ما دام لبنان لا يُحكم إلا بالتوافق لماذا يحتفظ “الحزب” بسلاحه المخلّ بالتوازن؟
اميل خوري/النهار/21 نيسان 2015
أهم ما ينبغي المحافظة عليه في لبنان، خصوصاً في الظروف الدقيقة الراهنة، هي الوحدة الوطنية إذ من دونها لا استقلال ولا سيادة ولا دولة حتى ولا عيش مشترك ولا سلم أهلي. لذلك يجب تجنب كل ما من شأنه أن يؤثر على هذه الوحدة مثل الانقسام الداخلي سبب الانحياز لهذه الدولة الخارجية أو تلك والتورط في الصراعات بينها ما يجعل لبنان ساحة مفتوحة لها ولحروب أهلية عبثية تلحق الضرر الكبير بكل مرافق البلاد الخاصة والعامة وتنزل خسائر جسيمة بالارواح والممتلكات. وما دام لبنان لا يحكم إلا بالتوافق وبسياسة اللاغالب واللامغلوب، فلماذا لا يتفق اللبنانيون على التزام الحياد عندما يكون العرب مختلفين، ولماذا لا يتفقون على اتخاذ القرارات المهمة بالتوافق وليس بتصويت يكون فيه غالب ومغلوب، خصوصاً أن “حزب الله” هو صاحب فكرة اعتماد السياسة التوافقية، إلى أن يتم التوصل إلى الغاء الطائفية السياسية؟
وما دام “حزب الله” يدعو إلى سياسة التوافق، فلماذا يصر على الاحتفاظ بسلاحه دون سواه من اللبنانيين، خصوصاً بعدما ارتد إلى الداخل أكثر من مرة ولم يعد مقتصراً على مواجهة العدو الاسرائيلي، وهو ما يخل بالتوازن الداخلي ويبعث على الخوف ويثير الهواجس لدى شريكه الآخر ويضعه بين خيارين: إما أن يقتني السلاح مثله فتقع حرب داخلية وهو ما حصل عام 1975، وإما أن يمتنع عن ذلك تجنباً لوقوع هذه الحرب ويقبل ولو مكرهاً الخضوع لإرادة حملة السلاح خارج الدولة والعيش في ظل حكم الدويلات وليس في ظل حكم الدولة القويّة الواحدة التي تحمي الجميع وتطبّق القانون على الجميع من دون تمييز ولا استثناء. ولماذا يحق لفئة في لبنان أن تستقوي بخارج على فئة أخرى وتكون وطنية، واذا حذت سواها حذوها تكون عميلة أو مأجورة؟
لقد تضرّرت الوحدة الوطنية في الماضي غير مرّة عندما انقسم اللبنانيون بين من هم مع فرنسا ومن هم مع بريطانيا، ومن هم مع مصر وسوريا ومن هم ضدهما، وها هم ينقسمون اليوم بين من هم مع السعودية ومن هم مع ايران، في حين أن لا شأن للبنانيين في كل ذلك وما عليهم سوى أن يهتموا بما يجري داخل لبنان وليس خارجه، وأن وحدتهم الوطنية القوية هي وحدها التي تمنع انعكاس ما يجري حوله على الداخل.
عام 1943 خاف المسيحيون على كيان لبنان من أن يذوب في وحدة مع سوريا كان يريدها شريكهم المسلم، فصار اتفاق على اعتماد سياسة “لا شرق ولا غرب” في الميثاق الوطني غير المكتوب، أي لا لحماية فرنسية ولا لوحدة مع سوريا. ولتطمين المسيحيين أكثر أعطيت لهم المناصب العليا في مؤسسات الدولة بدءاً برئاسة الجمهورية ومروراً بقيادة الجيش وانتهاء بالقضاء. لكن قرار انضمام لبنان إلى جامعة الدول العربية عاد وأثار خلافاً بين اللبنانيين لأن هذا الانضمام يتعارض في نظر فريق كبير من المسيحيين وسياسة “لا شرق ولا غرب” ولأن لبنان يصبح مضطراً للتصويت في الجامعة عند طرح أي موضوع مع فريق ضد فريق، وهذا ينعكس سلباً على الداخل اللبناني وهو ما حصل، ثم قام خلاف آخر حول أن تكون قرارات الجامعة العربية ملزمة بتصويت الأكثرية أم بالاجماع، وقد انتهى الخلاف باعتبار قرارات الجامعة ملزمة عندما تصدر بالاجماع وليس بالأكثرية. لذلك لا شيء يحمي الوحدة الوطنية في لبنان ويحمي سيادته واستقلاله وقراره الحر سوى العودة الى سياسة “لا شرق ولا غرب” وذلك بتطبيق فعلي وحازم لها، ومن دون أن تؤدي هذه السياسة الى خروج لبنان من الجامعة العربية ولا من منظمة الأمم المتحدة، بل ان يصوّت لبنان على أي موضوع عندما يكون حوله اجماع ويمتنع عن التصويت عندما يكون خلاف وانقسام.
ولبنان اليوم هو أكثر من اي وقت مضى في حاجة الى اعتماد سياسة “النأي بالنفس” عن كل ما يجري حوله، قريباً كان أم بعيداً، كي يستطيع المحافظة على وحدته الوطنية وعلى عيشه المشترك وسلمه الأهلي. وتطبيق هذه السياسة يحتاج للعودة الى “اعلان بعبدا” الذي صدر في أواخر عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. وقد قام أخيراً “لقاء الجمهورية” الذي من أول أهدافه الدفاع عن هذا الاعلان التاريخي الذي لا يقل أهمية عن إعلان استقلال لبنان عام 1943 وعن إعلان “لبنان الكبير” عام 1920 لأن لا حياة للبنان من دون اتفاق اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم على حياد يتكرّس مع عهد الرئيس العتيد ومع حكومة جديدة تتبنى ذلك في بيانها الوزاري ويقرّه مجلس نواب جديد ويصبح بنداً من بنود مقدمة الدستور، كي لا يظلّ كل طرف في لبنان يتطلع إلى خارج الحدود للاستقواء به على شريكه الآخر فتنهار الوحدة الوطنية، وينهار حتى كيان لبنان الذي لا يمكن حمايته والنهوض به إلا بجناحيه المسلم والمسيحي، وقد تأكد أن اي جناح يكون مكسوراً أو مهيضاً يمنع طيرانه ونهوضه.