تصدير جثّة الثورة
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/18 نيسان/15
لم يكن متوقّعاً من قائد “حزب الله” حسن نصرالله غير ما قاله أمس. الموقف مكشوف والإلتزام موصوف و”التكليف” معروف. أمّا الأفق والمصير … فعلى ذمّة “الوليّ الفقيه” وهمّته. حين يكون الاتجاه واحداً والظَهر إلى الحائط، يصبح الخيار محسوماً: الهروب إلى الأمام حتّى الانتحار. في الواقع، هذه هي حال ثورة الخميني في هذه المرحلة، بعد 36 عاماً على انطلاقها، وهذه هي حال “حزب الله” بعد 33 سنة من تأسيسه على أيدي مصدّري الثورة نفسها. أشياء كثيرة تغيّرت منذ 3 أسابيع إلى الآن، أوراق اختلطت أو احترقت أو تطايرت، تحت المعادلات الجديدة التي رسمها خطّ الطيران والسفن الحربيّة فوق اليمن وفي بحرها. حتّى بتنا نسمع كلاماً عربيّاً جريئاً من الشيعة العرب العراقيّين بلسان رئيس الحكومة حيدر العبادي داعياً إيران “إلى احترام سيادة العراق”. على أمل أن نسمع ما يشبهه من الشيعة العرب اللبنانيّين.
كما بتنا نرى كيف يتردّد “الحرس الثوري” في دعم جيش بشّار الأسد خلال معاركه الخاسرة، إدلب نموذجاً، وفي معاركه الموعودة جنوباً نحو درعا والقنيطرة، وغرباً نحو جبال القلمون وسلسلة جبال لبنان الشرقيّة.
الواضح أنّ إيران تحوّلت بسرعة قياسيّة من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع عمّا حقّقته في غفلة الفراغ الناتج عن شهور المفاوضات النوويّة. استفاقت على صدمة “عاصفة الحزم” في اليمن، وعلى تعثّرها المتجدّد في الرمادي والأنبار، وعلى سقوط هالة “داريوسها” الجديد قاسم سليماني على عتبة الاستنجاد بالطيران الأميركي في تكريت، وعلى خواء الاتفاق النووي ممّا أوهمت به نفسها وفروعها من انتصار. وليس صعباً أن نلاحظ مدى ارتباكها في تحديد وجهتها، فخيار المواجهة العسكريّة المباشرة في الميدان صعب جدّاً، وهائل الكلفة، وخطير النتائج. وخيار الانكفاء والتفريط بالأوراق غير مأمون العواقب.
لذلك، ليس أمامها سوى وسيلتين في المواجهة:
– دفع أدواتها إلى خوض حروب موت أو حياة في الدول العربيّة الأربع التي تقول إنّها تسيطر عليها، اليمن والعراق وسوريّا ولبنان، حروب مذهبيّة طاحنة تشبه الانتحار الجماعي، كما يفعل الحوثيّون مثلاً.
-ورفع الصراخ الإعلامي والسياسي والحقن المذهبي إلى أقصاهما، كما يفعل الآن “حزب الله”.
لكنّ القيادة الإيرانيّة غير واثقة من قدرة هذه الأدوات على تحقيق مكاسب، أو على الأقل حماية ما تحقّق منها، برغم كلّ الدعم المالي واللوجستي بالسلاح والخبراء. وهي مجبرة على زجّ المزيد من كوادرها العسكريّة والأمنيّة وتشكيلات من “فيلق القدس” و”الباسدران” في ساحات القتال. وهذا ما يفسّر الأخبار عن سقوط قادة إيرانيّين في سوريّا والعراق واليمن. والواضح أنّ هذه الأخبار مرشّحة للتواتر أكثر مع المزيد من التورّط الإيراني المباشر.
الخوف في لبنان هو أن ينتقل تكليف “حزب الله” من الضغط الإعلامي إلى الميدان، مع ظهور إشارات وتلميحات أوّلية إلى استعادة لـ7 أيّار بشكل أوسع. فهل يُقْدِم في لبنان مَنْ يُحجم في سوريّا؟ لقد أقدموا في اليمن ورأينا النتيجة.
والرهان هنا على “عقلانيّة” أو “براغماتيّة” ما، ليس مضموناً. فمن يكون ظهره إلى الحائط تستهويه رعونة الهجوم والقفز الإنتحاري. وقد لا تنفع في تسكينه مهدّئات الحوار التي يحقنها الرئيس نبيه برّي في العروق الملتهبة.
فلا يمكن أن نطلب من المنتشي، حتّى الأمس القريب، بـ”الانتصارات الالهيّة”، أن يتقبّل حقائق الانكسارات الأرضيّة، وأن يكتفي بمعاينة تراجعاته وتعداد قتلاه. لأنّ ما يجري منذ أسابيع هو تصدير أو استيراد الجثامين في الاتجاهين: من إيران وإليها.
الثورة تعود جثّة من لوزان، ومن الحروب المذهبيّة حيث شاءت تصدير نفسها. وضبّاط إيرانيّون كبار تستعيدهم طهران جثثاً، ورموز قياديّة يتمّ تصديرها إلى أضرحة الخارج، مثلما حصل مع دفن المرشد الحوثي في الضاحية الجنوبيّة لبيروت.
فكأنّنا بالقيادة الإيرانيّة تريد التعويض عن تصدير الثورة بتصدير الأضرحة، في تجسيد خطير لفكرة توحيد الميادين وإسقاط الحدود والسيادات ونشر المراقد وجعلها مزارات حجّ، والتذرّع لاحقاً بالتدخّل من أجل حمايتها، تماماً كالذريعة الأولى لتوريط “حزب الله” في الحرب السوريّة، عبر ضريح السيّدة زينب والقرى الشيعيّة. والحقيقة أنّ لا حرب المواقع ولا حرب الضرائح تُنقذان إيران من مأزقها. وقد انتهى شعار تصدير الثورة إلى تصدير جثثها.