عقل العويط: بلدية الظلّ/ايلي الحاج: أحلام وطموحات مقتولة وراء التصويت المسيحي الكثيف لمدينتي

261

 بلدية الظلّ 
عقل العويط/النهار/10 أيار 2016

أنتم شرّفتم حياتنا، وجعلتمونا نشعر بالكرامة الوطنية والسياسية والثقافية، يا فارسات بيروت وفرسانها، أيها المرشّحات والمرشّحون في حملة “بيروت مدينتي”، ومعكم الجيش المدني المجهول من المتطوّعات والمتطوّعين. لا بدّ من قول هذا الشيء بوضوح فجّ: لقد خرقتم الجدار، وفتحتم الأفق. بفعلكم التاريخي هذا، لم يعد في مقدور أحد أن ييأس. ولا أن يستسلم للأمر الواقع. كل المستحيلات بعد الآن أصبحت ممكنة. وفي مقدّمها، مستحيل مواجهة سائقي الجرّافات وقادة القطعان، بعقولٍ خلاّقة، ورؤوس مرفوعة، وكراماتٍ يانعة تشبه الولادات من عدم.
أيها الأبطال؛ لقد أدخلتم الهلع والرعب في قلوب المتربّعين على كراسي بيروت، وجعلتم الأرض تهتزّ من تحت أقدامهم. لم تتركوا نائباً، ولا وزيراً، ولا رئيس حزب أو طائفة، ولا أيضاً غاسل أموال، إلاّ جعلتموه “يتورّط” في مواجهتكم. فما أقواكم، وما أجملكم، وأنتم تنشرون الخوف، وتزرعون بذور الاضطراب الجمعي في صفوف حلفاء الطوائف والمال والإقطاع والنهب العام.
صدِّقوني، لم أشعر بلذّة الانتصار، ولا بعظمة “الثأر”، ولا بشراسة القوة المعنوية، مثلما شعرتُ بها خلال الأسابيع الأخيرة، وأنا أعاين الحملات الإعلانية الضخمة والمتلاحقة لقوى السلطة، خوفاً من احتمال زعزعة العرش البلدي في بيروت العزيزة. فماذا فعلتم بهم أيها السحرة؟! لقد قضضتم مضاجعهم، وفعلتم ما لا يُفعَل إلاّ في الحلم والخيال. فهنيئاً لكم.
أقول لكم بقوة: كان ليكون عظيماً لو أن إحداكنّ، أو أحدكم، تمكّن من خرق اللائحة الرهيبة، لائحة الطغمة الفاسدة، ليلاحق فسادهم في المكاتب والأروقة والزواريب والأدراج والجوارير والدهاليز البلدية المعتمة. لكنْ، لا بأس. فذلك، على أهميته، ليس هو الغاية. الآن بدأت المعركة الفعلية. وهاكم حقيقتها.
لقد وضعتم أسس البنية التحتية للضغط الديموقراطي المنظّم، الذي يهدف إلى التغيير المجتمعي والسياسي المطلوب. ولم يعد أمامكم سوى مباشرة تنفيذ مراحل الخطة، المتعددة الأدوات والأساليب. أنتم الـ 24 مرشحةً ومرشحاً تمثّلون بلدية الظلّ في بيروت المحروسة، ابتداءً من الآن. مارِسوا دوركم، وتحمّلوا مسؤوليتكم. لاحِقوهم في السرّ وفي العلن. راقِبوا أفعالهم. وأفعال أزلامهم ومرتزقتهم في الدوائر الصغيرة والكبيرة. لا تتركوا شاردةً ولا واردة. افضحوا سرقاتهم العشوائية والمنظّمة. وانشروا الوقائع في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى صفحات الجرائد، وفي التلفزيونات والإذاعات. ماذا بعد؟ كل ارتكابٍ يرتكبونه، أظهِروه للرأي العام، وقدِّموا البديل النظيف. هؤلاء المتطوعات والمتطوعون، النبلاء، اجعلوهم جيشكم السرّي المنتشر في كل دائرة، وليمدّوكم بالمعطيات والوثائق. كونوا النفير الأول، الذي يعلن الجمهورية الجديدة، والحكومة الجديدة. حبرنا معكم.

أحلام وطموحات مقتولة وراء التصويت المسيحي الكثيف لـ”مدينتي”
ايلي الحاج/النهار/10 أيار 2016
يبرز قدر من العتب ولوم الحلفاء في كلام الرئيس سعد الحريري أمس عمن لم يلتزموا منهم التصويت للائحة “البيارتة” التي شاركوا فيها. وبقدر العتب كان حكيماً في توجهه إلى من صوّتوا للائحة “بيروت مدينتي”، قائلاً لهم “إنكم تشبهون أحلامنا وطموحاتنا”.
ربما لم تسنح لمساعدي الرئيس الحريري خلال انهماكهم في إدارة المعركة الانتخابية وتنظيمها الاطلاع على خفايا التصويت في مناطق أعطت نسباً عالية للائحة المنافسة في مناطق ذات غالبية مسيحية من بيروت، كما في مناطق أخرى مختلطة ترتفع فيها أعداد العلمانيين. وربما لم يطلعهم الحلفاء على حقيقة ما واجهوا وفوجئوا به يوم الإقتراع. والحال إن نوعاً من “ثورة على الأحزاب، كل الأحزاب” سرت قبل أيام كالنار في الهشيم في أوساط شبابية، خصوصاً بين من يقترعون للمرة الأولى تحت عنوان إنها فرصة سانحة للتعبير عن الرأي والمحاسبة والتغيير. شباب أقنعوا أهلهم وصار بعضهم يجيّش بعضاً عبر وسائط اتصال اجتماعي مفتوحة. جيش غير مرئي من مندوبين وراء شاشات الكمبيوتر وبالهواتف النقالة أخطر وأفعل من المندوبين موزعي اللوائح عند مداخل أقلام الإقتراع ، وحماسة عند مغتربين في دول الشرق والغرب ربما أكثر من المقيمين، وتحريض متبادل لفعل شيء ما. في أذهان هؤلاء الشباب أن السلطة هي السلطة سواء أكانت مجلس وزراء أم مجلساً بلدياً. ولسوء حظ لائحة “البيارتة” وسط هذه البيئة أنها منظور إليها باعتبارها نسخة من الحكومة الحالية، وليس فقط بعدد أعضاء كل من المجلس البلدي والمجلس الوزاري (24) وتوزعهم طائفياً مناصفة ومذهبياً. ولسوء حظهم أيضاً أن الانتخابات البلدية حل موعدها بعد ثمانية أشهر كفر خلالها الناس من مشاهد تراكم النفايات وروائحها المنبعثة في أجواء المدينة والبلدات والقرى. وعلى غرار مجلس الوزراء تألفت اللائحة من ممثلي أحزاب تشارك جميعاً، مباشرة أو مداورة عبر حلفاء، في الحكومة الحالية السيئة السمعة والتي صارت حكومة الفضائح المجلجلة، وحاملة المسؤولية في عيون الشباب عن تردي أوضاع وطنهم في كل المستويات كما عن انعدام فرص العمل أمامهم بعد تخرجهم، وأيضاً عن سد الآفاق أمامهم، وخنق الأحلام والطموحات التي تحدث عنها الرئيس الحريري بعدما أزهرت في 14 آذار 2005 وحاولت استعادة الروح في “حراك مدني” وما لبث أن قضت عليها الفوضى وقلة الخبرة والعجز، قبالة جبروت القوى السياسية والطائفية المتجذرة.
أما المناصفة في المجلس البلدي فبدا أن للشباب الذي اندفع للتصويت في اتجاه معاكس لـ”السلطة” نظرة مختلفة إليها عن نظرة الأحزاب: “ما الفارق بين فاسد مسلم وفاسد مسيحي؟” كان يقول بعضهم لبعض يوم الإنتخابات. لم يكن نادراً وسط هذا الجو المحموم أن ترى أو تسمع مسؤولاً حزبياً يقرّ بعد مناقشات حامية بعجزه عن حمل المحازبين والأصدقاء على التصويت للائحة “البيارتة”. وصل بعضهم إلى ترجيهم انتخاب المرشحين المحسوبين على الحزب أقله في تلك اللائحة، ولكن عبثاً.
نعم لولا الأرمن الذين لا يناقشون كثيراً قيادة الطاشناق والهنشاق لكانت نسبة المصوّتين لـ”بيروت مدينتي” أعلى بكثير في المناطق ذات الغالبية المسيحية من بيروت. ونعم، ما حصل ليس أقل من ثورة شبابية داخل الأحزاب على القيادات الحزبية ويجب أن تخضع لدرس وورش عمل لتلمس أبعادها. ونعم، لم يكن لدى القادة الحزبيين ما يقولونه حيال الموجة العارمة التي واجهتهم أكثر مما قال رئيس حزب “القوات” سمير جعجع الذي أقرّ في كلمته المتلفزة بأن المجلس البلدي السابق كان فاشلاً، لكنه دعا أنصاره والمواطنين إلى انتخاب مجلس بلدي مثيل للسابق، يقوم على الأسس نفسها وتشكل بالطريقة ذاتها وبوجوه بعيدة عن الناس ، ومحاسبته بعد ست سنوات إذا فشل. ست سنوات كثير!
لم ينجُ حزب من الأحزاب المسيحية من الهزيمة في بيروت على أيدي محازبيه. “التيار الوطني الحر” تنازع محازبوه علناً على الطرق. حزب الكتائب لعلّه في نزاع أكبر بينه وبين نفسه. والحديث يطول.