شارل الياس شرتوني/الفاشية الشيعية وسياسة الانهيارات المبرمجة

213

الفاشية الشيعية وسياسة الانهيارات المبرمجة
شارل الياس شرتوني/04 آذار/2021

إن ردة الفعل الهمجية حيال اعلانات البطريرك الاخلاقية والمدنية والسياسية الراقية وما رافقها من ترددات في هذه الاوساط، أقل ما يقال فيها، انها لا تبشرا خيرا، ولكنها لن تثني اصحاب النوايا والارادات الصالحة من التذكير بقواعد الاجتماع السياسي المتحضر، ولا أحد بوارد قبول الاملاءات والتهديدات والتأقلم معها.

المكابرة ليست الطريق، الاعتراف المتبادل والحوار العقلاني، والا الخيارات البديلة ليست حكرا على أحد.

الأزمة اللبنانية بحاجة الى التدويل لأن سبل الحلول العقلانية والمتكافئة لم تعد متوافرة، فالاوليغارشيات مصممة على متابعة انحدارها الاخلاقي، والفاشيات الشيعية لا تزال مقيمة على ذهنية الاستباحات التي أمنها لها السلاح، ولكل منهما نهاية.

***
الازمات المالية والصحية والاقتصادية والتربوية والبيئية قابلة للحل تقنيا ولكن واقع الاستحالات سياسي ويقع على خط التواصل بين السياسة الانقلابية الشيعية ومصالح المنظومة السياسية المؤتلفة معها والتي تشكل احدى اجنحتها. ان اللغة الخشبية التي يعتمدها هذا المحور، والاقفالات التي يفرضها على الحياة السياسية، وسوء النية والكذب المبرح الذي يطبع اداءاته وما يرافقها من ارهاب وافتعال أزمات متوالية، لا تقع في دائرة الصدفة بل في عمق خياراته السياسية وموقعه ضمن سياسات النفوذ الشيعية التي تديرها ايران في المنطقة. ان الانطلاق من هذه المعاينة هو أساس اذا ما اردنا تعاطيا واقعيا مع هذه السلسلة اللامتناهية من الأزمات المفتوحة، التي تتوخى تثبيت الانهيارات المتعددة وادخال الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في دائرة الاعياء والاهتراء المديدين. نحن أمام توجهات متطرفة تسعى، من خلال سياسة تثبيت الانهيارات والعمل الارهابي واللعب ضمن المعادلات الاوليغارشية الناشئة عن جمهورية الطائف، الى انقلاب فعلي يندرج ضمن الفراغات الاستراتيجية التي تحكمها سياسات النفوذ الروسية والايرانية والتركية في المنطقة. ان تحول لبنان الى أرض محروقة ومشاع يستثمر في مجال تأمين الملاذ للارهاب والجريمة المنظمة، وجعل الدولة الصورية رافدا لها، ومنطلقا لسياسات التوتر الاقليمي الاستنسابي التي تشكل احدى أبرز روافعها، هو أمر غير مقبول ولاسبيل للتعايش معه. تحيلنا هذه القراءة الى ضرورة السير قدما في خيار التدويل كمقدمة لتحرير التداول السياسي في البلاد، والخروج من دائرة املاءات هذه المجموعة التي تضع نفسها خارج الاعتبارات الميثاقية والدستورية، والتي تتعاطى مع المؤسسات الدولاتية من موقع التصرف الاستنسابي والمخارجات الايديولوجية والاستراتيجية التي تحكم اداءاتها.

أ- ان العمى الايديولوجي المعطوف على سياسات السيطرة والعمل الاقتصادي المنحرف والاجتهادات الشرعية التي تجيز كل اشكال الاستباحة المعنوية والفعلية قد أوجدوا التربة الخصبة من أجل تحفيز المناخات الفاشية وتعميمها من خلال ادعاءات العصمة الالهية وإمامة الولي الفقيه، والاملاءات على مستوى المناهج الحياتية والفكرية والشعورية وفرض الانتظامات السلوكية، والخيارات السياسية المتجانسة ومعاقبة أي خارج عن ضوابطها المفروضة من خلال سياسات قمعية تتراوح بين الاغتيال والاقصاء والتكفير ، والتعاطي مع الآخرين خارج المنعزلات الشيعية على قاعدة الاملاءات السياسية الأحادية، والتهديد بالحرب، وسياسات التمدد العقاري والسلبطة على املاك الغير بالترغيب والترهيب كما جرى في ضواحي بيروت الجنوبية، والجنوب الاعلى والبقاعات وجرود كسروان وجبيل…،. هذه المناخات تطرح اسئلة أساسية حول امكانية ايجاد تسويات سياسية ديموقراطية وتوافقية في ظل هكذا اجواء واستعدادات ذهنية وسلوكية مبنية على افكار العصمة والاستعلاء (نحن اشرف الناس) وارادة التسلط، وذهنية الاستباحة، والانصياع لإرادة الولي الفقيه…، وما تحجبه من مرارات وعقد دونية ورغبات في الانتقام نابعة من ترسبات تاريخية دفينة. ان مجرد مراجعة لخطابات نصرالله، وتصريحات نعيم قاسم، والمعممين كاف لفهم طابعها الانقطاعي (Psychotic) المبني على التماثلات التي تنفي كل غيرية وكل تمثل للواقع يخرج عن ضوابطها الذهنية.

ب- تشكل مشاريع الحرب المعلنة والمضمرة، باتجاه الداخل والخارج، التعبير العملي عن هذه المناخات الانطوائية وطبيعة الاستعدادات التي تؤسس لها، التي تتخذ من أية اشكالية منطلقا لديناميكية نزاعية تستثمرها في مجال تحفيز سياسات السيطرة التي تحكم متخيلها واداءاتها. المسألة الفلسطينية-الاسرائيلية، والنزاعات الاهلية في سوريا، والعراق، واليمن، ليست الا توريات (Metonymy) تستعمل من اجل تبرير المداخلات العسكرية وتكوين المفاعلات التفجيرية. من هنا تفهم استحالة مقاربة هذه الملفات من زاوية الدپلوماسية المتعددة المحاور، ومقاربة تفكيك النزاعات، التي لا يصار الى استجدائها الا في حالات الضعف والهزيمة والخسائر الفادحة كما جرى في ٢٠٠٦. ان سياسة التحالفات التي اعتمدها حزب الله مع اطراف عديدين خارج نطاقه المذهبي انطلاقا من مبدأ المقايضات السيادية مقابل المحاصصات السياسية والمالية مع الفرقاء السنة ( سعد الحريري، حسان دياب ) والموارنة (ميشال عون، سليمان فرنجية) والدروز (وليد جنبلاط وطلال أرسلان ووئام وهاب)، ليست الا مناورات من داخل اللعبة المؤسسية من أجل ايصال السياسية الانقلابية الى خواتيمها. هذا النهج الانقلابي، في امتدادتة الداخلية والخارجية، سوف يسمرنا على خطوط النزاعات الاقليمية والدولية وديناميكياتها المتحولة التي جعلت من الاراضي اللبنانية مواطئ لنزاعات متوالية. لا امكانية لاعادة الاعتبار لمفاهيم السيادة في ظل تموضعات ايديولوجية واستراتيجية نافية جعلت من لبنان قاعدة لسياسات النفوذ الشيعية التي تقودها ايران في منطقة الشرق الادنى، وما تستدعيه من تموضعات مضادة.

ج- يتم التعاطي مع مسألة تأليف الحكومة من نفس المنطلقات التي اعتمدت طوال مدة حكم الطائف على قاعدة المقايضات بين قوارض الاوليغارشيات الحاكمة، وتحكيم مراكز النفوذ الشيعية ومحاولة اضفاء سبغة دستورية وميثاقية عليها. لقد انتهت الاشكالية الدستورية لحساب مؤسسات صورية تستعمل كغطاءات مرحلية لعملية تصفية الارث الديموقراطي، والعبور نحو ديكتاتورية اتنو-دينية ترتبط بشكل عضوي بالنظام الاسلامي في ايران. ان التبريرات المعطاة لعدم تأليف الحكومة ليست الا اعتبارات واهية اصطنعت لتمويه حقيقة وضع اليد على المؤسسات الدستورية، وتحويلها الى صناديق إيقاعية للسياسة الانقلابية التي تتوخى انهاء الكيان الدستوري والوطني القائم. ان تجاهل الحراكات المدنية والتدهور التصاعدي للاوضاع المعيشية واسقاطها من دائرة الاولويات السياسية التي تحتم انهاء الفراغ الحكومي، والابقاء على حكومة تصريف الاعمال التي فشلت بشكل ذريع في تدبير الشؤون العامة وادارة الأزمات المتلاحقة، هو تأكيد على أولوية مصالح الثنائي الشيعي على مفارقاتها وتبعية ملحقاته في الاوساط السياسية المختلفة.

د- ان تراكم الاستحقاقات الاصلاحية في المجالات المالية والاقتصادية تحيلنا الى سياسة الانهيار الممنهج الذي تظهره اشكاليات اعادة رسملة المصارف وعدم الالتزام بالقرار ١٥٤، ونسف قانون التحقيق الجنائي المالي ومترتباته القضائية والسياسية المحلية والدولية، ووضع اليد على وزارة المالية وموقع المدعي العام المالي من قبل الثنائي الشيعي، وتوقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي المرتبط بالالتزامات الاصلاحية العائدة لاعادة هيكلة القطاع المصرفي وقواعد مداخلة البنك المركزي، وربطهما بالاقتصاد الفعلي والأولويات الانمائية، وتحرير القرار الاقتصادي والمالي من المصادرات الاوليغارشية. ضف الى ذلك التجاهل الفادح للنتائج الكارثية التي تأتت عن عملية المرفأ الارهابية، وما ظللها من شبهات تأكدت مع انسحاب حكومة حزب الله من عمليات الإغاثة واعادة الاعمار والتحقيق الجنائي والتضامن الاخلاقي مع السكان المسيحيين لبيروت الشرقية الذين شكلوا النواة الاساسية للضحايا، والذين قاموا بعملية اعادة الاعمار الجبارة في وقت قياسي على خط التقاطع بين المؤسسات الكنسية والهيئات المدنية الدولية والمحلية، ومن خلال الدعم المالي الكبير الذي أمنته الدول الديموقراطية الغربية وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة وسائر دول الاتحاد الاوروپي، والمساهمات السعودية والمصرية والخليجية والسريلانكية….،.

ه- صراحة، لم اعد أفهم نوعية الروابط المواطنية والمدنية التي تجعلنا شركاء مع الاوليغارشيات الحاكمة ومع أطراف الفاشية الشيعية، فلا الثقافة السياسية والمدنية ولا القيم الاخلاقية ولا المعاناة المشتركة تجمع، لا شيء سوى المحاذرة حيالها لجهة أمننا وحقوقنا وحرياتنا. ان العنف بكل أشكاله والمكابرة ليس من شأنهما تأمين المناخات المؤاتية لعلاقات انسانية جديرة بهذه التسمية، أو لعلاقات سياسية ومدنية راقية وديموقراطية. إن ردة الفعل الهمجية حيال اعلانات البطريرك الاخلاقية والمدنية والسياسية الراقية وما رافقها من ترددات في هذه الاوساط، أقل ما يقال فيها، انها لا تبشر خيرا، ولكنها لن تثني اصحاب النوايا والارادات الصالحة من التذكير بقواعد الاجتماع السياسي المتحضر، ولا أحد بوارد قبول الاملاءات والتهديدات والتأقلم معها. المكابرة ليست الطريق، الاعتراف المتبادل والحوار العقلاني هما، والا الخيارات البديلة ليست حكرا على أحد. الأزمة اللبنانية بحاجة الى التدويل لأن سبل الحلول العقلانية والمتكافئة لم تعد متوافرة، فالاوليغارشيات مصممة على متابعة انحدارها الاخلاقي، والفاشيات الشيعية لا تزال مقيمة على ذهنية الاستباحات التي أمنها لها السلاح، ولكل منهما نهاية.