فارس خشان/جولة على اعترافات نصرالله وعداواته: المتخيَّل والواقع…لم يكن بإمكان نصرالله أن يحمي روايتيه الخياليتين عن حدث الطيّونة وعن التحقيق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، إلّا بحرف الموضوع إلى استفاضة كلامية عن فتنة يعمل لها حزب القوات اللبنانية

143

جولة على “اعترافات” نصرالله وعداواته: المتخيَّل والواقع
فارس خشان/النهار العربي/19 تشرين الأول/2021

لم يكن بإمكان الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله أن يحمي روايتيه الخياليتين عن حدث الطيّونة وعن التحقيق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، إلّا بحرف الموضوع إلى استفاضة كلامية عن فتنة يعمل لها حزب “القوات اللبنانية” ورئيسه سمير جعجع الذي لم يتلفّظ باسمه، في سلوك استعلائي معهود، للإيقاع بين الشيعة، من جهة والمسيحيين، من جهة أخرى، بدعم أميركي وإسرائيلي وخليجي. وذهب نصرالله في خطف حقيقة الصراع الراهن في لبنان من صراع بين ميليشيا تعمل، بلا هوادة، لاستباحة البلاد من جهة، وشعب يتطلّع، بلا تلكؤ، إلى وجود دولة حقيقية، من جهة أخرى إلى الفتنة الموهومة، في الإتّجاه نفسه الذي كان قد ذهب إليه حليفه “التيّار الوطني الحر”، لجهة الترويج أنّ سلوك “القوات اللبنانية” المؤذي للمسيحيين يهدف الى حصد نتائج انتخابية وسياسية ومالية.

قد يكون هذا الكلام صحيحاً، فليس في السياسة ملائكة، ولكن ما لم يتوقّف عنده لا نصرالله ولا من نطقوا مثله قبله، هو أبْعَاد إقرارهم بأن معاداة “حزب الله” جاذبة شعبياً. إنّ الإقرار بهذه الحقيقة يعني أنّ “حزب الله”، بكل ما يملك من قوّة خطابية ودعائية وإعلامية ومالية وأمنية وعسكرية، لم يستطع أن يُقنع غالبية اللبنانيين به وبأدواره، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ مجرد معاداته من جهة تملك الحدّ الأدنى من القوة الميدانية، تجعل منها قوة قيادية وريادية. وأقلّه منذ السادس من شباط 2006، تاريخ توقيع “التفاهم” بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، دخل الحزب الى البيئة المسيحية من بوابتها العريضة، فهو بات لديه حلفاء أقوياء سياسياً في هذه البيئة، بحيث أضيف التيّار “العوني” الى “تيّار المردة” وعشرات الشخصيات الفاعلة.

ولكنّ هذا الدخول السياسي الكبير، سرعان ما تآكل، ليس لأنّ المسيحيين يقودهم سمير جعجع، بل لأنّ الشارع أدرك، بالملموس وبلا جميلة أيّ سياسي، أنّ “حزب الله” هو خطر على لبنان، كلّ لبنان، لأنّه يحمي القتلة والمتهمين بالقتل، ولأن بصماته واضحة على كثير من جرائم الإغتيال، ولأنّه يأخذ البلاد، حين يشاء هو وسيّده الإيراني، الى حروب عبثية، ولأنّه يتحدّى الإرادات الشعبية المعارضة لتوجّهاته، ولأنّه لا يقيم لمؤسسات الدولة وزناً، ولأنّه يفسد ويدافع عن الفاسدين، ولأنّه يقيم دولة ضمن الدولة. وهذا النهج الذي تأكّد للمسيحيين وللسنّة وللدروز كما لكثير من الشيعة الذين يعتصمون بالصمت، بفعل تأثير السلاح والتهديد والضغوط الحياتية، هو الذي يدفع جعجع وأمثاله الى تبنّي النهج الذي ينتهجونه.

ليس سمير جعجع
وليس لخطاب جعجع أيّ علاقة بحادثة خلدة وبانتفاضة شويّا وبحرق المازوت الإيراني في غريفة وغيرها الكثير، حيث البيئات ليست مسيحية وحيث القيادات، من كبيرها الى صغيرها، لا تتحدّث مثل جعجع، بل هي في بعض الأحيان، لا تتوانى عن معارضته أو مواجهته. وليس سمير جعجع هو الذي يكتب خطابات البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، الذي “جنّنه” أداء “حزب الله”، بعدما كان يزن كلماته على إيقاع “التواصل”، وما من ودّ يسمح بأن يتلاقى منطق جعجع مع منطق رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” سامي الجميل وعشرات الشخصيات اللبنانية، بمن فيهم من كانوا يوصفون، يوماً بالحمائم، وليس رئيس حزب “القوات اللبنانية” من “طيّف” انفجار مرفأ بيروت، بل حليف “حزب الله” أي “التيار الوطني الحر” الذي انبرى المسؤول فيه النائب نقولا صحناوي، بعد أيّام قليلة، ليُفهم العالم أنّ تفجير المرفأ حصل لتهجير المسيحيين، مؤكّداً كلامه بشواهد تاريخية أخجلت أهل الإختصاص، مثل قوله أنّ الولايات المتحدة الأميركية عندما اختارت مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين لإلقاء قنبلتيها الذريتين، إنّما أرادت، من وراء ذلك، القضاء على المسيحيين في اليابان.

في الواقع، إنّ نصرالله في كلمته زاد الطين بلّة، فهو، في سياق تقديم نفسه “منقذاً” للمسيحيين لم يتوانَ عن إفهام جميع اللبنانيين، على أيّ مستوى كان، بوجوب الخضوع له، على اعتبار أنّه “قوي جداً” ولديه بلا “الحلفاء” ولا “المناصرين” مائة ألف مقاتل في “الهيكل العسكري”. وهذا يعني، وفق منطق نصرالله، أنّ لبنان “ساقط عسكرياً” لمصلحة “حزب الله” وتالياً، فإنّ كل من يمكن أن يرفع رأسه بوجهه ويذهب في اتجاهات تغضبه، سيكون حسابه عسيراً. ولذلك، فهو استناداً الى قوته الماسحة” توجّه الى جعجع ومن خلاله الى سائر اللبنانيين بهذا الكلام:” اقعدوا عاقلين وتأدّبوا(…)”.

أحداث الطيونة: رواية نصرالله والواقع
وتأسيساً على استعراض القوة هذا، فتح نصرالله ملف أحداث الطيّونة، فموضوع المحقق العدلي طارق البيطار. في ملف الطيّونة، أصرّ نصرالله على الرواية الخيالية حيث “القنّاصة” و”الكمين” و”المجزرة الخطرة” المخطط لها، وطالب على أساسها أن يتّجه التحقيق، على اعتبار أنّ بعض قادة الأجهزة، ممّن يتحكّم بتوجهاتهم ولسانهم، أبلغوه، وقبل أن تنطلق التحقيقات بأنّ حزب “القوات اللبنانية” فعل هذا وارتكب ذاك. لكنّ الوقائع التي راحت تتأكّد في ضوء التحقيقات الأوّلية المستندة الى الأفلام المستقاة من كاميرات “حيادية” وأقوال الشهود والخبرة البالستية، كذّبت الرواية التي يصر نصرالله، صاحب المائة ألف مقاتل، على اعتمادها. وقد أكّد على وهن رواية نصرالله، وفي أكثر من إطلالة إعلامية له، وزير الدفاع موريس سليم، وهو ليس “قواتياً” ولم يكن يوماً أربعة عشر آذارياً، إذ إنّ آخر وظائف شغلها كانت الى جانب رئيس الجمهورية السابق أميل لحود الذي عندما يتذكّر “حزب الله” وجوده يصفه بـ “الرئيس المقاوم” نظراً للخدمات التي كان وفريقه قد قّمها لهذا الحزب على حساب الدولة وعافيتها.

لقد نفى سليم نفياً قاطعاً وجود كمين، مؤكّداً أنّ المتظاهرين انحرفوا عن خط التظاهرة ودخلوا إلى أحد أحياء عين الرمانة، وهناك حصل اشتباك بالأيادي تبعه إطلاق نار. وما لم يقله وزير الدفاع وتركه للتحقيق أنّ الإشتباك بدأ حين وقع إشكال بين المتظاهرين من جهة، وقوة من الجيش اللبناني كانت تحاول ردعهم عن الإعتداء على الناس وممتلكاتها في الشارع الذي دخلوا إليه، وهناك اضطر أحد أفراد القوة العسكرية، في ضوء استفراد رفيق له، إلى إطلاق النار، فأصاب من أصاب، من جهة أخرى. وبيّنت أفلام الإشتباك التي جرى توزيعها على نطاق واسع أنّ بعض هؤلاء الذين سقطوا إنّما سقطوا، وهم يقدمون على أعمال خطرة، كحال ذاك الذي هجم على منتصف طريق مكشوفة، ليطلق قاذفة ب_7 على الجهة المقابلة. وقد اعترف نصرالله أن أحداً لم يتعرّض للمتظاهرين الذين توجّهوا، في الوقت المحدّد، الى قصر العدل، حيث رفعوا شعارات “مدروسة”، ولكنّ الحادثة وقعت مع “آخر مجموعة” كانت تتوجّه الى قصر العدل، وهي مجموعة أقرّ بأنّها أطلقت شعارات ما كان يجب أن تطلقها، ولكنّه لم يتحدّث عن دخولها الى أحياء ما كان عليها دخولها، وعن مواجهة مع قوة عسكرية ما كان يجب أن تواجهها، لأنّها كانت حيث كانت، بالإتفاق مع جميع الأطراف.

“حزب الله” يخاف من البيطار وملفه
ومن حادثة الطيونة “حيث التظلّم والإستهداف”، وصل نصرالله الى التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، مجدّداً مطالبته برأس المحقق العدلي طارق البيطار، ولكن، بفعل “إسهال كلامي” عجز لاحقاً عن استدراكه، أوقع نفسه في المحظور، بحيث كشف أنّ البيطار يحقّق في احتمال تورّط “حزب الله” بالإنفجار، بعدما أدرج إفادة شاهد ظهر على التلفزيون متحدّثاً عن نقله، لمصلحة الحزب كميات من نيترات الأمونيوم، من العنبر الرقم 12 في مرفأ بيروت الى بعض النقاط. وقال نصرالله إنّ من حق “حزب الله” أن يحتسب لإمكان أن يكون هناك “تركيب ملف ما لحزب الله في انفجار مرفأ بيروت”. وحاول نصرالله استدراك ما قاله بالإشارة، من دون ذكر أيّ اسم أو مرجع، إلى أن اتصالات وردته تطمئنه أنّ “حزب الله” ليس مدرجاً في ملف التحقيق، ولكنّ هذه المحاولة، لم تلغِ اعتراف نصرالله أنّ تصعيده “الجنوني” ضد المحقق البيطار يعود الى خوف الحزب من التحقيق. ولم يكن ينقض الشارع اللبناني سوى أن يطلّ نصرالله عليهم هذه الإطلالة حتى يكتشفوا أنّ موقفهم المعارض لـ “حزب الله” وسلاحه ومطالبه وأدواره و”دولته”، ترفع من منسوب عاطفتهم تجاه أيّ جهة أو شخصية أو قيادة يهاجمها نصرالله ويوجّه إليها اتهاماته.