المحامي عبد الحميد الأحدب/من إتفاقية القاهرة الى إتفاقية مار مخايل الى موسوليني! فإلى الفجر مع نيلسون مانديللا

87

من “إتفاقية القاهرة” الى إتفاقية مار مخايل” الى موسوليني! فإلى الفجر مع نيلسون مانديللا
المحامي عبد الحميد الأحدب/16 آذار/2021

“خير ان تغادر قبل خمس سنوات من ان تغادر متأخراً دقيقة واحدة” (شارل ديغول).

خلال عشر سنوات من اقامتهما في باريس، رفض العميد ريمون اده الإجتماع ولو مرة واحدة بميشال عون، وكنا كلما نقلنا رجاء ميشال عون لقاء العميد مُلحّين مُصرّين، لأن الرجل وطني استقلالي سيادي!!! كان العميد يجيب: “انتو ما بتعرفوا شو عم بيصير خلف الستار!” وكان العميد يقول ويردد: “هذا الرجل متقلّب ولو وصل، فالويل للبنان!
العميد كانت نظرته بعيدة، وكان يعرف ما لا نعرف من خفايا! ولم يقع العميد في الفخ.
ولكن سعد الحريري وقع في الفخ يوم اختلف مع الرئيس فؤاد السنيورة على التسوية التي وقع فيها يوم قلب كل معادلات التصويت لإنتخابات رئاسة الجمهورية بعد أن عطّل حزب الله ونبيه بري البلاد والعباد بهرطقة بتفسير دستوري للنصاب المطلوب لانتخاب رئيس الجمهورية ثلاث سنوات، فجأة انقلب سعد الحريري في اتجاه التصويت لرئاسة الجمهورية واذا به ينقلب فجأة الى تأييد انتخاب ميشال عون رئيساً ويلحق به سمير جعجع. واختلف فؤاد السنيورة يومها مع سعد الحريري لأول مرة! وكان السنيورة يقول لسعد الحريري انه بهذا التصويت لميشال عون يُسلّم مفاتيح الدولة لحزب الله، واذا انتُخب ميشال عون، ولم يعد سعد الحريري يصغي وصار السنيورة يردد على مسامع سعد الحريري نفس ما كان يقوله لنا في باريس العميد ريمون اده! ولأول مرة بقي سعد الحريري متشبثاً مع أنصاره بينما استمر حوار لعدة ساعات اقتنع الكثيرون من الحريريين بوجهة نظر السنيورة ولم يصوتوا لميشال عون في انتخابات الرئاسة، ولكن حكمة السنيورة نجحت في أن لا يؤدي عناد سعد الحريري الى انقسام الحريرية، واخذت الأيام تمر!!! وكل يوم يؤكد صحة رأي العميد ريمون اده والرئيس فؤاد السنيورة، وكل يوم يغطس سعد الحريري في الفخ الذي نصبه له جبران باسيل.
وأخذت الدولة ومؤسساتها تتغير وتتفكك:
1- الغيت الرقابة المسبقة واللاحقة على المناقصات وعلى المعاملات الإدارية (الغيت صلاحيات وبقي شكلاً مجلس الخدمة، ديوان المحاسبة، التفتيش المركزي، هيئة الرقابة على المناقصات، الخ…)، وسعد الحريري يتراجع وجبران باسيل يتقدم، فصارت العقود تُوقّع بالتراضي بدون رقيب ولا حسيب وصار الغش هو القاعدة، واستفحل الهدر في اموال الدولة.
2- الغيت الرقابة المسبقة على التعيينات في الوظائف، فصار الوزير “العوني” يعين ألوف الموظفين من انصاره في الوزارات، الذين ليس لهم لا كفاءة ولا عمل ولا مكان، لهم راتب ولا شيء آخر! ولم يعد الموظفون الجدد الذين يُعدّون بالألوف يذهبون الى عملهم.
3- صار هناك قضاءان: قضاء سياسي يعينه العهد وقضاء قضائي مجرد من اي صلاحية، قضاء برئاسة سهيل عبود، وقضاء آخر برئاسة غادة عون.
وتكاثر عدد القضاة الذين استقالوا واكثر منهم الذين طلبوا احالتهم على الإستيداع، الحقيقة المرة انه لم يبقَ هناك قضاء الا في الشكل. لقد صار القضاء اللبناني الذي كان مستواه رفيعاً صار قضاء المِهداوي في العراق.
4- استولى الوزراء العونيون على وزارة الطاقة وبزعامة جبران باسيل، ومن الفيول المغشوش الى الآلات الغير صالحة الى المناقصات المركبة وغير المراقبة، تراكمت ديون على وزارة الطاقة مع فوائد مبلغ 65 مليار دولار – أقول مليار وليس مليون- وليس في لبنان كهرباء، ونحن ذاهبون الى العتمة، الوزير العوني يقول على التلفزيون ان اجدادنا لم يكن عندهم كهرباء!! فما هذا الدلع؟ انه عهد قوي فعلاً!!! وسعد الحريري في جلسات مجلس الوزراء يتراجع ويضعف.
5- ومن الطاقة الى الاتصالات، الى استئجار المباني التي يبلغ بدل ايجارها السنوي ثمنها بالكامل، والوزير رئيس غرفة التجارة من أقرب انصار سعد الحريري، شبه مقيم في بيت الوسط لتأمين الخدمات!
6- وهل نعدد اكثر؟؟ حاكم البنك المركزي يعد الهندسات لكي تمر المشاريع بأمان وسلام، وفي هذه الأثناء تتصدر الصحف خبر انتخاب الحاكم اول وافضل حاكم بنك مركزي في العالم! الفائدة وصلت الى 15% على الودائع، فاجتذبت المصارف اموال المغتربين والمقيمين.
حكايات الف ليلة وليلة…
واستفاق الشيخ سعد الحريري، فإذا صناديق الدولة فارغة، واذا الإقتصاد على الأرض، واذا حزب الله عبر جبران باسيل قد وضع يده على الدولة بكامل مؤسساتها!
ولأول مرة يغمز الجيش من “القناة”! فؤاد شهاب قال للشيخ بشارة الخوري ان الجيش ليس لقمع التظاهرات بل لحماية الحدود، جوزف عون قال على طريقته اكثر بكثير! والمهم الآن من يفهم!!
ثم بدأ الحصار على الدولة اللبنانية من كل الدول، عربية وغربية، ولأول مرة في تاريخه يصبح لبنان محاصراً الى هذا الحد.
اصبحت الدولة ايرانية بحكم امساك حزب الله بكل مفاتيحها، وحزب الله في تكوينه ولاية الفقيه! وهي نظرية لتيار من رجال الدين الشيعة الذين نبذهم العلاّمة الفاضل النّقي الطاهر والمؤمن بوطنه العراق، وغير المستسلم لإيران، آية الله السيستاني!
ودخل لبنان في صف الدول العربية التي استولت جيوشها على السلطة منذ ضياع فلسطين ومنذ حسني الزعيم، وكلها جيوش استولت على السلطة لتحرير فلسطين، فضاعت فلسطين ثلاث مرات لأن الجيوش العربية لا تعرف كيف تحارب ولا تعرف كيف تحكم.
ولبنان اختار حكم الميليشيا، وليس حكم الجيش، فصار حزب الله هو الحاكم.
ومن ولاية الفقيه اصبحت الأموال والأوامر والأسلحة تتدفّق من ايران، وتحول لبنان الى مستنقع ايراني! وايران في الأصل حضارة وثقافة، ولكن تيار رجال الدين المتعصب المتخلف الذي يسير بولاية الفقيه هو جاهلية شيعية! كانت ايران ايام محمد مُصدَّق ومعه رجل الدين الكشاني ديمقراطية وطنية غنية، ولكن المافيات الأميركية في ذلك الوقت استعملت شاه ايران لتنقضّ بانقلاب عسكري على محمد مصدَّق والكشاني وتجعل من الشاه جسراً للمصالح الأميركية وطاغية على شعبه، فانفجر الإحتقان وجاء الى السلطة رجال الدين من المؤمنين بولاية الفقيه ليقيموا امبراطورية اداتها السلاح النووي، وإفقار الشعب الإيراني!! وبدأ صراع غربي مع ايران النووية، وكان المحرك هو اسرائيل لأن الأمر اصبح امر وجود لإسرائيل، وبعقلية اميركية بلهاء توصلوا الى تسوية 1+5= وقف النووي، رفع الحصار والعقوبات عن ايران!
ولكن ايران اخذت الأموال التي رُفع الحظر عنها، وبدلاً من رفع الفقر عن شعبها اذا بها توظف الأموال في تغذية الطاقة النووية، الى ان جاء “الشيعي ترامب” فأوقف هذه التسوية ولاية الفقيه واعاد العقوبات على ايران!
والآن ايران تخصّب الطاقة النووية وتحاول زيادة نفوذها في المنطقة لنواة امبراطورية فارسية تنكشها من اعماق التاريخ!
واختلطت الأمور وتضاربت القوى والمصالح، فولاية الفقيه لن تتخلى عن النووي الذي هو اداة نفوذها في المنطقة، واسرائيل ذاهبة لآخر الطريق، لأن النووي الإيراني خطر جدي على وجودها، وخطر على المنطقة بكاملها!!! هكذا رأينا ثلاثة ارباع الدول العربية تطبّع مع اسرائيل ودول المنطقة تستفيق على مخاطر النووي وولاية الفقيه.
فقد دخل الملالي الى العراق وسوريا بواسطة دكتاتورية ولاية الفقيه الشيعية ونشر نفوذهم وسيطرتهم، الى أن استفاقت الشعوب، فإذا الشعب العراقي يُغلِّب عراقيته ووطنيته على شيعيته، الولاية الفقهية، واذا روسيا تعيد حساباتها مع ايران وينعكس ذلك على سوريا!
وكل الهزّات الأرضية لولاية الفقيه لن تقدّم ولن تؤخّر، لأن اسرائيل مدعومة من اميركا، وهي لن تتهاون في امر الحياة او الموت، وولاية الفقيه لن تتزحزح عن النووي، فهذه المفاهيم مرتبطة ببعضها وليست ايران هي محمد مصدّق ولا الكشاني لتنمو وتتحرر وتضع قوة انسانية تسودها الحرية، بل هي الآن ولاية الفقيه!
والحرب آتية لا ريب فيها!
وخريطة المنطقة الى التغيير، السعودية بين دخول العصر والخروج من التخلف، وإلباس التخلف ثياب الدين، الى حرية المرأة، الى… الى… على يد ولي العهد…
ولكن من جهة أخرى الى الدكتاتورية وقطع الرِّقاب والخاشقجي بنفس الوقت!
الى هذا او الى ذاك، امام الجحيم او النعيم، ولا مكان للإثنين معاً: جحيم ونعيم.
ماذا عن لبنان!
لبنان سقط في القعر! وقَطْع الطرقات لا يقدم ولا يؤخر، وان كانت المجاعة قادمة والفوضى اسرع منها.
الحل في التغيير، بَدَل قطْع الطرق اذهبوا الى بيوت الطبقة الحاكمة التي سرقت اموالكم، ومن هناك استعيدوها، إذهبوا الى منازلهم الى مكاتبهم حيث الأموال المنهوبة مكدسة في خزائنهم، الى هناك اذهبوا يا شعب لبنان العظيم، هناك عشعشت دولة ولاية الفقيه التي تحكمكم متسترة بميشال عون وجبران باسيل…
إلى هناك، حيث ولاية الفقيه إذهبوا، ومن هناك أسقطوا ولاية الفقيه ليعود لبنان إلى الزمن الجميل إلى ماضيه، وأغلب الشيعة معكم، كما حصل في العراق: الوطنية قبل الطائفية، وأي طائفية تلك ولاية الفقيه، سَبَقَنا العراق، وكان قدوة، وكان الشعب العراقي أقوى في الشوارع من ميليشيات ولاية الفقيه ورأينا في الأشهر الأخيرة إنتفاضة الوطنية العراقية على طائفية ولاية الفقية.
لبنان ليس ممسحة كما جعل منه ميشال عون، لبنان بلد الثقافة والحرية والحضارة، رئيس جمهورية فرنسا ماكرون حين زار لبنان بعد الرابع من آب كان أول من زارها هي فيروز.
لبنان بلد فيروز…
ذهب رئيس جمهورية فرنسا الى كثير من دول العالم ولم يزر، أول من زار فيروز البلد الذي زاره لأنّه ليس عندهم فيروز.
عندنا اليوم موسولوني، وقد عاش ونكّل موسوليني بشعبه، ولكنّ الوطنية الإيطالية عادت فانتصرت، وعُلّق موسوليني مشنوقاً بالمقلوب!
ولكن العالم شهد بعد موسوليني بطلاً طاهراً حرر بلاده وقضى على العنصرية وحقق التسامح والغفران واعاد جنوب افريقيا الى جنة التسامح بالمحبة مزيلاً الأبيض والأسود هو نيلسون منديللا!
البطريرك الراعي هو نيلسون منديللا لبنان!
هو الطاهر النزيه الجريء البطل الذي يرفع سيادة الحرية والسيادة ويفك الحصار عن لبنان ويعيد لبنان الى اصله وفصله.
يُمكن للعهد “القوي” ان يعتقل اللبنانيين ولكن لا يمكنه ان يعتقل احلامهم.
ان المستقبل ليس قدراً محتوماً او امراً مقضيّاً انما هو منوط بجهد الإنسان فرداً ومجموعاً اي بنوع ادراكه وشكل سلوكه فليس ثمة تقدّم حتمي او تأخّر مفروض، سِنَّتُه خارِجَةٌ عن سلطة الإنسان ومُقيّدة لها كل التقييد.