شارل الياس شرتوني/مع هؤلاء المجرمين لا حل خارجًا عن التدويل أو الحرب

115

مع هؤلاء المجرمين لا حل خارجًا عن التدويل أو الحرب
شارل الياس شرتوني/15 تموز/2021

إن ما شهدناه في الأيام الأخيرة من تعد سافر على أهالي ضحايا العملية الارهابية في مرفأ بيروت (٤ آب ٢٠٢٠)، ومتابعة مسرحية التأليف الحكومي والتلاعب بودائع المواطنين بين المصارف والبنك المركزي ومافيات الصيرفة، ومهازل سياسات الدعم والبطاقات الغذائية وفضائح تهريب الأدوية والطاقة ومشتقاتها، والسلع الغذائية المدعومة، ومنصات أسعار صرف الدولار وبلف القرارات الصادرة في هذا الشأن(١٥٨،١٥١)، تغطية لعملية شفط الأموال على خط تقاطع المصارف ودكاكين الصيرفة التي تدير معظمها المافيات الشيعية، يبقى السؤال الأساسي الى متى الاتكال على إيجاد حلول فعلية من قبل الفاشيات الشيعية وحلفائها المصلحيين في أوساط الاوليغارشيات المافياوية التي تحكم البلاد منذ ثلاثة عقود.

الجواب البدهي، إن أي رهان على هذه المافيات الحاكمة هو ضرب من الوهم، وتعبير عن العجز في إيجاد بدائل عملية لهذا الواقع الكارثي الذي قضى على الحيثيات الكيانية والدولتية، وأحالنا الى حال من الاعياء والموت البطيء أمام هذا الكم المخيف من الأزمات المتوالية علينا منذ ما يقارب السنتين. لقد سقطت الحكومة الهزلية التي شكلها الثنائي المافيوي الشيعي، وعدنا منذ ما يقارب السنة الى الحركة اللولبية العقيمة من أجل تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري التي اسقطتها الحراكات المدنية كتعبير عن رفضها للاقفالات الاوليغارشية التي أسست للتداعي البنيوي للدولة اللبنانية، على خط سياسات السيادة المعطلة وتقاسم الحيازات الاوليغارشية، ونهب الاموال الخاصة والعامة (٣٥٠-٥٠٠ مليار دولار) من قبل أعضاء النوادي المافيوية المغلقة.

إذن، نحن أمام معادلة الحكومة الصورية مع حسان دياب، واستعادة الاقفالات الاوليغارشية مع سعد الحريري .ما الجديد الذي سوف يأتي به سعد الحريري، السياسي القاصر والفاسد والتافة، الذي لم يتقدم بعد انقضاء ١١ شهرا على تسميته بأية خريطة طريق تنبئنا عن البرنامج الاصلاحي لحكومته، مع العلم أن التواطاءات مع الثنائي الشيعي، والحفاظ على المصالح الاوليغارشية، هي العناوين الابرز لمؤديات هذا الحراك العقيم الذي ندرك مسبقا لنتائجه الكارثية. لا حل مع المافيات الشيعية وأصنائها اعضاء الاوليغارشيات السياسية-المالية، وقد حان وقت تبدد الأوهام ورفض المعادلات السياسية المطروحة، ومواجهة واقع الفراغ الحاضر والآتي، فمع هؤلاء ليس هنالك من توقع يخرج عن دائرة الإيهام والبلف. إن الأخذ بلعبة التضليل القائمة سوف يأخذنا باتجاهين، إتجاه إضاعة المزيد من الوقت الذي لم نعد نملك، فكل يوم انقضى وينقضي دون إيجاد حلول فعلية، سوف يدخلنا في دائرة الاشتراكات المميتة والمتراكمة على كل المستويات، وديناميكية الفراغات الاستراتيجية الاقليمية المتنامية، وهذا ما تسعى اليه الفاشيات الشيعية وتتغذى منه الحركات الارهابية العاملة في فضاءات الانهيارات العربية المتسارعة.

السؤال المطروح بعد هذه المراجعة السريعة، ما هي السبل المتاحة في ظل سياسات التدمير الارادي التي تقوم بها الفاشيات الشيعية وحلفاؤها في الأوساط الاوليغارشية: ثمة شرط منشىء وسابق لكل السياسات العملية هو تجاوز عامل الخوف الذي يؤطر مداخلة الفاشيات الشيعية من خلال الأعمال الارهابية والاغتيالات الفردية، وإيحاءات سياسات الإبادة والتهجير الجماعي التي تستخدمها، لإن هذا المسخ الايديولوجي يحمل في طياته بذور تدميره، مع رهاناته الاقليمية المضخمة، ومفارقات السياسة الامپريالية الشيعية القاتلة التي تديرها إيران على غير محور، وقدرته على قيادة سياسة إبادة مستترة في ظل مراقبة دولية حثيثة تنتظره عند أول مفترق، من هنا رهانه على سياسة التعطيل المنهجي لأية تسوية سياسية توقف النزف القاتل، وإبقاء اللبنانيين رهائن لسياسة الوهم المتحرك التي يديرها.

لا مجال لخرق الاقفالات السياسية الداخلية والخارجية إلا من خلال سياسة مواجهة غير مواربة مع سياسات التآكل المديد، والمطالبة بالمظلة الدولية من أجل تشكيل حكومة انتقالية تتولى معالجة الملفات الإصلاحية على أساس أولويات حياتية تتعلق بتثبيت الاستقرار السياسي، وحل الأزمات المالية المتضافرة على خط التواصل بين تثبيت الأوضاع المالية والنقدية، وإعادة إقلاع الحياة الاقتصادية، وتحفيز الديناميكيات الاستثمارية، والتداخل بين السياسات الانمائية والحاضنات التكنولوجية والبحثية الجامعية، والتحقيق الجنائي المالي والمقاضاة، واستعادة الأموال الخاصة والعامة المنهوبة والمبيضة والمهربة. إن المراهنة على إمكانية التسوية السياسية في ظل سياسات الإرهاب والفساد التي تديرها الفاشيات الشيعية وملحقاتها هو إهدار للوقت ولفرص الحل السياسي الفعلي. إن التسليم باللعبة الديموقراطية الصورية هو بأساس كل المفارقات التي تحتجز الحركة السياسية التي صادرتها السياسات الاوليغارشية، ومحاور النفوذ الإقليمية والإسلامية المتبدلة، وحكمت إيقاعاتها الأعمال الارهابية والجريمة المنظمة بكل تصريفاتها. نحن لم نعد في سياق سياسي ديموقراطي، نحن في معركة استعادة الكيان الوطني والدولتي، واستئصال السرطانات المتكاثرة على خط التقاطع بين سياسات الانقلاب الفاشية والتدمير الارادي للمرتكزات الجيوپوليتيكية، وحيثيات الاجتماع السياسي والدولتي للبنان الكبير بعد إنقضاء ١٠٠ عام على إنشائه.