المخرج يوسف ي. الخوري/وفي الثورة عملاء أيضًا

657

وفي الثورة عملاء أيضًا…
المخرج يوسف ي. الخوري/24 تشرين الأول/2020

عُدنا إلى التأريخ “الإنبعاثي”: إنّ اليوم السابع بعد السنة لانبعاث طائر الفينيق. ويا بقايا اليسار العفن، أسطورة طائر الفينيق لا علاقة لها بفينيقيا لكي ترفضوا رمزيتها في الثورة، مع العلم أنّه مهما تنكّرتم: “أنتم لبنانيون، فهذا يعني أنّكم من جذور فينيقية”، وخسِئتم يا عملاء مرة ثانية

****
ذكّرني الفايسبوك اليوم بمقالة نشرتُها منذ سنة مع بداية الثورة، وكان عنوانها: “رسالتي إلى المنتفضين”. عندما قرأتها سخرت من نفسي لقدر ما كانت طويلة وقد ناهز عدد كلماتها الألفي كلمة.

حينها (مع انطلاقة الثورة) كنت أسخر من حسن نصرالله ومن إطلالاته “المطوّلات” التي لا تعود تنتهي بالهيّن، إذ كنت أعتبر أن جيل الـ PlayStation يجب التوجّه إليه بلغة دينامية ومختصرة، ومن دون لفّ ودوران، وإذا بالفايسبوك اليوم يفضحني ويُريني إنّي “كتّرت حكي بالمطرح الغلط مِتلي مِتِل نصرالله”، إذ توجّهت بمعلّقة إلى الشباب المنتفضين، بينما هم كانوا منشغلين بغزوِ الساحات، فلا دَروا برسالتي ولا قرأوها، لكن بعدها انتشرت أفكار الرسالة بطريقة غير مخطّط لها على قاعدة “الله مع الحمار”.

اخترت اليوم أن أعود إلى هذه الرسالة بإعادة نشر مقطع منها، وأنا على إيماني بأنّ الثورة لم تنتهِ، وهي ليست قابعة على حافة النهر كبعض الغدّارين الجبناء مِمَن ينتظرون مرور جثّة أعدائهم في النهر، بل هي على وشك أن تدوسَ بنعال فقرائها أجساد أعدائها حتى يوم قيامة لبنان!
(عودة إلى المقالة)

(…) اندلعت شرارة الواتساب!! (… غصّ الشارع بالمحتجّين)
“أوف أوف أوف”! لا الضرائب حرّكتهم، ولا غلاء المعيشة حرّكهم، ولا الركود الاقتصادي والبطالة حرّكوهم، ويحرّكهم رسم 6 دولارات على الواتساب؟!!عجيبٌ أمر هؤلاء الشباب، ما الذي يحصل؟!

وإذا بالجواب يأتيني هذه المرّة من ابني (21 سنة) الجالس بقربي: “أبي أنتَ تدّعي وتفاخر بإلمامك في الأبحاث الميدانية، لكنّك في الحقيقة منظّر على الورق ليس أكثر! ليست القصّة قصّة الـ 6 دولارات، بل هي قصّة انتهاكٍ للمنصّة الوحيدة المتاحة لنا كشباب للتواصل، والتي تُشعرنا بأن لنا خصوصيّة كونها غير مراقبة. وخصوصيتنا، كشباب، لا تقلّ أهميّة عن استخدامكم الـ Whatsapp Call لحماية أنفسكم ممّا تدّعونه مراقبة بوليسية لأحاديثكم. (…) أتعرِفُ يا أبي أنّه بمجرّد أن يُحضر الوزير المعدات اللازمة ليتمكّن من ضبط الجباية على الواتساب، يُصبح بمقدوره خرق سريّة هذا التطبيق، وبالتالي الحدّ من حريّتنا تمهيدًا لكبتنا وإخضاعنا؟ لو كنت يا أبي تعرف لكان وزيرُ الاتصالات – الذي هو من جيلك – يعرف هو أيضًا، لكنّه وللأسف لا يعرف! 

تجمّدت مبهورًا أمام ابني، حتى شعرتُ بأنّي لا أعرف هذا الشاب الذي ينام أمتارًا قليلة بعيدًا عنّي كل ليلة، دمعت عيناي تأثّرًا وقلت له: “معك حق، لم أكن أعرف وأنحني بشيبي أمام شبابك على قدرتك المميّزة في قراءة الأمور!” ثمّ أردف ابني قائلًا: “في الانتخابات الأخيرة قدّرت كثيرًا الوقت الذي وضعته لتشرح لي أهميّة المشاركة في الانتخابات، ودفعتني إلى خوض التجربة والتعبير عن رأيي بحريّة بالرغم من أنّك مصمّمٌ على عدم المشاركة بحجة أن قانون الانتخاب الجديد سيأتي بنفس الطبقة الحاكمة ولن يتغيّر شيء. يومها لم أدلِ بصوتي في صندوق الاقتراع، أمّا اليوم فسأُدلي به في الشارع!”
(…)

لكن،
لا يجب أن ينسى الشعب المنتفض أن هناك مَن يتحيّن الظرف المناسب للانقضاء عليه. وعليه نوصي المنتفضين:
– لا تتنظموا ولا تنتظموا في حراك موحّد – أقلّه قبل تحقيق نتائج أولية من تحرّكم – لأن هكذا خطوة تجعلكم لقمة سائغة سهلة الابتلاع.

– لا توحدّوا تجمعاتكم في نقطة مركزية، فيسهل الانقضاض عليكم وتشتيتكم.

– لا يوهمنّكم أحد بأنّ مطالبكم غير موحّدة وبأنّ هذا دليل ضعف وعدم تنظيم. على العكس هذه قوّة لأنّها تمنع من يتربّص بكم من التركيز للالتفاف عليكم.

– اجذبوا كل الأحزاب والحراكات إلى شارعكم ولا تمنعوهم لأن هذا يُضعف خصمكم، لكن احذروا من السماح لهم باستغلالكم لأن لمعظمهم أجندته الخاصة.

– شكّلوا لجنة مركزية للتنظيم وليس للقيادة، ولّا تضمّ ناشطين حزبيّين أو ناشطين من الحراكات السابقة كي لا يدمّروا بخلافاتهم التي باتت معروفة جهدكم، فيبدّدونكم.

– من المعروف أن الثورات تحتاج إلى قائد، فلا تستعجلوا هذه الخطوة ودعوا الأمور تنضج حتى يفرز جمهوركم قائدًا من صلب معدنكم ونزاهتكم.

– فلّا يُخوّفنّكم أحد بالتهديد والوعيد وحتى السلاح، لأنّكم أنتم اليوم من يخوّف، وليكن شعاركم: “ما في إنسان بيخوّف في إنسان بيخاف.”

– هادنوا الجيش والقوى الأمنية ووسائل الإعلام، فلولا تساهل الجيش ومواكبة الإعلام لتحرّككم لما كبُرَت كرة الثلج، لكن فلّا يمنّنكم أحد لأنكم أنتم بدوركم وفّرتم على الجيش مواجهة السلطة الحاكمة التي تجرأت عليه وعلى لقمة عيشه وعلى أمننا، وحرّرتم الإعلام والإعلاميين – بالرغم من شواذ بعض مراسلين – من المايسترو الذي كان يتحكّم بهم.

– الجهد ثم الجهد لتجنّب أعمال الشغب والتخريب.

– قوّة أخصامكم النفس الطويل، وقوّتكم الصمود والأناة وعدم التفكّك، مَن يُثابر يكسب المعركة.
(هنا انتهى النقل عن المقالة القديمة).

هذا جزء ممّا أوصينا به منذ سنة، لكن للأسف استفادت منه أجهزة المخابرات، وصارت تعمل بعكسه لتفتيت الثورة، فكثُر عملاء السلطة داخل الثورة، وكثُرت الدعوات للتنظيم وانتخاب القيادات ووضع المواثيق، وصارت الساحة المركزية مقصدًا سياحيًّا وأُهملت باقي ساحات الوطن، ولم ينجح الثوّار بمهادنة الجيش إذ حسم هذا الجيش خياره بحماية المنظومة، وعادت وسائل الإعلام تفتح أبوابها من جديد لأبواق السلطة وعملائها، لاسيّما هؤلاء “الطرواديين” المزروعين على رأس الثورة ممّن يُسمّون أنفسهم مجتمعًا مدنيًّا وهم فشلوا بكل تحركّاتهم منذ العام 2015، ويجهدون اليوم لإفشال الثورة… لكن، خسِئوا! فكما أنا لا أعرف كيف أوصل رسالتي إلى الثوّار الحقيقيين، والسيد حسن لم ينجح لا بالترغيب ولا بالترهيب في إخماد الثورة، فهؤلاء “الثوّار الأنتلجنسيا” من بقايا اليسار اللبناني العفن، والعملاء لأجهزة السلطة ومَن خلفها من قوى إقليميّة، لَن يَقووا بـ “قبضتهم” المزيّفة على ضرب الثورة من الداخل، لأنّهم أولًا لا يعرفون مَن هي الثورة الحقيقيّة ولا يتّصلون بها، ولأنّهم ثانيًا صدّقوا أنّهم “ثوّار”، أي كذبوا الكذبة وصدّقوها، بينما هم ليسوا سوى حثالة مخابرات.

عُدنا إلى التأريخ “الإنبعاثي”: إنّ اليوم السابع بعد السنة لانبعاث طائر الفينيق. ويا بقايا اليسار العفن، أسطورة طائر الفينيق لا علاقة لها بفينيقيا لكي ترفضوا رمزيتها في الثورة، مع العلم أنّه مهما تنكّرتم: “أنتم لبنانيون، فهذا يعني أنّكم من جذور فينيقية”، وخسِئتم يا عملاء مرة ثانية.