عاصفة الحزم… حرب الضرورة خالد بن نايف الهباس/الحياة/21 نيسان/15
لا نبالغ إذا قلنا إن عاصفة الحزم من المعارك المفروضة على الأمة، والتي تتجاوز الآثار المترتبة عليها النطاق الجغرافي لليمن والسعودية، وأنها قد ترقى إلى أهمية بعض المعارك التاريخية التي دوّنها التاريخان العربي والإسلامي وساهمت نتائجها في تحديد مجرى الأحداث في المنطقة ورسم ملامحها السياسية لفترات طويلة. وإذا كانت الحرب ليست الخيار الأول لكل دولة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية وحماية أمنها الوطني، إلا أنها تظل أحد الخيارات المهمة عندما يستوجب الأمر ذلك، بل قد تكون هي الخيار الأنسب أو الأوحد في بعض الأحيان.
هناك أسباب عدة تجعل من عاصفة الحزم شأناً يهم الأمة العربية بأكملها، وهي الأسباب نفسها التي تجعل من العمل الجماعي العربي المتمثل في التعاون العسكري لإنجاح ذلك أمراً في غاية الأهمية، لأن الإخفاق، لا سمح الله، ستكون له تداعيات مستقبلية مدمرة على الأمن القومي العربي وعلى مستقبل المنطقة العربية بأكملها. أولاً، ترتكز عاصفة الحزم على أسس قانونية متينة، يأتي في مقدمها الطلب الصريح بالتدخل من الرئيس الشرعي لليمن، عبدربه منصور هادي، إضافة إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة الدفاع العربي المشترك الملحق بميثاق جامعة الدول العربية. وجميعها تعطي بلا مواربة سنداً قانونياً واضحاً وتجعل العمل العسكري مبرراً وشرعياً. ولعل قرار مجلس الأمن الأخير 2216 دليل واضح على عدم مشروعية التمرد الحوثي، حيث دان المجتمع الدولي ما قام به الحوثيون من استيلاء على مؤسسات الدولة اليمنية، وشدد على ضرورة حظر تزويد هذه الجماعة الخارجة على القانون بالسلاح.
ثانياً، إن ما أقدمت عليه الجماعة الحوثية يعتبر انقلاباً على الشرعية الدستورية في اليمن، وهو مدفوع بأهداف أيديولوجية ومصلحية ضيقة، ناهيك عن أنه مدعوم من قوة إقليمية عبثية تحاول تحويل اليمن من خلال دعم وكلائها المحليين إلى منطقة نفوذ أسوة بغيرها من مناطق النفوذ التي خلقتها في أنحاء مختلفة من العالم العربي. من هنا توجب ردع الانقلاب الحوثي ولم يكن ذلك ممكناً من دون عمل عسكري نوعي.
ثالثاً، تعتبر اليمن منطقة طوق استراتيجي بالنسبة إلى السعودية والخليج ودولة عربية أخرى، لأسباب جيوستراتيجبة واضحة. فإضافة إلى كونها تقع في الخاصرة الجنوبية للسعودية، فهي تشرف على مضيق باب المندب، وهو ممر مائي في غاية الأهمية بالنسبة إلى تجارة النفط والتجارة العربية والعالمية. بالتالي فإن سيطرة الحوثيين على اليمن تشكل تهديداً صريحاً للمصالح العليا للأمة العربية، ويمكن إيران في شكل مباشر أو غير مباشر أن تطوق الدول العربية من جهات عديدة، خاصة أنها تشرف ذاتها على مضيق هرمز. كما أننا لا نعلم على وجه التحديد ما إذا صاحب الاتفاق النووي الإيراني في لوزان تفاهمات سياسية غير معلنة، تعزز بموجبها إيران نفوذها وتمددها في المنطقة العربية، بخاصة أن إيران سبق أن حاولت الربط بين نتائج المفاوضات حول ملفها النووي وبعض القضايا الإقليمية الراهنة.
رابعاً، عانت الأمة العربية من التدخل في شؤونها الداخلية في العقود الأخيرة، الأمر الذي ولّد شعوراً عربياً عاماً بالضعف والهوان وعدم القدرة على الذود عن الحياض العربية، فأتت هذه العاصفة لتعيد الروح إلى الجسد العربي الهزيل، وأنه مهما تكالبت الظروف على الأمة إلا أنها قادرة على النهوض والدفاع عن مصالحها. كل ما هو مطلوب أن تتضافر الجهود العربية وتتم تنحية الخلافات البينية في مثل هذه الظروف من أجل المصالح العليا للأمة العربية. أخيراً، يمكن وصف عاصفة الحزم بـ «حرب الضرورة» التي فرضتها الظروف لأن المملكة ليست داعية حرب ولكنها داعية سلام، لكن عندما يكون العمل العسكري هو المخرج والحل الوحيد فلا تراجع في ذلك. وهذه الحرب ليست حرباً على اليمن بل من أجل اليمن وأهله، ودفاعاً في إطارها العام عن ثغور الوطن العربي، وستتجاوز تداعياتها السياسية والاستراتيجية النطاق القُطري بكثير. وسيشكل النجاح الذي سيتحقق جرّاء عاصفة الحزم جرسَ إنذارٍ لكل دولة تحاول العبث بمقدرات الأمة العربية، وبتحديد أكثر ستحد من تزايد النفوذ الإيراني الذي أصبح يشكل تهديداً صريحاً وواضحاً للاستقرار الإقليمي ولمصالح الدول العربية، كما أنه سيزيد من هامش المناورة والنفوذ لدى الدول العربية ويشكل سابقة لمقاربة قد يتم اللجوء إليها عندما تستدعي الحاجة ذلك. والمتتبع لردة الفعل الإقليمية والدولية يلحظ بجلاء أن لا أحد كان يتوقع القيام بعمل عسكري عطفاً على الظروف الصعبة التي يمر بها العالم العربي والتباين الذي يصبغ وجهات نظر الدول العربية حيال بعض القضايا الإقليمية العالقة. الآن بإمكان المواطن العربي أن يفخر بأن ضمير الأمة لا يزال حياً، وأن الجسد العربي يتداعى لبعضه الآخر، وأنه لا يذود عن حياض الأمة سوى أبنائها، أما التعويل على الغير فهو رهان خاسر لأنه يرتبط بعامل المصلحة وعامل المصلحة متغير وليس ثابتاً.