الحزب في البرلمان، عندما قال إن بعض اللبنانيين يعدّوننا «جالية إيرانية». وهذا صحيح لأنهم كذلك.
إلى المسؤولين اللبنانيين الذين يتحججون بأن «حزب الله» لبناني وعلى السعودية ودول الخليج أن تقدّر ضعفهم أن يراجعوا ما قاله نصر الله:
– لا نؤمن بوطن اسـمه لبنان، بل بالوطن الإسلامي الكبير («النهار» في سبتمبر/ أيلول 1986).
– كلنا في لبنان حاضرون للتضحية بأنفسـنا وبمصالحنا وبأمننا وسـلامتنا وبكل شـيء لتبقى الثورة في إيران قوية متماسـكة («النهار» 9 مارس/ آذار 1987).
– إن «حزب الله» لا يقاتل من أجل السـجناء ولا من أجل مزارع شـبعا أو حتى القضايا العربية أياً كانت وفي أي وقت، وإنما من أجل إيران («السفير» 16 يونيو/ حزيران 1986).
– مشروعنا هو إقامة مجتمع المقاومة والحرب في لبنان («السفير»، نوفمبر/ تشرين الثاني 1987).
– إننا أبناء أمة «حزب الله» نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط. في لبنان لا نعد أنفسنا منفصلين عن الثورة في إيران… («السفير»، 16 سبتمبر 1986).
إذن الأزمة مع السعودية أعمق من قضية تصريح سطحي لمقدم برامج ترفيهية أصبح وزيراً في لبنان بقدرة تلونه، فماذا حصل حقيقهً لتخرج السعودية عن طورها، وهي على مر التاريخ تتصرف بدبلوماسية هادئة وباع طويل؟
طبعاً استاء المسؤولون في الرياض من كلام قرداحي وازداد هذا من عدم اعتذاره. إنما الأهم هو موقف الدولة اللبنانية ممثلةً بالرئاسات الثلاث والذي كان متذبذباً وغير حاسم بدلاً من إقالة الوزير. وقد رأت السعودية أن لبنان الدولة في براثن إيران التي سيطرت عليه بالكامل بواسطة حزب إرهابي، ولهذا فإن المملكة هي في حِلٍّ من التزاماتها تجاهه.
لقد طفح كيل المملكة من تصرف الدولة اللبنانية غير المسؤول والمنحاز بالكامل إلى إيران، منذ أن نأى جبران باسيل بنفسه عن الصراع السعودي – الإيراني بعد الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، إلى التهجم المستمر من الأمين العام لـ«حزب الله» على المملكة، إلى تصدير كميات ضخمة من المخدرات إلى السعودية وعدم اتخاذ لبنان أي إجراءات جدية لمنع حصول هذا، وبحده الأدنى شراء سجانر لكشف عمليات التهريب، طبعاً عدا عن معرفه السعودية بقيام «حزب الله» بتدريب الحوثيين على راجمات الصواريخ التي تستهدف منشآت نفطية ومدنية سعودية. وهكذا يصبح التصريح التافه الذي جاء به جورج قرداحي هو القشة التي قصمت ظهر البعير.
وقد استاء اللبنانيون الذين يعملون في السعودية والإمارات والكويت وعددهم يفوق 400 ألف لبناني يحوّلون إلى أهلهم في الوطن ما يفوق خمسة مليارات دولار يستفيد منها أكثر من مليوني لبناني في الداخل هم في أمسّ الحاجة إليها مع انهيار النظام المصرفي. ورغم تأكيد المملكة والإمارات عدم التعرض للبنانيين المقيمين، فإن هؤلاء جميعاً أُصيبوا بالقلق وأصبحوا ناقمين على العهد ومن هم وراء العهد وبالتحديد «حزب الله» مما أوصلهم إلى ما هم فيه. ونتيجة الأزمة ستصبح عمليات التحويل إلى لبنان أكثر صعوبة وتكلفةً بسبب تقييد المصارف في الخليج، وسيتوقف الاستيراد من لبنان والذي يبلغ حجمه 375 مليون دولار مع السعودية فقط، مما سيقفل عدداً من المؤسسات التي ستصرف موظفيها.
الأزمة مع السعودية ستسد الآمال المعلقة على صندوق النقد الدولي الذي تزمع حكومة ميقاتي الدخول في مفاوضات معه لخطة إنقاذ شاملة، حيث إن الدول المانحة لأي خطة تتصدرها السعودية والإمارات وقطر والكويت، وهذا بالطبع غير ممكن في هكذا ظرف.
حتماً سيلعن التاريخ عهد ميشال عون الذي أقنع مجتمعه المسيحي بأن ضمان أمنه هو مع الإيراني البعيد وعقد صفقة مع أداته «حزب الله» أوصلته لرئاسة البلاد. إلا أنه فاته بفكره المريض أن الإيراني في عقر داره وهو صاحب القرار الأوحد الذي يدير البلاد بكل شاردة وواردة، تماماً كما فاته عندما تحالف مع صدام أن العالم كله بقيادة الولايات المتحدة تحالف لإسقاطه.
وفي النهاية كلمة وفاء للسعودية، إذ في تاريخ لبنان الحديث كانت الحاضن والحريص والداعم لسلامة لبنان بلا مقابل، ففي رعايتها لمؤتمر الرياض عام 1976 أنهت حمام الدم فيما سميت «حرب السنتين»، وفي اجتياح إسرائيل عام 1982 سخّرت كل علاقاتها لانسحاب إسرائيل وإحلال قوة دولية مكانها، وأغدقت المال لتخفيف آلام اللبنانيين وإعادة إعمار ما تهدم، وكانت المحور في جميع مؤتمرات الصلح بين الأفرقاء المتنازعين من «لوزان» إلى «سان كلو» إلى «الطائف» الذي أرسى دستوراً جديداً للبلاد، عدا عن المساعدات الإنسانية. سيفقد اللبنانيون هذا الدور البناء المعطاء لوقت طويل، ولن يبقى لهم سوى دور إيران التي نشرت ثقافة الموت والفوضى والعوز والكذب والفقر والقمع، وحتماً سيلعن التاريخ كل من تعاون مع «حزب الله» – إيران.
إن لبنان مصاب بداء السرطان ولن تنتهي هذه الحالة إلا بموت الجرثومة أو موت المريض، وعلى اللبنانيين أن يدافعوا عن حياتهم ويقضوا على السرطان.