شارل الياس شرتوني/من جمهورية الطائف الى الجمهورية الشيعية، او التداعي الاستوائي المبرمج 

131

من جمهورية الطائف الى الجمهورية الشيعية، او التداعي الاستوائي المبرمج

شارل الياس شرتوني/11 تشرين الأول/2020

*يختصر مشهد التداعي المبرمج الذي تظهره الاشتباكات العشائرية بين آل جعفر وآل شمص طبيعة النهاية المتوقعة لجمهورية الطائف التي اسست بشكل منهجي لواقع التقوض السيادي، وسياسات تقاسم المسالب بين مراكز النفوذ السنية والشيعية

*النظام اللبناني الحالي انتهى ولم يعد قادرا على احتضان مشروع وطني او تسويات سياسية بناءة،يخرجنا من واقع ” الازمات المتناسلة ” الى واقع ديموقراطي وتسوية وطنية ناجزين.

*ان الفشل في العبور الى مرحلة جديدة، والتموضع عند تخوم نزاعية استوائية، يتطلب تدويلا يمكننا الخروج من الارتباطات الاقليمية الآسرة، والخوض في شؤون التسوية الداخلية خارجا عن املاءاتها، وعن استهدافات السلم الاهلي المتأهبة على غير محور.

*****
يختصر مشهد التداعي المبرمج الذي تظهره الاشتباكات العشائرية بين آل جعفر وآل شمص طبيعة النهاية المتوقعة لجمهورية الطائف التي اسست بشكل منهجي لواقع التقوض السيادي، وسياسات تقاسم المسالب بين مراكز النفوذ السنية والشيعية، التي اسست لواقع التآكل البنيوي لمفهوم وواقع الدولة في بلد لم يستطع منذ بداياته حتى اليوم تجاوز ازمات الشرعية الوطنية، وتطوير ولاءات مدنية جامعة، بالرغم من كونه البلد العربي الوحيد الذي بنى حيثيته الوطنية والسياسية على اساس ميثاقي وديموقراطي وتسووي حال دون وقوعه في التجارب السلطوية السائدة في المنطقة، ودون تقويض الحيز المدني لحساب الدوائر السلطوية المغلقة، ودون السقوط في سياسات السيطرة الاسلامية والاتنو-دينية، والحفاظ على الثقافة والمؤسسات الديموقراطية كاطار ناظم للعبة السياسية كما ظهرتها الحراكات الاستقلالية والاصلاحية ( ٢٠٠٥، ٢٠١٩-؟ ).

لقد انتهت هذه القواعد مع سقوط المسيحيين من اللعبة السياسية بفعل السياسات الانقلابية التي دفع بها تحالف اليسار الفاشي والمنظمات الفلسطينية وسياسات النفوذ العربية والدولية ( ١٩٦٥-١٩٩٠ )، ولعبة الطائف التي قامت على اساس سياسات المحاصصة بين الاوليغارشيات السنية والشيعية ومواليها في الاوساط المسيحية وتحكيم النظام السوري( ١٩٩٠-٢٠٠٥ )، وسياسة الانقلاب الشيعي على خط التواصل مع سياسات نفوذ النظام الاسلامي في ايران على المستوى الاقليمي ( ٢٠٠٥-٢٠٢٠ ) .ان ما نشهده اليوم هو تداع لكل اشكال الوجود الدولاتي لحساب سياسات النفوذ المتفلتة، والتذرر البنيوي لكل الرباطات المدنية والمواطنية والانسانية بحدودها الدنيا لحساب ديناميكيات نزاعية مفتوحة، واشاعة احوال من التوحش الذي حول البلد الى مستنقع نزاعي بين قوارض يأكل بعضها البعض. نحن لسنا امام حدث عارض، نحن في تضاعيف نزاعات مفتوحة على مدى ثلاثين عام، التأمت حول واقع الدولة الصورية، وتقاسم النفوذ والموارد بين اوليغارشيات سياسية ومالية، وسياسات انقلابية متلاحقة منعقدة على خط التقاطع بين مراكز القوى الاقليمية وديناميكياتها المتحركة.

لقد انبنت سياسة النفوذ السنية في بدايات عهد الطائف على اساس تسوية سعودية-سورية تم استبدالها سريعا بسياسة وضع اليد السورية على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي من خلال تكليف رفيق الحريري رئاسة مجلس الوزراء، وصياغة قواعد لسياسة ريعية واستثمارية اسست للواقع الاوليغارشي بشقيه المالي والسياسي، من خلال القبض على مفاصل سياسة اعادة الاعمار بكل جوانبها. لقد انفرط عقد سياسة النفوذ السورية مع بداية حرب الخليج الثانية( ٢٠٠٣ )، وتبدد الاقفالات التي وضعت على القرار السياسي، ودخول البلاد في ديناميكية تبدلية سريعة، دفعت بالحكم السوري وحلفائه في الوسط الشيعي الى احتواء المد الانقلابي من خلال اغتيال الحريري، وكسر المد الاستقلالي الناشىء، واستعادة المبادرة من خلال التسوية الرباعية ( ٢٠٠٥ ). مع انطواء المرحلة الاولى، دخلنا في مرحلة وضع اليد الشيعية من خلال التحالفات الانتهازية مع ميشال عون وتياره، وايجاد ردائف سنية ودرزية تحصن سياسة التمدد الانقلابية، واحكام السيطرة على المجلس النيابي والحكومة، والتموضع داخل الديناميكيات النزاعية في سوريا والعراق، والتمهيد لسياسة السيطرة على البلاد من خلال توتاليتارية اسلامية، وتنكر صريح للحيثيات الوطنية والسياسية المنشئة للبلاد.

هذا المد الانقلابي الصريح يقودنا الى استنتاجات اساسية اذا ما اردنا التبصر في مستقبل البلاد: هل من مستقبل لتسوية سياسية ديموقراطية في ظل الموازين القائمة وصواعقها التفجيرية على خط استوائي بين الداخل والخارج، وهل من استقرار ممكن في ظل مناخات ايديولوجية توتاليتارية مطبقة تحكم المتخيل الشيعي الغالب، وفي ظل نهيلية ذات تصريفات دينية شرعت كل انواع الاستباحات، وطبعت استعمال العنف، وتعمل على تفكيك اواصر السلم الاهلي على تنوع مندرجاتها، وتحيلنا الى مناخات فاشية تبيح العنف الجسدي والمعنوي، وتفتح البلاد على صراعات المنطقة. ما هو السبيل الى تسوية ديموقراطية في ظل هذا العنف الذي يمحض مسحة دينية، وعصمة اخلاقية، وتسويغا شرعيا؟!

ان مستقبل السلم الاهلي مرتبط بتسوية سياسية ديموقراطية فدرالية الطابع تضع حدا لسياسات السيطرة الفئوية والاوليغارشية، وتحفز التمثيل والمشاركة والمحاسبة الديموقراطية، تضمنها وضعية الحياد الدولي التي تحول دون استعمال البلاد ارضا لنزاعات بديلة، ومستنقعا للصراعات الاقليمية المديدة والمفتوحة على كل الاشتراكات النزاعية، او مرتعا للجريمة المنظمة والخلافات القبلية والارهاب الاسلاموي على تنوع مصادره.

النظام اللبناني الحالي انتهى ولم يعد قادرا على احتضان مشروع وطني او تسويات سياسية بناءة، يخرجنا من واقع ” الازمات المتناسلة ” الى واقع ديموقراطي وتسوية وطنية ناجزين. ان الفشل في العبور الى مرحلة جديدة، والتموضع عند تخوم نزاعية استوائية، يتطلب تدويلا يمكننا الخروج من الارتباطات الاقليمية الآسرة، والخوض في شؤون التسوية الداخلية خارجا عن املاءاتها، وعن استهدافات السلم الاهلي المتأهبة على غير محور.