في هذه ألأيام الصعبة، ايام المحل والجلجلة، لبنان هو الأسير الأعظم. نعم لبنان هو الأسير الأعظم لأنه وأن كان لكل من أبنائه جوزاً واحد من الأغلال فللبنان أغلال كثيرة لا تعد ةلا تحصى أقساها واخطرها ثلاثة:
1- أول أغلال لبنان الأسير هو فئة كبيرة من أبنائه. فبالرغم من أن الكثير من اللبنانيين قدموا دمائهم وحريتهم على محراب وطنهم ، فأن هناك فئة كبيرة أخرى تتعامل مع وطنها من منطلقات ومسلمات مختلفة تماماً. هذه الفئة ( وهي بالمناسبة ليست تابعة لطائفة أو مجموعة معينة) تقسم إلى قسمين :
القسم الأول: متعربين، متفرسين، متسورين، عينهم دائماً على الخارج. لا يؤمنون أصلاً بوجود لبنان كدولة مستقلة قائمة بحد ذاتها، غير منعوتة إلا بذاتها، ذات تراث مميز ، فاعل وأصيل. ولذلك فهو في حركة دائمة لضم لبنان إلى حضارة ما أو دولة ما أو أمة ما. فتطالعك أسماء وأسماء ( حضارة عربية، أمة عربية، سوريـة كبرى ، سوريـة صغرى، هـلال خصيب، جمهوريـة عربيـة متحدة، جمهوريـة إسلامية، ولاية فقيه، دولة الملالي… الخ ).
القسم الثاني: بلا أخلاق وصولي انبطاحي يتعامل مع لبنان وكأنه سهم من أسهم البورصة فإذا كان سعره مرتفع وبداء بالهبوط يبيعونه وأن كان سعره منخفض وبداء بالارتفاع يشترونه. فالولاء الوطني تتحكم فيه حركة السوق. والسوق عرض وطلب. والشاطر بشطارته. ومين اخد امي بيصير عمي. ومتسلط دمشق شهبندر التجار ، وباش بزق الضاحية قائد الإنكشارية، وصراف قريطم ومن لف لفه ٥حارس بيت المال، ونرفوز بعبدا والرابية باش كاتب الديوان.
2- ثاني أغلال لبنان الأسير هو محيطه. فبينما نجد بأن الله حبا لبنان بطبيعة خلابة وينابيع فوارة وتاريخ مديد وإنجازات حضارية فريدة ، لكن ابتلاه بمحيط جاف، قاسي تعبق منه روائح نتانة التطرف والتخلف والقبلية والجاهلية. محيط لا يعترف إلا بحضارة البلنكو والأسيد وأعقاب السجائر وصعقات الكهرباء. محيط لا يحكم فيه إلا الجلاد، ولا حرية فيه حتى للموالاة ، ولا نظام فيه إلا نظام التقية. محيط أصبح مقبرة للتاريخ وللحضارة وليس من علامة للحياة فيه سوى زهرة بخور مريم واحدة اسمها لبنان تختنق من نتانة الجيف.
3- ثالث أغلال لبنان الأسير هو النظام العالمي النتن. هذا النظام المتحكم برقاب الشعوب ومصائرها. يأطرها ويكودرها طبقاً لحسابات ربحه وخسارته. نظام نرسيسي يؤله صورته ومثاله، كلما ماثلة هذه الصورة كلما رضي عنك وأعتبرك خليقاً بالحياة. ينادي بحقوق الشعوب والإنسان وحتى الحيوان ويرفع راية الحرية ، وعنده أقوى جيوش الأرض في حال أن تقارير جمعياته لم تقنعك بما فيه الكفاية. يتآمر مع إسرائيل، يساوم مع سورية. يماليء مع ابومازن ويناور مع ايران والثمن أمنك وأرضك ومن ثم تتنادى جمعيات حقوق إنسانه لتحصي على الذين يحتلون أرضك والمعتدين عليك خروقا تهم.
ممثلي الشرق يتناهشون ويتكالبون وممثلي الغرب يدونون ويبوبون ولبنان يقبع في زنزانته بجسم منهوش وأغلال كثيرة تحز على معصميه حتى العظم ينتظر الفرج ويتطلع إلى البعيد إلى أقدام جليلي ناصري مصلوب ينتظر القيامة.